تداعيات نزوح اللبنانيين إلى العراق ومواقف العراقيين
صادق الازرقي
شهد العراق في السنوات الأخيرة وحتى قبل الهجوم الإسرائيلي الأخير على لبنان، تدفقا للاجئين اللبنانيين لأسباب عدة، منها ما ادت اليه الأزمة الاقتصادية في لبنان من تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع معدلات البطالة والفقر وانهيار المصارف وقيمة الليرة، مما دفع كثيرين إلى البحث عن فرص عمل أفضل في بلدان اخرى، كما اسهمت الأحداث الأمنية والسياسية المتوترة في دفع اللبنانيين إلى البحث عن ملاذ آمن.
وبحسب بعض المراقبين ونظرا للروابط بين العراق ولبنان فيما يتعلق بالعلاقات التاريخية والدينية، فان العراق أصبح وجهة جاذبة لكثير من اللبنانيين (حالهم حال السوريين).
وبعد الاحداث الاخيرة وزيادة كثافة القصف الاسرائيلي على البلد وبضمن ذلك الهجوم البري وافراغ الضاحية الجنوبية في بيروت وكذلك في الجنوب اللبناني وفي مدن اخرى، فان معدلات النزوح قد زادت بصورة لافتة.
واستقبلت الحكومة العراقية اللاجئين اللبنانيين بترحيب، ووفرت لهم عديد التسهيلات منها تأمين إقامة لكثير من اللاجئين في الفنادق ومدن الزائرين، بخاصة في النجف وكربلاء، وسمحت السلطات العراقية للوافدين اللبنانيين بدخول الأراضي العراقية بالبطاقات التعريفية في حال عدم تواجد جواز سفر، ومنحت كثيرا منهم مساعدات مالية وقبول الطلاب في المدارس او انشاء مدارس خاصة بهم؛ ويسعى كثير من اللبنانيين إلى الحصول على فرص عمل في العراق، بخاصة في القطاعات الخدمية والتجارية.
تتنوع مواقف العراقيين من نزوح اللبنانيين، فمنهم من يرحب بهم ويعدهم ضيوفا، ومنهم من يشعر بالقلق إزاء التداعيات المحتملة لهذا النزوح على حياتهم المعيشية. وتتأثر هذه المواقف بعدة عوامل، منها، ان كثيرا من العراقيين يشعرون بالقلق إزاء تأثير النزوح على فرص عملهم وحياتهم المعيشية، بخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها العراق وزيادة معدلات البطالة بين الشباب، وازمات الاسكان والخدمات الصحية وغيرها.
ويقول باحثون ان مواقف العراقيين تأثرت بتجاربهم السابقة مع موجات النزوح، سواء كانت إيجابية أو سلبية.
ولوحظ ان السياسات الحكومية تؤدي دورا هاما في تشكيل الرأي العام العراقي تجاه اللاجئين، فالشفافية والعدالة في التعامل مع هذه القضية تسهم في تخفيف التوترات.
ومن التحديات التي يواجهها بعض اللاجئين انهم قد يواجهون صعوبة في الاندماج في المجتمع العراقي، بسبب الاختلافات الثقافية والاجتماعية.
كما يعاني العراق أيضاً من تحديات اقتصادية، مما قد يؤثر على فرص العمل المتاحة للوافدين؛ واستنادا الى بعض الاستطلاعات فان بعض اللاجئين أعربوا عن نيتهم بالعودة إلى لبنان حال تحسن الأوضاع، ولكن هذا الأمر يعتمد على تطورات الأحداث في بلدهم.
وبحسب بعض الدراسات فان هجرة اللبنانيين إلى العراق تعد ظاهرة معقدة ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية، وتحمل في طياتها مجموعة من التداعيات الإيجابية والسلبية على المجتمع العراقي، منها ان تدفق اللاجئين قد يؤدي الى زيادة الطلب على السلع والخدمات و إلى ارتفاع الأسعار، بخاصة في المناطق التي يتواجد فيها عدد كبير من اللاجئين.
وقد يؤدي تواجد عدد كبير من اللاجئين إلى نشوء بعض التوترات الاجتماعية، بخاصة إذا كانت هناك منافسة على فرص العمل أو الموارد.
ولا يخلو الامر من بعض النواحي الايجابية بحسب بعض الآراء الاقتصادية، اذ ان تواجد اللبنانيين في العراق قد يسهم في تعزيز التبادل الثقافي بين البلدين، وقد يسهم إنفاق اللبنانيين في العراق وكثير من النازحين هم من الاغنياء في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، استنادا الى بعض الخبراء.
ويرون ان، وصول اللبنانيين يخلق، فرص عمل جديدة للعراقيين، لاسيما في القطاعات التي يمتلك فيها اللبنانيون خبرة وكفاءة، مثل التجارة والخدمات، وقد يسهم تواجد اللبنانيين في العراق في تعزيز التبادل الثقافي بين البلدين، مما يؤدي إلى توسيع الآفاق وتبادل الخبرات.
ويرد بعض الخبراء على المخاوف في القول ان العراق ولبنان تربط بينهما علاقات ثقافية ودينية، مما يسهم في تسهيل اندماج اللاجئين في المجتمع العراقي، على حد قولهم.
وبهذا الصدد نقل عن بعض العراقيين ترحيبهم باللبنانيين كونهم يحملون ثقافة غنية ومتنوعة، مما يسهم في إثراء الحياة الثقافية العراقية، على حد وصفهم؛ لكن يمكن القول إن مواقف العراقيين من نزوح اللبنانيين هي مواقف متباينة ومتشابكة، تتأثر بمجموعة من العوامل المعقدة.
ويرى بعض العراقيين أن استقبال اللاجئين اللبنانيين هو واجب وطني وإنساني، بحسب تعبيرهم.
ويخشى البعض من أن يؤدي تواجد أعداد كبيرة من اللاجئين إلى حدوث تغييرات ديموغرافية في بعض المناطق العراقية، مما قد يؤثر على التوازن الاجتماعي، فيما يربط البعض بين تواجد اللاجئين اللبنانيين وبين أجندات سياسية معينة، مما يثير مخاوف بشأن النوايا الحقيقية وراء هذه الهجرة.
وتتأثر آراء العراقيين بانتماءاتهم الطائفية والسياسية، المتنوعة للمجتمع العراقي، مثلما كان للظروف الاقتصادية تأثير كبير على آراء العراقيين، ففي ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، قد يشعر البعض بالقلق إزاء أي عامل قد يزيد من الضغط على الموارد.
وتؤدي وسائل الإعلام دورا هاما في تشكيل الرأي العام العراقي، وقد تسهم في تعزيز أو تقليل المخاوف بشأن تواجد اللاجئين، كما تتأثر آراء العراقيين بتجاربهم السابقة مع موجات النزوح، سواء كانت إيجابية أو سلبية.
ولا تتوفر حاليا إحصائيات دقيقة ومحدثة بشأن اعداد اللاجئين اللبنانيين في العراق وتوزيعهم الجغرافي، من اسباب ذلك تغير الأرقام باستمرار، ونظرا للأوضاع المتغيرة في لبنان والعراق، فإن أعداد اللاجئين تتغير بشكل مستمر، مما يجعل من الصعب تحديد رقم ثابت، وقد لا يجري تسجيل جميع اللاجئين بشكل رسمي، بخاصة أولئك الذين يقيمون لدى أقارب أو أصدقاء، مما يؤدي إلى نقص في البيانات.
وكثير من اللاجئين قد يتنقلون بين المحافظات أو يعودون إلى لبنان، مما يجعل من الصعب تتبع تحركاتهم، وبرغم ذلك يجمع المراقبون على ان هناك أعدادا كبيرة من اللبنانيين وصلت إلى العراق، لاسيما بعد الأحداث الأخيرة في لبنان؛ كما ان التوزيع الجغرافي لتواجدهم غير متساو، اذ تتركز أعداد كبيرة من اللاجئين في المدن الدينية مثل النجف وكربلاء، وكذلك في العاصمة بغداد، وذلك بسبب الروابط الدينية والتاريخية.
كما ان المحافظات الأخرى تستقبل أيضاً لاجئين، ولكن بأعداد أقل، وتتوزع هذه الأعداد على شتى المحافظات العراقية.
وذكرت مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أنها تقوم بمتابعة أوضاع النازحين اللبنانيين الذي يتوافدون على العراق، مشيرة الى ان عددهم وصل إلى أكثر من 16 ألف شخص، وقد بدأ يتوافد ايضا سوريون نزحوا من لبنان.
وتوضح المفوضية في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز؛ انها على علم "حتى 21 تشرين الاول 2024" بوصول 16,727 لبنانيا الى العراق منذ تصاعد الاعمال العدائية في لبنان عبر نقاط متعددة بما في ذلك معبر القائم الحدودي (9,552) ومطارات بغداد (6,248) والنجف (927).
ويلفت التقرير الى انه في غضون اسبوع، بلغ عدد اللبنانيين الآتين عبر القائم بمعدل 375 شخصا يوميا، مضيفا أنه في 18 تشرين الأول، كان هناك 54 وافدا عبر مطار النجف و250 عبر مطار بغداد.
وبحسب التقرير، فقد جرت استضافة 43% من الوافدين اللبنانيين الجدد في النجف وكربلاء، فيما يتوزع الباقون في شتى المحافظات في وسط وجنوبي العراق، بما في ذلك بابل ونينوى.
وبحسب احصاءات المفوضية، فإن 62% من الوافدين اللبنانيين هم من النساء والاطفال، كما أن نحو 50% من العائلات الوافدة، تتولى مسؤوليتها نساء.
وذكر التقرير أن الحافلات التي تنقل اللبنانيين الى العراق، التي نظمتها وزارة النقل وجهات خاصة، قامت في غضون اسبوع بنقل الوافدين الجدد الى بابل بدلا من النجف وكربلاء، اذ تشير التقارير إلى أن مرافق الإقامة قد وصلت إلى طاقتها القصوى في هاتين المدينتين.
وتابع التقرير أنه بناء على أوامر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في 7 تشرين الاول، فان النازحين اللبنانيين الآتين الى العراق يجب ان تجري تسميتهم "ضيوف العراق"، وليسوا "نازحين"، كما أن وزارة التعليم طلبت استقبال التلاميذ والطلاب اللبنانيين في صفوفها حتى لا يضيع العام الدراسي عليهم.
ويضيف التقرير انه ردا على الشائعات بان العراق يعتزم تقديم رواتب للوافدين اللبنانيين، فإن مستشارا لرئيس الحكومة نفى ذلك، لكنه أكد أن الحكومة ملتزمة بتقديم الدعم الإنساني والاسكان للبنانيين.