ناصر رزازي.. فنان "ثوري" جمع اللهجات الكوردية في صوته: هذه رسالتي للفيليين

ناصر رزازي.. فنان "ثوري" جمع اللهجات الكوردية في صوته: هذه رسالتي للفيليين
2025-03-18 15:56

شفق نيوز/ في سماء الفن الكوردي، يتردد صدى ناصر رزازي كأحد أبرز الأصوات التي حملت أنغام الأصالة والتراث، رحلة فنية امتدت لعقود، رسم خلالها لوحات غنائية متنوعة تعكس ثراء الثقافة الكوردية وتعقيداتها، كما هي مسيرته التي لم تخلُ من محطات جدلية، حيث تداخل الفن بالسياسة ليصنع شخصية فنية فريدة ومثيرة للجدل.

غنّى الكوردية بلهجاتها المختلفة، ويفخر بكونه أول شخص قدّم برنامجاً باللهجة الفيلية داخل كوردستان وخارجها، هي مسيرة لأكثر من نصف قرن قضاها ابن السبعين عاماً في خدمة الفن الكوردي، بدأها من مسقط رأسه في مدينة سنه-سنندج في كوردستان إيران، وسرعان ما لفت الأنظار بفضل قدرته على أداء الأغاني التراثية بأسلوب فريد.

أول تجربة له على المسرح عام 1968 عندما غنى أغنية "ديسماله و ديسماله"، دعمه في بداياته الفنان توفيق رضائي، ونظرًا لمحدودية الفرق الموسيقية آنذاك، انتقل إلى مدينة سقز الكوردية وتعاون مع فنانين آخرين.

ومع اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 والتقلبات السياسية التي أعقبتها، لم يتوانَ رزازي عن رفع راية النضال بكلماته وألحانه، انضمّ إلى صفوف بيشمركة كومله وغنى بصوته المفعم بالحماس أغاني تشدّ من عزيمة الكورد، قبل أن يُجبر على المغادرة متجهًا إلى إقليم كوردستان ثم إلى أوروبا، حيث استمر في فنه من المنفى تارة، والسليمانية تارة أخرى.

اشتهر رزازي بأغنيته "به رزى به رزى" التي حققت انتشارًا واسعًا، وقدم خلال مسيرته الفنية العديد من الألبومات التي تعكس غزارة إنتاجه وتنوعه الموسيقي، ومن أبرزها "كوردستان" (1976)، و"گۆمه‌شین" (1982)، و"ڕازیانه" (1993)، و"كرماشان" (2000)، و"ئێواره‌یه" (2010)، و"شارەکەم" (2019). كما تعاون مع العديد من الفنانين الكورد البارزين، منهم زوجته الراحلة مرضية- مرزية فريقي.

لم يغادر الشق السياسي أو القومي في أعماله الفنية، حيث أطلق سلسلة من الأعمال من بينها من ألبوم "هەڵەبجە" الصادر عام 1988 الذي جسّد مرثيةً للضحايا بعد هجوم الأسلحة الكيميائية على مدينة حلبجة، إلى أغنية "رفراندوم" التي قدمها عام 2003 بمشاركة زوجته الراحلة، والتي حملت رسالة وحدة الوطن وآمال الانتفاضة، وفي خطوة استثنائية، عاد رزازي إلى المشهد داخل إيران بإصدار ألبوم "چیاوان" عام 2015 بعد الحصول على ترخيص رسمي، مما شكّل حدثًا فنيًا وسياسيًا بارزًا، إذ أكد أن الفن قادر على تجاوز الحواجز السياسية بإبداعه.

وفي مقابلة خاصة أجرتها معه وكالة شفق نيوز، أعرب رزازي عن تفاؤله بتشكيل دولة كوردستان لما يمتلكه أرضها وشعبها من ثروات وطاقات بشرية تؤهلهم لتحقيق ما وصفه بالحلم الأكبر، حاثا في الوقت ذاته الكورد الفيليين على إحياء تراثهم الفني والثقافي الذي تأثر نوعا ما بعامل المذهب.

تطرق رزازي لبداية مسيرته وقال: "أنا ممتن للأغاني والفن الكوردي، حيث كان لهما دور مهم في تعلمّي اللغة الكوردية ولهجاتها المختلفة، لكن في الحقيقة، حتى الآن، لم يتم توزيع اللغة الكوردية بشكل صحيح".

وضرب مثالاً: "في ظل حكم "رضا شاه"، تم تحويل الكورد إلى مسمى تابعين لإيران، وليسوا جزءاً من تلك البلاد، كما يعبر عنه البعض، وفي هذا السياق، أستطيع أن أثبت علميًا أن اللغة الفارسية هي في الأصل فرع من اللغة الكوردية التي تعود جذورها إلى إيلام وهورامان".

كما تطرق الى العلاقة الوطيدة التي تربطه مع الكورد الفيليين، وقال "أنا فخور بأنني كنت أول شخص في داخل كوردستان وخارجها وضع برنامجا خاصا باللهجة الفيلية، وعملت على إعادة دمجهم في البيت الكوردي لأننا جميعاً كورد، وهذا ما جعلني أتمكن من تقريب اللهجات الكوردية فيما بينها، كما أنني قدمت الأغاني بأربع لهجات كوردية مختلفة، مثل أغنية (لنجه كَیان)، حيث كان الكورد في الأجزاء الأربعة يستمتعون بتلك الأغاني ويرقصون على أنغامها"، يقول رزازي.

وعندما سُئل عن رؤيته عن أوضاع الكورد اليوم، أجاب: "أنا متأكد أن مستقبل الكورد في جميع أجزاء كوردستان سيكون مشرقًا (..) وواثق من أن الكورد سيصبحون دولة مستقلة، ولن تؤثر علينا أية متغيرات سياسية أو اقتصادية، وذلك لأننا نمتلك ثروات طبيعية وخيرات كثيرة، فضلًا عن مؤهلات جغرافية استراتيجية".

ويضيف "نحن أمة شجاعة و مضحية، نعرف تمامًا معنى الحرية والتضحية، فقد ضحينا كثيرًا وتعرضنا للكثير من الويلات، لكن عزيمتنا لم تتزعزع، ونحن مصممون على بناء مستقبل مشرق لأجيالنا القادمة".

وبشأن تاريخ الغناء لدى الكورد، وجوابه عن ذلك يقول رزازي إن "(الهوره) تُعد أقدم أنواع الغناء في مناطق إيلام وكرماشان، وقد امتدت حتى مهاباد، أما "السياجمانه"، فهي نوع من الغناء يرتبط بالهوراميين، ويُنشد جزء منه باللهجة الهورامية، وجزء آخر بالفيلية".

أما عن الغناء باللهجة السورانية، فيرى أن "ليس لها تاريخ طويل مثل باقي الأنماط الغنائية الكوردية، ويمكن ان تُصنف بعد "الهوره" و"السياجمانه" و"اللوك" و"الحيرانوك"، ثم "حيران"، وهي أنواع غنائية قديمة جدًا، تُعد من الفروع الرئيسية للموسيقى الكوردية".

ويكمل رزازي حديثه قائلا: لا توجد أي منطقة في الشرق الأوسط غنية بالأغاني كما هي الحال في المناطق الكوردية، سواء من ناحية الموسيقى أم اللغة.

وحول الألحان للأغاني الكوردية فيقول رزازي "أما بالنسبة لأساس الفن الكوردي، فيمكننا القول أن مقام "الله ويسي" و"قطار" و"سحري" وغيرهم هم من أصول الفن الكوردي، وتعود إلى "اليارسانية" او "الكاكائية"، وهذه موضوعات تحتاج إلى تفاصيل أوسع، خاصة وأن الآلات الموسيقية تختلف من منطقة إلى أخرى، مثل الفارق بين مدينتي سنندج وكرماشان".

الكورد الفيليون وتأثير المذهب

وتحدث الفنان المخضرم عن تأثير عامل المذهب على الفن والغناء لدى الفيليين ورأى أن هذا كان له دور كبير في ابتعاد بعض الكورد الفيليين عن الفن والموسيقى الكوردية".

ويؤكد رزازي أنه "من المهم أن يعمل الفيليون على إحياء هذه الثقافة والتراث الفني الذي يميزهم كجزء من الأمة الكوردية.

كما تأسف عما آل إليه بعض الفيليين في بلاد المهجر من ضعف العامل القومي لديهم ويقول إن "البعض منهم خاصة في أوروبا يتحدثون باللغة العربية بدلاً عن لغتهم الأم".

وبهذا الخصوص تطرق لدور الفيليين في الحركات التحررية الكوردية: "يجب أن نذكر أن الفيليين كان لهم دور كبير في الثورات والانتفاضات القومية الكوردية، لحين تعرضهم للتهجير والترحيل والتدمير على يد النظام البعثي في العراق، وهذا يشير إلى أن الدين والمذهب قد أثرا على العمق القومي للفيليين بشكل غير مباشر".

الكورد وزيادة الوعي القومي

وفي ختام المقابلة يتفق رزازي مع السؤال الذي وجهته إليه وكالة شفق نيوز عن زيادة الوعي القومي ونضوجه لدى الكورد في إيران، ويقول "أنتم على صواب في تأكيدكم على ضرورة المزيد من النضال والوعي بالقضية الكوردية في جميع أجزاء كوردستان، بما في ذلك كوردستان إيران. الشعور القومي في المناطق الكوردية الإيرانية، كما ذكرتم، أصبح أكثر وضوحًا ووعيًا. وهذا يشير إلى أهمية توحيد الجهود والوعي الجماعي بالقضية الكوردية على مستوى كل الأجزاء.

وينبه إلى أن "القضية الكوردية تحتاج إلى المزيد من التضامن بين الكورد في كل الأماكن، وزيادة التركيز على حقوقهم الثقافية، السياسية، والإنسانية".

على الرغم من هذه المحطات الغنية والجدلية، يبقى ناصر رزازي أحد أبرز الفنانين الكورد الذين ساهموا في حفظ وتطوير الموسيقى الفولكلورية، وقد أعلن عن عزمه إصدار أربعة ألبومات جديدة تتضمن 45 أغنية قبل اعتزاله، معتبرًا أن هذا العمل هو مساهمته الأخيرة في عالم الموسيقى.

ويخطط للتركيز على الكتابة والنشر، مؤكدًا أن هذا يعتبر "مسؤولية وطنية" بالنسبة له.

00:00
00:00
Shafaq Live
Radio radio icon