الجيران وفخ تسطيح القضية الكوردية

الجيران وفخ تسطيح القضية الكوردية

بدر اسماعيل شيروكي

2020-07-26T21:26:00+00:00

بدر اسماعيل شيروكي/ يحدد بريجنسكي ثلاثة عوامل كأسس وعناصر قوة لأي بلد وهي: القوة العسكرية، القوة الاقتصادية، والنفوذ السياسي.

برأيي ان البعد الذي غفل عنه بريجنسكي، أو نأى بنفسه عنه كمفكر يعيش داخل نظام قوة عالمية عظمى وشعب متفوق، هو عامل الوحدة الداخلية بين القوميات والسكان الذين يعيشون في إطار البلاد، لان اي بلاد تعاني من أي شرخ أو خط كبير للفرقة بين سكانها وقومياتها فإن ذلك سيؤدي الى اضمحلال وانعدام العوامل الاخرى للقوة بحيث لاتستطيع ان تصبح اسبابا للسيادة السياسية والمكانة المحترمة بما يماثل النظراء من شعوب الدول الاخرى.

اذا كان الامر وفقا لهذه النظرة وهذا الرأي والتعريف للأوضاع الداخلية والاجتماعية والعرقية، فإن عراق اليوم خال من أسس القوة الثلاث، لذلك فإن الزيارة الاخيرة لرئيس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي الى ايران، لم توجب ان ننتظر منها المهابة والاحترام المتبادل في الاستقبال وبروتوكول الزيارة أكثر من الذي جرى.

زيارة الكاظمي، وبدلا من ان تعكس حاجة متبادلة بين طرفين ورغبة مهمة واستراتيجية مشتركة بين دولتين تتساويان وتتوازيان في الثقل، كانت تشبه بشكل أكبر استدعاء ومساءلة من قبل الدولة المضيفة، سواء اكانت ايران او العربية السعودية وحتى أمريكا، والذي نستقيه، فإنه بسبب العلاقات والتعاون مع ذلك البلد او البلدان الاخرى، ما يشبه التحقيق ويعرض للمساءلة والانتقاد واسداء النصائح.  

وحتى في هذه الفترة، فإن الهدف من المباحثات والعمل الدبلوماسي مع العراق، من قبل دول الجوار، وبدلا من ان يدور حول العمل الثقافي والاقتصادي والسياحي المدني والانساني، فانه يتم الطلب من العراق دوما ان يكون ملتزما بالمشروع الامني-المذهبي، من أجل استخدام الجغرافيا والعرق والمجاميع من أجل مصالح وأهداف دولهم، بشكل تتضمن مشاريعهم ومقترحاتهم بشكل قليل جدا يراعي المصالح والامن الاقتصادي والجغرافي والاجتماعي بل وحتى السيادة العراقية كدولة. 

نحن نعيش في عالم مليء بالافعال وردود الأفعال، لذلك سيكون من المناسب ان يتعلم السيد الكاظمي او اي سياسي عراقي آخر الدرس، انه في جميع العهود والايام ليس الموت جيدا للجيران فقط، بل ان تهميش الكورد يخلف وراءه تهميش العراق.

هذه الدولة ومنذ بداية الشروع في التخطيط الهندسي وصياغة بلد باسم العراق، من ملوكه حتى ديكتاتوريته العسكرية، ومنها الى رؤساء الجمهورية الانقلابيين ولغاية رؤساء الوزراء الجماعاتيين (التابعين للجماعات) الحاليين، كانوا جميعا من دون استثناء يتبنون سياسة سيادة طائفة ضد طائفة أخرى ودين ضد دين آخر، واستخدام قومية ضد قومية أخرى. لذلك كان من الممكن ان يتم جعل هذا التاريخ المليء بالمآسي والذي عمره يبلغ ضعف عمر رئيس الوزراء، أساسا لشرعية السلطة ومراتب لقوة بلاده.

اذا لم تتم معالجة أزمات العراق، وقبل كل شيء مشكلات اربيل – بغداد كل ماضيها الكارثي؛ والتي تعد في مقدمة جميع المسائل والازمات السياسية والاجتماعية والجغرافية والانسانية العراقية الاخرى، فلن يستطيع العراق ابدا كدولة ان يستفيد من جميع امكاناته وابعاده وجوانب قوته، لأنه في أكثر العصور ظلمة وفي أيام أكثر الدكتاتوريات شمولية خسر جزءا من سيادته من أجل انتصار وقتي في سعيه للقضاء على الحركة التحررية الكوردية، لذلك فإنه في عصر العولمة ونظام الفيدرالية العراقية وبدلا من التفكير في خيار تهميش وانهيار الكورد، يتوجب في اطار الدستور العراقي التفكير في حل جذري لن يكون امرا حسنا للكورد فقط بل يكون فرصة ذهبية للسيد الكاظمي ان يضمن بها فرصة حل هذه المشكلة التي باتت المؤرقة.

فتسطيح القضية الكوردية والخلافات مع اربيل بمسألة انتخابات أو ميزانية شهر، سيظهر وكأنه إفلاس للكورد، وستكون ورقة يتيمة، بينما في الحقيقة المسألة الكوردية اكبر من الانتخابات ورئاسة الوزراء، هي قضية حقوق دستورية يتوجب على بغداد ان تفهم بأن حل المشكلة مع الكورد يفيد العراق بصورة عامة على عكس ما هي النظرة التي تحاول بعض الأطراف ترويجها بان الكورد في علاقتهم ببغداد هي مسألة مكاسب لا أكثر.

ترجمة: ماجد سوره ميري

 

 



Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon