هناء بيك مراد تكشف خبايا حقبتي علاوي وعبد المهدي

هناء بيك مراد تكشف خبايا حقبتي علاوي وعبد المهدي
2021-02-13T20:27:34+00:00

شفق نيوز/ غادرت العراق في أوائل العام 1981 مع زوجها الى لندن هربا من بطش النظام السابق للكورد الفيليين وعمليات التهجير. وكحال معظم العوائل الفيلية تم اعتقال عدد من اقربائها بتهمة مناهضة صدام حسين وكونهم من الكورد الفيليين، لم يعثر على جثامينهم الى اليوم رغم وجود أسمائهم في ملفات وزارة الهجرة والمهجرين وفي ملفات المحكمة الجنائية العليا التي تخص قضية إبادة الكورد الفيليين.

عملت في مجال اختصاصها الهندسي في لندن، لكن الازمة الاقتصادية العالمية والاقدار وضعتها على سكة السياسة والسلك الدبلوماسي وعاصرت وعملت مع اثنين من رموز المعارضة العراقية من الذين تقلدوا منصب رئاسة مجلس الوزراء بعد 2003، فتعرفت على اسرار وخبايا العمل السياسي وكيفية سير العملية السياسية ومدى الترابط بين ما كانا يؤمنان به وما استطاعا فعله، وكذلك مدى الضغوطات التي تعرضا له لمنعهما من فعل ماكانا يؤمنان من المبادئ والقيم الوطنية.

انها هناء بيك مراد المهندسة المدنية والسياسية والدبلوماسية التي آثرت العمل لخدمة العراق على كل الانتماءات العرقية والدينية والمذهبية.

وكالة شفق نيوز بدورها آثرت إجراء مقابلة مع هذه الشخصية الكوردية الفيلية لتكشف بعض من تلك الاسرار والخبايا.

شفق نيوز: عندما نطالع سيرتكم الذاتية، نجد سيدة بتخصص هندسة مدنية؛ لكنها اصبحت تخوض غمار السياسة واستشاراتها والسلك الدبلوماسي، كيف حدث ذلك؟

هناء بيك مراد: في نهاية الثمانينيات، حيث كنت اعمل في اختصاصي كمهندسة مدنية في قسم التصاميم في شركة بريطانية مرموقة، حصل انهيار اقتصادي كبير في بريطانيا وأول مجال تأثر بشكل مباشر هو مجال الهندسة؛ لذا بدأت الشركات بتسريح منتسبيها على مبدأ (last come first go)، بمعنى أحدث موظف بالشركة، اول المغادرين. فغادرت العمل الهندسي حسب الانتساب. وبالرغم من حصولي على عروض عمل خارج لندن لكني لم استطع القبول بها كوني لا استطيع ان اترك عائلتي (زوجي وابني) في لندن واعمل في مدينة اخرى، لذا آثرت الاستمرار في البحث في لندن وكان من شبه المستحيل في حينه.

وانخرطت في العمل الخيري مع مجموعة من الصديقات لنصرة ومساعدة أهلنا في العراق، حيث كانت ظروف البلد تتحول نحو الاسوء. وفي هذه الاثناء طلبت مني السيدة عايدة عسيران رحمها الله، ان اعمل مع قريبها الدكتور أياد علاوي في حركة الوفاق الوطني. بصراحة لم ارغب في تغيير مهنتي، ولكن المتغيرات السياسية والموقف الدولي من نظام صدام بعد حرب الخليج الثانية في العام 1992 جعلتني أقبل بادارة شؤون مكتب الدكتور اياد علاوي الى جانب صحيفته (بغداد) في لندن، ومن هنا بدأ المشوار السياسي والدبلوماسي لاحقا.

شفق نيوز: ماذا يعني لك كإمرأة بشكل عام ان تكوني اول مديرة مكتب رئيس وزراء في العراق الحديث، وككوردية فيلية بشكل خاص هذه الشريحة المضطهدة؟

هناء بيك مراد: اود ان اوضح هنا اني مارست العمل الخيري والمعارض لنظام صدام بداية من العام 1982 في لندن كعضو مؤسس لاول جمعية تتشكل خارج العراق في اوربا  تدافع عن حقوق الكورد الفيليين بعد عمليات التهجير وجرائم نظام صدام بحق اهلنا الكورد الفيليين والشعب العراقي.

وكوني امرأة لم يكن عائقا في مجال عملي الهندسي ولاحقا السياسي والدبلوماسي، بشكل كبير.  وهنا يأتي دور زوجي، فقد كان المساند الفعال لي.

أما عند تسلمي منصب مدير مكتب اول رئيس وزراء بعد سقوط نظام صدام ومخلفات الحرب واعادة تشكيل وبناء دولة منهارة من جميع الجوانب حين تفككت فيها اكثر الوزارات والمؤسسات المدنية والعسكرية على يد قوات التحالف الدولي.  هنا بدأت اشعر بضغوطات كبيرة وذلك لان هذا المنصب وفي هذه المرحلة بالذات يتطلب شخصا يكون ملازما لرئيس الوزراء طوال الوقت، وهذا اشبه بالمستحيل كوني مسؤولة عن عائلة وابن يدرس في الجامعة. لذلك وجدت صعوبة في التوفيق بين وظيفتي الرسمية والعائلية، وبعد مرور اربعة اشهر على عملي كمدير للمكتب الخاص لرئيس الوزراء، تلقيت رسالة تهديد من تنظيم القاعدة باختطافي او اغتيالي اضافة الى ظهور تنافس وتكالب على المنصب الذي لم اكن وانا اعمل ضد النظام السابق افكر فيه او اي منصب آخر بقدر  تمنياتي بزوال النظام وظلمه من على صدر الشعب العراقي والعودة الى بلدي واهلي في العراق.. وهنا يأتي دور السيد هوشيار زيباري وزير الخارجية الاسبق والذي أكن له كل الاحترام والعرفان. فتم نقلي الى الخارجية ومنه الى السفارة العراقية في الاردن (كون كان ابني علي يدرس في احدى الجامعات هناك).

أما ككوردية فيلية، فإني دوما افتخر واعتز كوني عراقية وكوردية، وجميع الساسة أيام المعارضة وبعد تسلمهم زمام الحكم يعرفون بأني كوردية فيلية، وكوننا معروفين بإخلاصنا وصدقنا ونزاهتنا، وهذه من أهم الخصال في الانسان. وكنت في اي فرصة تتاح لي من خلال عملي الاداري (وليس تنفيذي)، ان أطالب بحق شريحتي. وللتاريخ اؤكد بأن الدكتور أياد علاوي هو الذي اصدر قرار رفع ترقين القيود عن المهجرين حين كان رئيساً للوزراء، الذي كان ثمرة جهود مشتركة من شخصيات عدة، ومتابعاتي الحثيثة للاسراع بصدوره ليكون بذلك بداية استرجاع حقوق شريحتنا .

انني عندما أكلف بأي عمل، لا افكر كإمرأة بقدر ما أفكر كإنسان، فإن انصفنا الانسان فوضع المرأة سيكون افضل بكثير حتماً.

شفق نيوز: عملتم مع شخصيتين كبيرتين في الدولة العراقية هما، الدكتور أياد علاوي وعادل عبد المهدي الذي كان نائبا لرئيس الجمهورية ومن ثم رئيسا للوزراء بعد سقوط صدام، كيف وجدت الشخصيتين، وهل احتجت على وجه الدقة الى مهاراتك السياسية للممازجة بينهما كونهما من خلفيتين سياسيتين مختلفتين؟

هناء بيك مراد: الدكتور أياد علاوي رئيس الوزراء الاسبق، من خلال عملي معه لسنين طويلة منذ بداية التسعينيات كان معياره الوطنية والولاء للعراق والعراق فقط بكل تلاوينه. فعلى سبيل الذكر، اول تسلمنا لرئاسة الوزراء في العام 2004، طلب مني ايجاد شخص لمنصب ما في الامانة العامة، فقال لي بالحرف الواحد "انني لا اهتم بهوية المرشح العرقية والدينية بقدر ان يكون مختصاً وذي كفاءة وولاءه للعراق ولا ابحث عن انتماءاته الاخرى".  ولقد اعتمدت الصراحة (بدبلوماسية) للتعامل معه طوال مسيرتي معه، اضافة الى الاخلاص الذي هو خصلة متأصلة في الكورد الفيليين وهذا ما ذكره ضمنا في كتابه الذي صدر مؤخرا "بين النيران... محطات في مسيرة أياد علاوي" (صفحة 220 ).

أما السيد عادل عبد المهدي، فبالرغم من كونه سياسيا من المجلس الاعلى (في حينه) فكان بعيدا كل البعد عن هذه التحديدات الاسلاموية. فعند زيارته للاردن العام 2007 وكان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، طلب مني العودة الى بغداد للعمل معه في رئاسة الجمهورية، وهو يعلم بأني لا انتمي لاي حزب كان. وتأكيدا على سعة مفاهيمه السياسية، كان عدد مستشاريه في حينه على ما اذكر 11 مستشارا ضمنهم سيدتان ، السيدة ليلى عبداللطيف وأنا، والباقي كلهم من مشارب مهنية مختلفة وليست لهم ارتباطات حزبية اسلامية او غيرها ما عدا اثنان كانا من المجلس الاعلى، على ما اذكر.

وهذا يحسب للسيد عادل عبد المهدي، وللعلم لم اعمل معه حين تسلمه رئاسة الوزراء، كوني تركت العمل وتفرغت لاسرتي ولنشاطاتي الخيرية.

ان الدكتور أياد علاوي والسيد عادل عبدالمهدي ينتميان لأسرتين عريقتين لهما باع مشرف بالسياسة والمهنية. أما التأثيرات والاملاءات التي مورست على جميع من تسلم زمام الحكم في العراق لاحقا، فكلنا نستهجنها ونرفضها وهذا كان سبب تركي العمل والتفرغ للنشاطات الخيرية.

شفق نيوز: في اروقة القرار السياسي العراقي، كيف وهل حقا يتم التطرق الى ملف الكورد الفيليين بالهامش؟ ومن هي اكثر الشخصيات وجدتموها متعاطفة اكثر مع هذه الشريحة؟

هناء بيك مراد: بالفعل في اروقة القرار السياسي تم التعامل مع الملف الكوردي الفيلي هامشيا. فمن ناحية الترشيحات للمناصب كنا ككورد فيليين نحسب تارة على حصة الكورد وتارة على حصة الشيعة (مع رفضي التام لهذه التقسيمات). وبالتأكيد ان كانت احزاب شيعية او كوردية فيفضلون اعطاء هذه المناصب لمنتسبي احزابهم حصرا.

أما من ناحية القوانين والقرارات التي تخص الكورد الفيليون كحالة خاصة، فتم اصدارها على مراحل عدة ولكن لا اعتقد تم تطبيقها بصورة فعلية، حالها كحال اكثر القوانين.

ان اسباب تهميش قضية الكورد الفيليين كثيرة منها داخلية (يخص المكون نفسه من تشتت ومصالح شخصية ضيقة...الخ)، ومنها اسباب خارجية متعلقة بالاحزاب التي مسكت زمام الحكم منذ السقوط لغاية الان، والتي ترجح كفة مصالحها على مصلحة الوطن.

أما عن الجهة الاكثر تعاطفا مع قضية الكورد الفيليين، ومن خلال عملي المباشر منذ التسعينات ولغاية 2010، فإني لا استطيع ان احدد اية جهة هي الاكثر تعاطفا، فالكل يعرف بمظلوميتنا والكل متعاطف ولكن عندما تحين ساعة حصد المناصب والمكاسب فبالتأكيد تكون من حصة الاحزاب التي ينتمون لها حصرا.

شفق نيوز: كانت لكم مشاركة في تحالفات سياسية انتخابية، كيف تقيمون الوضع السياسي للكورد الفيليين بشكل عام، والمشاركة النسوية بشكل خاص؟

هناء بيك مراد: في العام 2010، شاركت في الانتخابات كشخصية كوردية فيلية مستقلة، ولم تكن لي رغبة مطلقة في هذه المشاركة بقدر ما كان طلبا والحاحا من قبل بعض الشخصيات الفيلية. وبكل صراحة كانت تجربة غير موفقة وذلك لاسباب عدة، واهمها ليست لدي قناعة بآلية العملية السياسية الحالية بمعنى ان اعضاء البرلمان معظمهم ينتمون الى احزاب السلطة التنفيذية وبذلك يكون النائب محكوماً باملاءات حزبه لذا انحرف البرلمان عن دوره الرقابي فلا يستطيع اعضاء البرلمان استجواب وزراء احزابهم بل الاكثر من هذا بدأوا يعيقون عملية الاستجواب. فأصبح البرلمان للابتزاز والاستثراء الشخصي.

لذا في خضم هذا الوضع السياسي المرتبك، بالتأكيد لا يوجد وضع صحي لقضية الكورد الفيليين ولا اي قضية اخرى.

واقسى شيء في تجربتي الانتخابية هذه والتي دفعتني بأن اتجه كليا للاعمال والنشاطات الخيرية، فهو كم الفقر والعوز الذي رأيته بأم عيني من خلال جولاتي في مناطق بالعاصمة العراقية بغداد. وكان وقع ذلك عليّ قاسيا جدا ان ارى امرأة مسنة تعيش بدون معيل في كوخ بدون سقف او ارى اطفال كالورود تعوزهم اللقمة والكسوة والتعليم.

اما بالنسبة للمشاركة النسوية، فالاعمال تقاس بالنتائج، فبعض من الشخصيات النسوية تقلد مناصب تنفيذية ومنها وزارة شؤون المرأة الخ، ولكن من دون تحقيق اهداف تصب في مصلحة المرأة!. كذلك العنصر النسوي في البرلمان، لم نلمس منهن اي عمل جدي يخص شؤون المرأة ومعاناتها. فلو نأخذ على سبيل المثال قانون الخدمة الخارجية وقانون التقاعد، فيه بعض الفقرات يجحف حق المرأة، ولم تتحرك اي عضو من البرلمانيات لتغير ذلك الواقع مع الاسف.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon