حذف أصفار العملة العراقية: عودة الحديث وإمكانية التنفيذ

حذف أصفار العملة العراقية: عودة الحديث وإمكانية التنفيذ

صادق الازرقي

2024-07-19T12:32:32+00:00

حذف الأصفار من العملة إجراء تقوم به بعض الدول بهدف إعادة تقويم العملة الوطنية وتبسيط التعاملات المالية. يجري ذلك عن طريق إزالة عدد محدد من الأصفار من القيمة الاسمية للعملة، ما يجعلها تظهر أقل تضخما وأكثر استقرارا. 

على سبيل المثال، إذا كانت العملة هي "الدينار"، وكانت قيمتها تعادل 1,000 دينار، بعد حذف ثلاثة أصفار، ستصبح قيمتها دينار واحد جديد.

وان من الأسباب المحتملة لحذف الأصفار، مكافحة التضخم، فعندما تعاني العملة من التضخم الكبير، يمكن أن تصبح القيم الاسمية مرتفعة جدا وغير عملية معروضة بكمية كبيرة في التعاملات اليومية، ويمكن أن يسهم حذف الأصفار في تعزيز الثقة بالعملة الوطنية، وتسهيل العمليات المحاسبية والمعاملات المالية؛ وقد يسهم ذلك في تحسين صورة الدولة أمام المستثمرين والمجتمع الدولي.

اما التحديات المحتملة لحذف الاصفار، فتشمل طباعة العملات الجديدة، وتعديل الأنظمة المحاسبية، والتدريب على استعمال العملة الجديدة، وقد يؤدي إلى بعض الارتباك لدى السكان والمستهلكين في بداية الأمر، كما ان عملية الحذف إذا لم يجري تنفيذها بشكل جيد، قد تؤدي إلى اضطرابات اقتصادية؛ وبالنتيجة فان حذف الأصفار ليس حلا لجميع المشكلات الاقتصادية، بل هو إجراء يتطلب تخطيطًا جيدا وتنفيذًا دقيقًا لضمان تحقيق الأهداف المرجوة، بحسب المتخصصين.

ومن الأمثلة على دول قامت بهذا الإجراء تركيا في عام 2005 عندما حذفت ستة أصفار من عملتها، والبرازيل في عدة مناسبات في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وزيمبابوي، حذفت اثني عشر 12 صفرا من عملتها في عام 2009 وفنزويلا حذفت خمسة أصفار عام 2018 ويقدر عدد الحالات في العالم التي حذفت فيها اصفار العملة 70 حالة شهدها العالم منذ عام 1960.

وفي تصريح متجدد لمحافظ البنك المركزي العراقي، علي العلاق، قال ان "مشروع حذف الأصفار من العملة ما يزال قائما" ويعني بذلك حذف ثلاثة 3 أصفار من الدينار العراقي، و على سبيل المثال أن قيمة الورقة النقدية من فئة ألف 1000 دينار، سيجري استبدالها بورقة قيمتها دينار واحد من العملة الجديدة، وخمسة آلاف بخمسة دنانير وعشرة آلاف بعشرة دنانير وهكذا دواليك. 

وبحسب المتخصصين فان القيمة الفعلية للأموال التي يملكها الناس لا تتغير بعد حذف الأصفار، إلا أن تلك الخطوة تسهم في تبسيط عمليات البيع والشراء للأفراد والشركات، وتجعل المبالغ المالية أكثر بساطة وفهما فبدلا من التعامل مع أرقام ضخمة مثل ترليون او مليون (1,000,000 دينار عراقي)، يمكن تحويلها إلى ألف 1,000 دينار فقط بعد حذف ثلاثة أصفار.

أن حذف الأصفار يساعد في إصدار عملات صغيرة مثل العملات المعدنية، تمكن من إعادة تسعير السلع الصغيرة بأسعار أقل، ويسهل تداولها وبقاءها في الاسواق، ويعطي دفعة نفسية إيجابية للسكان بحقيقة أن الدينار العراقي أصبح يمكنه شراء سلع وخدمات أكثر.

ولهذا فإن الدول تستهدف من حذف الأصفار استعادة الثقة بالعملة المحلية بين السكان والمستثمرين، ليزيد الطلب عليها، وتصبح العملة المحلية أكثر تنافسية مع العملات الأجنبية ويقل استبدالها بالعملات الأخرى.

