لقاء إردوغان - بايدن، وأثره على الاقتصاد التركي قمة الناتو في بروكسل

لقاء إردوغان - بايدن، وأثره على الاقتصاد التركي قمة الناتو في بروكسل

شوان زنكَنة

2021-06-14T18:51:37+00:00

سيجتمعُ إردوغان مع بايدن وجهًا لوجهٍ، في قمة الناتو، وسيتَركَّزُ الاجتماعُ على المحاور السّبعة الآتية: 

* سيُصرُّ إردوغان على استمرار نفوذه في الشرق الأوسط، ليبيا وشرق البحر المتوسط وسوريا والعراق.. ولن يقبل تنازلًا بهذا الخصوص. 

* قيامُ القوات التركية بمهام الناتو في أفغانستان، بعد انسحاب قوات التحالف منها، وتبَنِّي تركيا دورَ الوسيطِ بين طالبان والحكومة الافغانية. 

* المسألةُ الأرمنيةُ، والاعترافُ الأمريكي بالمجازر -على حدّ تعبيرها-، وتأثيرُ هذه المسألة على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.

* حزبُ العمال الكردستاني، وموقفُهما المشتركُ منه كمنظمةٍ إرهابية.. وكيفيةُ التعاملِ مع المسألة الكردية. 

* جماعةُ فتح الله غولن، وضرورةُ التوصلِ للاتفاق بين الطرفين بهذا الشأن. 

* مشكلةُ F35، والباتريوت، وS400.. ووجودُ مرونةٍ تركية بهذا الخصوص. 

* زيادةُ حجمِ التبادلِ التجاري بين البلدين.

وقبلَ الوقوفِ على الأثرِ الاقتصادي لهذا اللقاء على تركيا، لا بُدَّ من إلقاءِ الضوء على المُعاناة الأساسيةِ والمُزمِنة للاقتصاد التركي، والتي تَتمثَّلُ بضَعْفِ ثقةِ الأسواق فيه.. ضَعْفُ الثقةِ هذا ليس وليدَ اليوم، وإنما تفاقمَ بمرور الزمن، لأسبابٍ سياسية واقتصادية، داخلية وخارجية، حتى أصبحَ الاقتصادُ التركي ضِمن اقتصادات الدول عاليةِ المخاطرِ، حسب معيارِ "CDS" "Credit default swap" "مقايضة مخاطر الائتمان السيادي"، وهو معيارٌ سنوي لقياس القدرةِ الائتمانية للدول، فالدولُ التي يزيدُ معيارُ "CDS" فيها سنويًا عن 300%، هي دولٌ عاليةُ المخاطر، والمعيارُ السنوي لتركيا بتاريخ 14/6/2021 هو 370% .

أما أهمُّ المخاطر التي يعاني منها الاقتصادُ التركي فهي:

المخاطرُ الاقتصاديةُ: داخليًّا.. التضخّمُ، الناتجُ عن عدم وجودِ معالجةٍ حقيقية لكُلفةِ الإنتاج، وعدمِ القدرة على تخمين حركة الأسعار، وبالأخصّ المواد الغذائية، والعجزِ في الميزان التجاري. وكذلك، تذبذبُ سعرِ صرف الليرة التركية، بسبب عزوفِ المواطن عنها بحثا عن ملاذٍ آمنٍ من جهةٍ، وحمايةِ البنكِ المركزي لها من خلال استنزافِ احتياطاته من جهةٍ أخرى. كما أن الخدشَ في مصداقية المؤسسات المالية الحكومية، كمؤسسةِ الإحصاء التركية، والبنكِ المركزي، بسبب التدخلاتِ السياسية الحكومية، جعلَ الأسواقَ لا تثقُ بالبيانات الحكومية. وكذلك، تفاقمُ حجمِ الأقاويلِ والشائعاتِ حول الفساد وقلةِ النزاهة. ولو أضفنا إلى ذلك، منظورَ الحكومة الخاطئ إلى الفائدة، بسبب مواقف وتصورات مُسبقَة غير سليمة، واساليبِها غير الاقتصادية وغير المنطقية في التعامل معها، فإننا نلمسُ حجم المخاطرِ الداخلية بكلِّ جلاءٍ. 

وخارجيًّا، التضخّمُ وارتفاعُ أسعار السلع عالميًّا. ومضارباتُ بعض المؤسسات المالية العالمية للإضرار بالليرة التركية. والمواقفُ السلبيةُ لبعض المؤسسات المالية العالمية تجاه تركيا. والانفاقُ الحكومي الخارجي على التواجدِ العسكري التركي، العالمي والإقليمي.

المخاطر السياسية: داخليًّا، انشقاقُ الصفِّ الوطني الداخلي إلى جبهتين مُتعادِيَتين، الامرُ الذي أدّى إلى خدشٍ كبير في روح التعايُش السلمي الداخلي، وإنْ كانت الحكومة ليست هي المسؤولة فيه بشكل مباشر. وعدمُ ركونِ الديمقراطية على أسسٍ ثابتة ورصينة، على الرغم من تلك الخطوات الكبيرة التي خطَّتْها الحكومةُ باتجاه تحقيقِ   الديمقراطية في السنوات الماضية. والقضيةُ الكرية. والقضيةُ الأرمنية. وعدمُ وجودِ معارضةٍ حقيقية يمكن التَّعويلُ عليها في تطوير الديمقراطية. وازدواجيةُ العقليةِ السائدة في تركيا، بين العقلية الشرقية والغربية.

وخارجيًّا، العلاقاتُ الخارجية المُتناقضَةُ مع دول الصراع في المنطقة، على الرغم من عدم مسؤولية تركيا وحدها عن هذه التناقضات. التواجدُ العسكريُّ الخارجي، دفعَ بعضُ الدولِ إلى التآمرِ عليها. إنهاءُ عمليةِ السلام مع الأكراد، وتفويتُ فرصةِ تعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي في المنطقة. بروزُ تركيا كقوةٍ اقليمية فاعلةٍ في المنطقة. 

كلُّ هذه المخاطر، سلبيةً كانت أو إيجابيةً، تركتْ بصمتَها على الاقتصاد التركي بشكلٍ بارزٍ وفعّالٍ، وليس أمامَ الحكومةِ التركية إلّا التعاملُ معها بموضوعيةٍ وواقعيةٍ ومنطقيةٍ، وإزالةُ المخاطر السلبية ومعالجتُها وفق حاجاتها التنموية ، وخلال السنين القليلة القادمة، وإلّا فالأزمةُ ستتفاقمُ والمخاطرُ ستكبرُ، وبالتالي ستكون المعالجاتُ باهظةً.

أمّا أثرُ اللقاءِ أعلاه على الاقتصاد التركي، فيبدو، من خلال محاورِه أنه لن يكونَ كبيرًا ولا ملموسًا، فالقضايا المطروحة للنقاش هي قضايا قديمة ومزمنة، وليس في مقدور لقاءٍ كهذا حلُّها، وإنْ كان اللقاءُ وسيلةً جيدة لوضع أسسِ حلٍّ للعديد منها خلال سنواتِ حكم الرئيسين الباقية. 

فالأزماتُ في سوريا وشرق البحر المتوسط وليبيا وافغانستان ستستمرُّ، وسيستمرُّ التواجدُ التركي فيها، وبدعمٍ من أمريكا وإدارةِ بايدن، لان هذا التواجدَ ينسجمُ مع الاستراتيجيةِ الامريكية في تلك المناطق، وسيكلِّفُ ذلك مزيدًا من الانفاقِ الحكومي التركي، مع بعضِ الدعم من أمريكا والناتو. 

أما الصراعُ مع حزب العمال الكردستاني، فانه يستنزفُ الكثير من الميزانية العامة، وتشتركُ أمريكا مع تركيا في إنهاءِ الوجود المسلّح لهذا الحزب، ولكنهما تختلفان في طبيعة العلاقة مع الكرد بعد إنهاءِ هذا التواجد، إذ تسعى أمريكا إلى تحقيق اتّفاقٍ بين الطرفين في غضون السنوات القليلة القادمة، إلّا أنّ الاتراك لم يحزموا أمرَهم بَعْدُ، وهذا الامرُ يُعتبَرُ من أهمِّ المخاطر السياسية والاقتصادية التي تداهمُ تركيا، ولا تسمحُ لاقتصادِها من أنْ يتقدمَ.

وقد يعقبُ هذا اللقاء تطورٌ إيجابيٌّ لتركيا، إذا ما اتّفق الطرفان على رفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين، خاصّةً وأنّ تركيا في حاجةٍ إلى رفعِ حجم صادراتها، لتوفيرِ العملة الصعبة، وتحقيقِ استقرار سعر صرف الليرة التركية.

عليه.. فالتعويلُ على هذا اللقاء لتحقيقِ تحسّنٍ في أداء الاقتصاد التركي واستقرارِ سعر صرف الليرة التركية، يجبُ أنْ لا يحملَ الكثيرَ من التفاؤلِ، ولكن، أعتقدُ أنّه يجبُ على الحكومة التركية أنْ تبنيَ عليه استراتيجيةً مستقبليةً تؤدي إلى تخفيفِ، أو حتّى إزالةِ كافّةِ المخاطر التي تحيط باقتصادِ تركيا وسياستِها.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon