الأبعاد المحلية والإقليمية لاستقالة وزير العدل التركي

الأبعاد المحلية والإقليمية لاستقالة وزير العدل التركي

شوان زنكَنة

2022-01-31T20:27:05+00:00

استقال أُو تمَّت إقالة وزير العدل السيد عبد الحميد غول يوم 29/1/2022، وتمّ تعيين السيد بكر بوزداغ وزيرا للعدل بدل الوزير السابق.

وجاءت هذه الاستقالة في خِضَمِّ احداثٍ سياسية واقتصادية محلية وإقليمية وعالمية حرجة، فهشاشةُ الاقتصاد التركي، وانقطاعُ سلاسل الامداداتِ، وقلةُ المعروض من النفط والغاز، ناهيك عن ارتفاع أسعارها، والأزمةُ السياسية الأوكرانية بين روسيا والغرب، ومفاوضاتُ الحلّ السلمي السرية في سوريا والموقف من بشار الأسد، والانفتاحُ التركي على دول الجوار والمنطقة، وقربُ الانتخابات العامة والرئاسية التركية، والوضعُ الكردي العام في المنطقة ودورُه كعامل اضطرابٍ واستقرارٍ.

ولإلقاءِ الضوء على أبعاد هذه الاستقالة ومُتعلّقاتها السياسية والاقتصادية، لا بُدّ من متابعة جملة الأحداث والتطورات السياسية في تركيا والمنطقة، مع ملاحظة خلفيات الوزيرين، القديم والجديد، ففيها تكمن رسومٌ وأُطرٌ عامّة تخصُّ مستقبل تركيا والشرق الأوسط، ويمكن إدراجها كما يلي:

* الخلفية السياسية والاجتماعية للوزيرين:

1- السيد عبد الحميد غول: تعود خلفيته إلى عضويته كقيادي في حزب صوت الشعب (Halkin sesi partisi-HAS) الذي أسسه السيد نعمان قورتولمش سنة 2010م، بعد انفصاله عن حزب السعادة، والذي اندمج مع حزب العدالة والتنمية سنة 2012م، ويعتبر من الإسلاميين الذين يحملون فكر مللي غورش (Milli GORUS) الذي أنشأه السيد نجم الدين أربكان في السبعينات من القرن الماضي، وهو يمثل التيار الإسلامي (شريحة مللي غورش) مع السيد قورتولمش داخل حزب العدالة.. وقد حدث بعض المشاحنات والمشاكل بينه وبين السيد سليمان صويلو وزير الداخلية الذي يمثل التيار القومي التركي (الطوراني) في الحكومة والحزب، كامتداد للمشاحنات التي وقعت بين نعمان قورتولمش وسليمان صويلو، وبمعنى آخر: بين التيار الإسلامي المحافظ والتيار القومي التركي داخل تشكيلات وأروقة الحزب والحكومة.

2- السيد بكر بوزداغ: تعود خلفيته إلى التيار الإسلامي الموالي لجماعة فتح الله غولن، والذي انقلب عليها بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، فقام بتصفية عناصرها في الحكومة ونفذ بحقهم الاحكام القانونية، كما أنه تعرّض لنقد لاذع من السيد دولت باهجلي، رئيس حزب الحركة القومية، بسبب موقفه في الاعتزاز بقوميته الكردية، وقد سانده في حينه السيد أردوغان في موقفه هذا، ومع هذا فان السمة البارزة في خلفيته السياسية والإدارية هي انه كان المسؤول عن إدارة عملية السلام في تركيا بين الحكومة وعبد الله أوجلان.

* التركيبة الحزبية لقواعد وقيادات حزب العدالة والتنمية:

يحتوي الحزب على ثلاثة تيارات ذات توجّهات مختلفة ومتناقضة في نفس الوقت وهي:

- التيار الإسلامي المحافظ، وهو نفس تيار مللي غوروش الذي كان قد أسسه السيد نجم الدين أربكان، ويمثله الان السيد نعمان قورتولمش وكيل رئيس حزب العدالة والتنمية.

- التيار القومي التركي، وهو تيار قومي محافظ ذو ميول إسلامية طورانية، يحاول السيد سليمان صويلو استقطابه، الا ان علاقاته المتينة بالسيد دولت باهجلي تعرقل استقطاب هذا التيار وتمثيله.

- التيار القومي الكردي المحافظ، وهو الجناح الكردي في تنظيم مللي غوروش، برزت النزعة القومية فيها بعد فشل عملية السلام عام 2015م، إذ كان هذا التيار من أشد داعميها، وليس لهذا التيار شخصية تمثله لأنه لا يستطيع الصمود داخل قيادة الحزب، فكل الذين برزوا من الاكراد داخل الحزب تمت تصفيتهم من الحزب أو من المراكز القيادية فيه.

هناك مشاحنات وصراعات خفية بين هذه التيارات الرئيسية داخل الحزب، ولكن شخصية اردوغان وقوته وقدرته على خلق حالة التوازن، تمنع تفاقم هذه المشاحنات وتَحُولُ دونَ تحَوِّلِها إلى أزمات تضر الحزب.. ويمكن اعتبار السيد أردوغان الشخصيةَ الوحيدةَ في تركيا القادرة على مسك الجناحين القوميين، الكردي والتركي، مع الجناح الإسلامي في كفة عمل واحدة.

* قد يتبادر إلى الذهن أن هذا التغيير الوزاري هو انتصار للتيار القومي التركي تجاه التيار الإسلامي، وأن هذه هي عملية تصفية لممثل التيار الإسلامي في الحكومة وبالتالي الحزب، ولكن الحقيقة ليست كذلك، فالبديل كردي الأصل جرت بينه وبين دولت باهجلي مشاحنات في الشأن الكردي، وهو في نفس الوقت من التيار الإسلامي، وقد جاء تعيينه بموافقة ودعم من السيد دولت باهجلي، ناهيك عن أن السيد اردوغان ليس في وضع يُمكنه فيه التفريط بأصوات مؤيديه في أجواء انتخابات مصيرية قادمة، لذلك فهذا الاحتمال غير وارد.

* في الأشهر الماضية جرت لقاءات سرية بين تركيا والنظام السوري برعاية روسية، كان الهدف الأساسي منها هو الوضع الأمني في شمال سوريا، ويبدو انه هناك تفاهمات حصلت بهذا الشأن.

* وافق المجلس الوطني التركي في 29/10/2021 على مذكرة رئاسة الجمهورية بخصوص تمديد فترة تواجد القوات التركية في العراق وسوريا، وبموجب هذه المذكرة، فانه يحق للقوات العسكرية الأجنبية أن تتواجد على الأراضي التركية على ان تكون تحت إمرَة رئيس الجمهورية التركية، وهذه إشارة واضحة إلى احتمال أن تؤولَ الاحداثُ إلى نشر قوات الجيش السوري الحر في الأراضي التركي وعلى طول الشريط الحدودي مع سوريا.

* يتوسط السيد أردوغان بين روسيا وأوكرانيا لمنع نشوب حرب، ويحاول أن لا ينحاز إلى أي طرف، لأن نتائج هذه الأزمة ستكون سيئة جدا على اقتصاد تركيا وعلى وضعها الأمني في سوريا، وبالأخص في هذا الوضع الحرج، لذلك سيسعى أردوغان إلى تخفيف وطأة هذه الأزمة من خلال التفاهم مع روسيا وأمريكا في سوريا، وفي خلق أجواء سلام وتفاهم مع دول المنطقة، ويبدو أنه هناك حاجة ورغبة لدى كل من روسيا وامريكا باستتباب الأوضاع في المنطقة.

* صرّح قبل أيام السيد أحمدي نزاد أن أمريكا وروسيا قد قايضتا إيران وأوكرانيا، وهو مُحقٌّ في تصوُّرِه هذا، فأمريكا قرّرت الاكتفاء بالتنديد والتهديد بالحصار الاقتصادي إن قامت روسيا بغَزوِ أوكرانيا، ويبدو أن هذا الموقف الأمريكي سيقابله موقف روسي في سوريا قائم على تحييد الدور الإيراني، وعلى حلحلة الوضع السياسي فيها، وبالتنسيق مع تركيا وقوات سوريا الديمقراطية.

* هدّد السيد أردوغان صلاح الدين دميرتاش في تصريح له من المجلس الوطني يوم 12/1/2022 بقوله: ان عبد الله اوجلان سيحاسب صلاح الدين دميرتاش حسابا عسيرا، وفسّر المراقبون السياسيون هذا التهديد بأنه تأكيدٌ على أنه هناك اتصالات امنية سرية بين الحكومة وأوجلان مع اقتراب موعد الانتخابات، كتلك الاتصالات التي جرت معه قبيل انتخابات 2018م، والتي تمخَّضَتْ عن إصدار رسالة تأييد لأردوغان في الانتخابات من قبل أوجلان.

* الانتخابات القادمة ستكون حاسمة، ويبدو أن الطرفين، اتفاق الجمهور واتفاق الشعب، لا يضمنان الأكثرية المريحة، لذلك يعتبر المراقبون أن الصوت الكردي مهم جدا، وهو بيضة القبّان في هذه الانتخابات، لذلك يسعى أردوغان إلى استمالة الصوت الكردي بشتى الوسائل، خاصة وأن حزبه قد فقدَ في الآونة الأخيرة نسبةً ملموسة من أصواته، وبالأخص الصوت الكردي والصوت الإسلامي، ولاحظتْ شركات الاستطلاع التركية نزوحا واضحا للأصوات من حزب العدالة إلى حزبي السيدين على بابا جان وأحمد داوود اوغلو، كما وأنه هناك نزوح ملموس في أصوات حزب الحركة القومية باتجاه حزب السيدة ميرال آقشانر وكمال قلجداراغلو.

وفيما يلي آخر معدل استطلاعات مجموعة شركات الأبحاث بخصوص الأصوات التي من المتوقع أن تحصل عليها الأحزاب فيما لو جرت الانتخابات في هذه الفترة:

حزب العدالة والتنمية/ أردوغان 33.4%

حزب الشعب الجمهوري/ كمال قلجداراوغلو 27.1%

حزب الخير/ ميرال آقشانر 12.4%

حزب الحركة القومية/ دولت باهجلي 7.5%

حزب الشعوب الديمقراطي/ صلاح الدين دميرتاش 10.3%

حزب المستقبل/ أحمد داوداوغلو 1.7%

حزب الهمة والديمقراطية/ علي باباجان 2.4%

حزب السعادة/ تمل قره ملا اوغلو 1.2%

* من خلال ما سبق، يمكن أن يتولد تصور عام حول هدف الحكومة بحزبيه الحاكمين، حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، من هذا التغيير الوزاري المفاجئ، فالظاهر أن الحكومة تسعى إلى فتح باب التفاهم مع عبد الله أوجلان لبدأ عملية سلام تشمل شرق الفرات وسنجار وقنديل، تبدأ بهدنة لحين الانتخابات، ثم نزع سلاح بعد الانتخابات، تعقبه اتفاقات سياسية.. وسيكون وزير العدل الجديد بكر بوزداغ مسؤولا عن هذه العملية كما كان سابقا، وستكون لهذه الخطوة اثرا إيجابيا على الاقتصاد وعلى نتائج الانتخابات.

* وأخيرا.. هناك عاملان سلبيان يعيقان عملية السلام هذه، الأولى: انعدام الثقة بين معظم قيادات حزب العمال الكردستاني ورئيس الجمهورية أردوغان، والثانية: الدور الإيراني السلبي تجاه هذه العملية.. وستبذل إيران قصارى جهدها لإعاقة أية عملية للسلام في المنطقة، حتى وإن تطلب الأمر إلى زجّ عناصر داعش إلى مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية، كالتي جرت في الحسكة قبل أيام، واعتقد أنه سيكون للسيد مسعود البارزاني دور إيجابي مهم في هذه العملية، كما كان له دور فعّال في عملية السلام الأولى، وآمل أن يكون واعيًا لما يجري حوله، وقادرا على تحمّل المسؤولية، وأن يكون لديه الإرادة والإدارة الكافية لإسناد عملية الاستقرار في المنطقة.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon