حظوظ العرب تولد من ضلع الديمقراطية

حظوظ العرب تولد من ضلع الديمقراطية

بدر اسماعيل شيروكي

2020-12-31T10:28:03+00:00

بدر اسماعيل شيروكي/ أي حوار سياسي بين قوميتين وثقافتين، وخصوصا اذا أسهم القدر وقيود الجور السياسي العالمي الخاص بتأسيس الدول بالاجبار، الذي أرغمنا على العيش على أرض واحدة مع بعضنا، حينها وبعيدا عن التفاهم السياسي المتبادل، ستكون هناك حاجة الى التفاهم الثقافي.

الحوار وتحمل البعض والتعايش الفردي، بين تاجرين، او قائدين سياسيين او رئيسي عشيرتين، يعيشان في وضع الرفاهية والعيش الرغيد، اسهل بكثير من التعايش بين شعبين وقوميتين مختلفتين، بينهما كم كبير من الذكريات المليئة بالكوارث والخصومات الجغرافية والسياسية المريرة والدموية، التي تتجلى امام ناظريهما يوميا.

من الممكن ان تعد الأزمات والأوضاع الامنية غير المستقرة بعد الحرب والخراب والمجازر، بالنسبة للسياسيين تجربة وفرصة للحوار، تماما كالذي حصل في كوردستان بعد أحداث 16 تشرين الاول 2017 بين اربيل وبغداد، ولكن من الجانب الثقافي بين الشعوب، فإن تلك الذكريات المريرة والسلبية، لا يتم محوها من ذاكرة المجتمع عبر التصريحات والمؤتمرات الصحفية التي يعقدها السياسيون.  

طالما لايعترف رجال السياسة والسلطة في العراق بيقين صادق بالاختلافات القومية والثقافية، وطالما كان مصطلح العراق يشكل الثقافة والقيم والحضارة المطلقة التي تهيمن على الاختلافات الثقافية والاثنية والجغرافية للقوميات، ويسحق حدود الخصوصيات وموزاييك القوميات، وطالما كان العرب هم أصحاب السلطة العليا، فان ذلك ينتج رؤى وفكر مهيمن، وحينها لا يعترفون لتلك القوميات بالادراة الذاتية والقومية الثقافية والسياسية بانها عراقية، ابدا لن يكون هناك تقابل وتعايش سياسي وكل الاشياء ستبقى في اطار ودائرة المشاريع الازماتية التي حصلت في العشرينيات وبداية تكوين الدولة العراقية.  

برأيي، ان التمثيل السياسي يصلح لتلك المجتمعات والانظمة التي لها شعب واحد  وقومية واحدة  وثقاف موحدة. فان هذه الصيغة لبلد تاريخه مليء بالصراعات ودوامة سياسية دامت قرنا كاملا والتي تكبر وتتوسع فيه هوة عدم الاعتراف بوجود شعب واحد  يوما بعد آخر ، لا يستطيع ان يتبنى حقوق كامل الشعوب ويوفر لها الحماية من سلطة القومية المتسلطة. 

ان الذي يتوجب ان يتم تثبيته في العراق والاعتراف به هو نظام متعدد السلطات (بوليارشي) وليس المشاركة السياسية (الاتني).

في العراق ، تمت كتابة الدستور في شهر عسل اسقاط الديكتاتورية، حيث كنا نرى بعض الحرية وكثير من الديمقراطية، قسم من حقوق ونسبة من الانسجام والتعايش بين القوميات، ورغم ذلك فقد حصلت الميدان العملي، تجربتين مع الكورد تمثلان انهيارين، بعد 16 تشرين الاول 2017.  

ان اليات واسس الديمقراطية والحقوق وتعايش القوميات في الدستور كانت ضعيفة الى حد لم تستطع منع هجوم القومية صاحبة السلطة على القومية الكوردية، فكانت مساحة الحرية القليلة سمحت لرئيس الوزراء السابق نيجيرفان بارزاني ان يتحرك للدفاع عن كيان اقليم  كوردستان وكسر الحصار الاقتصادي والعسكري والجغرافي، وجزءا من الفن السياسي والعلاقات الشخصية للرئيس، لان جميع منافذ الحقوق في الدستور العراقي مغلقة بسبب قوة السلطة المركزية والهجمة الاقليمية. وبعد هذا الحادث ان لم تكن معادلة المشاركة السياسية في العراق قد انهارت بالكامل الا انها بالفعل اثبتت ضعفها وعدم عمليتها.

 واضح وجلي ان في بلاد لا يجد الدستور والديمقراطية دعما جماهيريا، والثقافة العامة لا زالت في مستوى القرون الوسطى ولم تقترب من حدود عهد التمدن والنهضة الفكرية والسياسية والمجتمعي العصري، ولا يجوز ان ننتظر اكثر من تلك التعددية السياسية والمساواة المجتمعية.

ان الاستقرار السياسي والسلم المجتمعي على مستوى العراق، ليس بامكانه الاستمرار من التجذر  وعدم اقرار نظام تعددي (بوليارشي) من دون عراقيل ووجع الرأس الذي يفت العضد، لانه منذ تكوين دولة العراق، فان الحوار السياسي باي شكل من الاشكال لم ينقطع بين العرب والكورد وان كانت على فترات متقطعة، وكان له وجود على اية حال، ولكن لان القومية المتسلطة كانت قد اعفت نفسها من تعريف عمق ارض وشعب القومية المختلفة، فان النتائج كانت دائما مبتلاة بقانون لعبة الافعى والسلم (الحية والدرج) حتى في العهد الحالي، ففي الوقت الذي تحس فيه ان جميع الامور وصلت الى قمتها والحل بات قريبا جدا، تتهاوى المسائل بحركة واحدة الى نقطة الصفر.

ان المشكلة الاساسية التي تبدو كخطأ قاتل ووباء ابتلي به جميع الدبلوماسيين الكورد تتمثل في انهم الى الوقت يصرون على مسألة الشراكة والتساوي السياسي في العراق، وليس المشاركة والاعتراف بكيان قومي مختلف.

ان الدبلوماسية المعاصرة على العكس من اسس الديمقراطية القديمة، ليست عددا من المصطلحات المجردة، التي تتكون من عدد من القوانين المصاغة والمؤطرة ، بل عدا عنها هناك روح الديمقراطية التي تولد من الضلع الايسر للتصويت، ويكتسب شرعيته من مصدر باسم الشعب، واكتسبت في العالم اوجها وصيغا واشكالا متنوعة. 

من الاختبارات المتنوعة للعملية الديمقراطية نصل الى تلك النتيجة ان في نظام سلطة متعدد القوميات، الذي لاتعترف الاثنيات فيه بوحدة الشعب ولا يقولون بان هناك شعبا واحدا واصلا واحدا وثقافة واحدة، لا تستطيع الديمقراطية  ان تمارس دورها في ارضاء جميع سكان بلاد مبنية بشكل هندسة سياسية مائة بالمائة. لان ضلع صندوق التصويت يمنح الحظ للاغلبية من القومية العربية فقط لتولد لها ما يمكنها ان تتولى به السلطة.

من جهة المفهوم المعنوي لمسألة التعريف بالنفس على انه شعب فان سكان العراق لم يعرفوا بانفسهم ابدا على انهم شعب واحد، وعبروا عن تلك الرغبة بالحروب والابادات الجماعية (الجينوسايد) ورفض الاخر. باعتقادي ان العراق لا يستطيع ان يكون له ديمقراطية بالمقاس الحقيقي (ستاندارد)، ولكن اذا كان الامر وفقا لما عبر عنه (جون لاك) ظلما ديمقراطيا، عندها يتوجب من اجل التعايش والبقاء معا كجغرافيا موحدة ، الاعتراف بالتساوي الثقافي والقومي ، والتعددية بدلا عن الديمقراطية على اساس التراضي والرغبة التي تصبح اساسا للتوافق والتشارك في بلد نحن فيه اسرى العيش معا. 

ترجمة: ماجد سوره ميري

 

 

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon