مدخلات المحاصصة ومخرجاتها
جاسم الحلفي
يخطيء من يتوقع ان يبصر كفاءات يتم اختيارها لقيادة الوزارات خارج منطق المحاصصة الطائفية والاثنية والحزبية الضيقة. فعلى اساس المحاصصة هذه تقوم ركائز النظام وبنيته، وطبيعي ان يجيء التصويت في مجلس النواب على وزيري الدفاع والداخلية ضمن هذا السياق. تماما كما هو التلكؤ في التصويت على بقية الحقائب الوزارية. فلا يمكن توقع اختيار الاصلح والانفع والاجدر، انما المتوقع ان يستمر سير النظام وفق ما اريد له ان يكون.
ان مدخلات اي نظام هي التي تحدد مخرجاته. فمثلا معمل النسيج يغذى بالقطن لينتج قماش، ونوع القماش المنتَج يعتمد على كفاءة المصنع وكوادره. فلا يمكن ان نتصور ان معمل النسيج هذا ينتج سيارات!
وعلى هذا فان مخرجات نظام المحاصصة الطائفية تتوافق مع مدخلاته، وهي بالتأكيد متلازمة مع المحاصصة. وبما ان من طبيعة المتحاصصين ان يختاروا لادارة اي منصب من هو اقرب الى رئيس الكتلة وليس من هو اكفأ، منطلقين في ذلك من العصبوية والولاء الضيق، فلا اصلاح حقيقيا يرتجى من هذا النظام ومن طريقة ادارته.
لا شيء في تجربة المحاصصة يدعو الى الفخر، فالأزمات تتفاقم على جميع الاصعدة. ولا امل يرتجى من المحاصصة، ولا مخرج من ازمات البلد ينتظر على ايادي رموز المحاصصة وطغم الفساد. اولاء الذين يتواصل الصراع بينهم على السلطة، بما تعنيه من مال ونفوذ وهيمنة على القرار السياسي. ويبقى الفشل التام هو الناتج الملوس. فلا أمن ترسخ ليحمي المواطنين من التفجيرات والخطف، ولا طمأنينة توفرت، ولا خدمات قدمت بشكل يرضي المواطن.
بعد كل اوجاع المحاصصة ومصائبها، وبعد الخسائر التي مني بها الشعب العراقي، خسائر في الارواح لا تعوض، وخسائر مادية فادحة دفعت العراق الى مواقع الدول الفقيرة .. بعد كل الخراب الذي شمل كل نواحي الحياة، علينا الا ننتظر من نظام المحاصصة اصلاح الاوضاع وتغييرها استنادا الى منهجه. فالقبول بالمحاصصة يعني القبول بالاوضاع الاستثنائية، وبعدم الاستقرار، وبالتعايش مع الفقر والذل والهوان.
لهذا بات التغيير الجذري والاصلاح الشامل هو المخرج الوحيد لإنقاذ العراق وشعبه. وهذا لا يتم الا بتأمين مستلزمات محددة، اولها تعديل قانون الانتخابات بما يحفظ اصوات المواطنين من التزييف والتزوير ويمنع التلاعب بارادتهم، وثانيها بناء مفوضية انتخابات مستقلة حقا وفعلا عن المحاصصة والمتحاصصين.
وقبل هذا وذاك لا بد من توحيد جهود قوى التغيير والاصلاح، وبالأخص تأمين وحدة القوى والشخصيات المدنية في اطار مشروع سياسي نهضوي بديل، يحمل رؤية واضحة لا لبس فيها. رؤية تشدد على تغيير بنية النظام السياسي، وتخرجه من المحاصصة الى البناء على اساس المواطنة، مؤكدة التغيير صوب الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.