وغالبا ما ترتبط سياسة حذف الأصفار بإصلاحات اقتصادية أوسع، مثل رفع معدلات الفائدة على الودائع المصرفية، لتشجيع الناس على الادخار في داخل البنوك والاستفادة من الفوائد المرتفعة على ودائعهم البنكية، في محاولة لسحب السيولة من السوق، وانخفاض الاستهلاك وتراجع الأسعار.

كما يستتبع ذلك استغلال هذه السيولة في التوسع في المشاريع الإنتاجية، لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية في داخل الدولة وخلق كثير من فرص العمل لينتعش الاقتصاد المحلي في النهاية.

لكن في المقابل، حذف الأصفار قد يكلف العراق أموالا لطباعة فئات نقدية جديدة، فمثلا بعد إلغاء 3 أصفار من الدينار العراقي، عندما نتحدث عن ورقة نقدية من فئة 200 دينار، فإنها تعادل في الواقع 200,000 دينار، وبالنتيجة، قد يكون من الضروري طباعة 4 أوراق نقدية أخرى من فئة 50 دينار بدلا من فئة 50,000 دينار.

ومع ذلك، وبحسب النتائج المتوفرة، قد لا يكون لهذا أثر واضح في تحسن الاقتصاد المحلي إذا لم تكن جزءا من حزمة إصلاحات اقتصادية تساعد في تقليل كمية النقود المتداولة بين الناس وتحفيز الاقتصاد، بخاصة أن اقتصاد العراق اقتصاد نفطي بحاجة إلى تحفيز القطاعات الإنتاجية الأخرى لدفع حركة الاقتصاد المحلي.

فهل يمكن لحذف الأصفار من الدينار العراقي أن يكون بداية حقيقية لتحفيز اقتصاد العراق، بعد ان تبين ان جميع الخطط لم تستطع انتشال الدينار من انحدار قيمته.

في تصريح للمستشار المالي للحكومة العراقية، مظهر محمد صالح، يقول إن "ظاهرة تكثير الأصفار في الوحدة النقدية أو إضافة أصفار تأتي عادة بسبب تعرض الاقتصادات لموجات جامحة من التضخم أو ارتفاعات حادة مستمرة لسنوات في مستوى الأسعار بسبب الحروب والحصارات والصراعات التي تؤدي إلى تمويل عجز الموازنات الحكومية عن طريق الإصدار النقدي"، مشيرا الى إن ارتفاع الأسعار المستمر من دون توقف يؤدي إلى تآكل قيمة الوحدة النقدية مما يقتضي إصدار فئات نقدية أكبر بسبب انعدام قيمة الفئات النقدية الأصغر واختفاء قدرتها في تغطية المعاملات والمبادلات المرتفعة القيمة في السوق، على حد وصفه.

ويرى عضو اللجنة المالية البرلمانية السابق أحمد حمه رشيد أن "العراق غير مهيئ لمشروع حذف الأصفار"، ويوضح "دائما نسمع تصريحات المركزي بتنفيذ مشروع ما، ليتراجع بعد حين عن التنفيذ لأسباب غير معلنة".

وفيما يتعلق بتنفيذ مشروع حذف الأصفار من العملة العراقية، يذكّر الاستشاري المصرفي عبد الرحمن الشيخلي ان طباعة الدينار العراقي في تسعينات القرن الماضي جرت بوساطة مطابع رديئة وإن" العامل الأول الذي كان يقف بوجه المشروع هو التباين بين سعر الصرف الرسمي (الآن 1332 دينارا لكل دولار) وسعر صرف السوق الموازي (الآن يرتفع صعودا عن 1500 دينارا) ويشكل عقبة أمام تنفيذ المشروع".

ويلفت بالقول ان "المشروع سيكون ناجحًا في حال التوصل لسعر صرف ألف دينار مقابل كل دولار واحد. وقتها فإن حذف الأصفار الثلاثة يحقق جدواه الاقتصادية إذ سيتحول سعر الصرف إلى دينار واحد مقابل دولار واحد، وهذا ما كان يطمح إليه محافظ البنك المركزي الأسبق الراحل سنان الشبيبي"، بحسب قوله.

ويردف الشيخلي، ان العامل الآخر الذي أثر على مشروع حذف الاصفار من العملة العراقية، كان متمثلا بالدعوة التي أطلقتها حكومة رئيس مجلس الوزراء الاسبق نوري المالكي لأعوام 2006-2014، في تشريع قانون البنى التحتية الذي عارضته عدد من الكتل السياسية في البرلمان حينها، كونه يؤدي لزيادة الاستثمارات في العراق بطريقة الدفع بالآجل وهذا ما يحد من قيمة المشروع النقدي، على حد قوله.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon