الانترنت سلاح ذو حدين؛ ولكن لمن؟
بدر اسماعيل شيروكي
بدر اسماعیل شیروكی/ المضحك المبكي في قوة الانترنت، ظهر جليا بعد أمد قصير بعد منتصف ليلة 16 آب 2015، عندما قام الرئيس التركي أردوغان (بالطبع حينها لم يكن قد تسنم منصب الرئاسة بعد) وكان رئيسا للوزراء فقط، عندما استعمل خدمة الفيس تايم واخبار القنوات التلفزيونية المحلية، بهدف الطلب من أهالي مدينة اسطنبول بالتحرك والدفاع ضد مؤامرة الانقلاب التي قام بها بعض العسكر في بلاده، والذين كانوا يسعون لقلب نظام الحكم والقضاء على السلطة فيها.
ونتيجة لهذا الطلب ومن اجل الاستجابة الايجابية لمطالب اردوغان، زحف آلاف المواطنين في تلك المدينة الى الشوارع ودخلوا في مواجهة مباشرة وقدموا عونا لا نظير له للحكومة واصبحوا سببا لافشال الانقلاب والقاء القبض على الانقلابيين.
في السويعات الاولى لبدء الانقلاب سيطر الانقلابيون على مراكز المحطات التلفزيونية التركية الرسمية بشكل كامل، ولكن كما ظهر فإنهم حينها لم يفكروا في عصر الديجيتال انه من اجل ضمان الصوت والصورة والرسائل الموجهة لم تعد المحطة التلفزيونية التابعة للدولة لها دور حاسم لا بديل له، بل لم تعد اداة الاتصال التي لا منافس له.
هذه القصة التي حصلت في موقع جغرافي قريب ودولة جارة لنا، قد تكون انموذجا ناجحا ومؤثرا للعون الذي يقدمه الانترنت لإنجاح الديمقراطية، ضد الطامعين بالسلطة والاستبداد، ولكن في الوقت نفسه يجب ألّا نكون متسرعين ومتفائلين بشكل مفرط، لأن المعونة التي قدمها الانترنت في السنوات الاخيرة التي تلت نجاة اردوغان وحزب العدالة والتنمية في 15 آب انقلب من عون وعطاء رأسا على عقب ليسلكوا طريق الاستبداد وفرض الإجراءات المشددة ضد الحرية وإطلاق الانترنت، الى حد وصف فيها رئيس الجمهورية اكثر من مرة مواقع التواصل الاجتماعي بأنها من اسوأ المخاطر على المجتمع.
تركيا مثال معروف، لكن الفعل المزدوج للإنترنت، كأداة لتعزيز الديمقراطية، أو فرض الذات، أو كليهما، هو لغز معقد للغاية لعالم السياسة وتكنولوجيا الاتصالات الحديثة.
في السنوات الأخيرة، جعلت الولايات المتحدة من وصول جميع شعوب العالم بشكل شامل إلى الإنترنت من أولويات سياساتها، وأنفقت وزارة الخارجية الامريكية عشرات الملايين من الدولارات على تطوير إجراءات لإبقاء الوصول إلى الإنترنت متاحة، وخاصة لتجاوز الرقابة. وأصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في السنوات الأخيرة عدة بيانات عد فيها حرية الإنترنت أحد حقوق الإنسان الأساسية.
ولقد أدانت الأمم المتحدة بشدة أية رقابة أو تقييد لهذه الحرية من قبل الدول، لأنه من منظور العالم الحر، فإن الإنترنت هو هبة إلهية للديمقراطية، لأنه يصبح سببا لاتاحة حرية التعبير والوعي بالعالم من حولنا وصنع السياسات والمشاركة في تحديد مصير المجتمع.
لكن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن الاستخدام السياسي للإنترنت على الصعيد العالمي هو أقل بكثير من مجالات الاستخدام الأخرى. وتظهر الأبحاث أن 9 بالمائة فقط من مستخدمي الإنترنت مهتمون بالأخبار السياسية و 10 بالمائة فقط ينشرون آرائهم السياسية والاجتماعية. من ناحية أخرى ، يهتم 72 في المائة بأشياء مثل الأفلام والموسيقى، وأكثر بقليل من نصف الآخرين (52 في المائة) ، يشاهدون الأحداث الرياضية وينشرونها. لذلك، وفقًا للبحث أعلاه، لا ينبغي أن يكون مؤيدو الديمقراطية سعداء جدا لأن الإنترنت يخلق لهم جوا من الحرية، ولا ينبغي للأنظمة غير الديمقراطية والأنظمة الاستبدادية أن تخاف من الإنترنت لدرجة أن تقوم بإشهار السيف والتهديد بتقييده او قطع خطوطه.
ومع ذلك، يبدو أن أكثر السياسيين الاستبداديين المعية في العالم قد قرأوا هوامش الأبعاد المهددة لوسائل التواصل الاجتماعي بالخوف والحذر ، لذلك قاموا بذكاء ومكر بتنفيذ بعض الآليات الأمنية والسياسية لتقليل التأثير السياسي للإنترنت بالسماح بالحرية المطلقة للقنوات التي تبث ثقافة ترفيه لا قيمة لها غير مبرمجة، كما هو الحال الآن في ما تبذله دول مثل إيران وروسيا والصين من مساع وتقوم بتنفيذها، لذلك ليس من المستغرب أن كلا من الصين وروسيا رفضا ولم يؤيدا إعلان منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وتوصيتها بشأن ضمان الوصول الحر وغير المقيد إلى الإنترنت للمواطنين.
على الرغم من أن البحوث تقلل من أهمية عدد المستخدمين المهتمين بالسياسة والشؤون السياسية، تحاول الأنظمة غير الديمقراطية بناء جدار كونكريتي صلد لعزل مستخدمي بلدانهم عن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي يعدونها خطرا كبيرا وطابورا خامسا وطريقا سالكا للتجسس وتهديدا مدمرا على امنها القومي، بهدف جعل الناس يدعمون رقابة الدولة، والحد من حرياتهم كعمل مشروع، وفهم السياسة على أنها عمل خطير وغير ضروري وغير أخلاقي، عادين اياه مؤامرة الأعداء والخصوم الأجانب وبمجرد ان يستفحل فانه سيقوم بالقضاء على بلدانهم وحياتهم ومجتمعاتهم.