فرص الفيليين الضائعة – الجزء الرابع
علي حسين فيلي/ عندما تحدث مشكلات ذات ابعاد وتأثيرات واسعة على صعيد المجتمع، يبرز دور الجهات الرسمية والاجتماعية وغيرها من المسميات الاخرى في التصدي لتلك المشكلات، وهذا ناتج عن تراكم تجارب ومحاولات الانسان بالتفكير بطرق الحصول على مفاتيح الحلول، وبقدر ما يحاول تسوية الامور يسلك طرقاً عديدة واقلها نصيباً هو الطريق القانوني، وهذه الظاهرة برزت بوضوح خاصة مع الواقع العراقي، لذا نرى تبعات الحلول السياسية والطائفية المبنية على هذا النهج الكارثي الذي لايحل المشكلة بل يؤجلها ويعقدها، بعبارة اخرى كلما نتقارب اكثر تدمر حلولنا بعضنا البعض اكثر وكلما ابتعدنا تتجمد تلك الحلول لذا لابد ان نتراجع خطوة ولكن لانبحث عن امتيازات اكثر بل الحلول بطرق جديدة.
وقضيتنا الفيلية التي من المفترض ان تحل بالطريق القانوني قد وقعت ضمن صلاحيات من يتصرف بالقانون كما يشاء ، ومن هنا يبدأ مشوار اللا حل ويبقى الملف مشرعاً وبدون تكلفة لدولة المؤسسات القانونية وهذا ليس تشهيرا وتنكيلا بالنسبة لنا كفيليين لان طلباتنا واضحة واسباب المظلومية التي لحقت بنا ايضا واضحة وعدم استرجاع حقوقنا لايحل مشاكل العراق، ولاينفع كذلك بأسترجاع حقوق الاخرين بدون متابعة اصدار التشريعات الخاصة التي يصدرها مجلس النواب لمعالجة القوانين التي اصدرها النظام السابق بحق الفيليين.
لو فرضنا ان مشكلتنا سياسية او قومية او طائفية، اين يمكننا ان نطرحها ونحلها؟ ولو كان هناك امل بسيط او فرصة وحيدة من خلال طرحها كقضية سياسية اين سنطرحها وتحت اي قبة؟ ألا يمكننا ادخال ماتعرض له الكورد الفيليون من جرائم وتصفيات ضمن المناهج الدراسية التاريخية والحقوقية؟
الكل يروجون لمناهج مستعارة وفي سماء الخيال يبنون بيوت السعادة وفي مقاهي حرق الوقت والامل يعقدون الصفقات للترويج لشيء لايؤمنون به اصلاً. ونحن الفيليين ننتظر امدادات غيبية ورياحاً مواتية تساعدنا كي نقوم بأنقلاب ضد انفسنا. بمعنى آخر كي نذهب الى سراب المجهول اذ ان فترة صلاحية افكارنا واقوالنا وافعالنا غير محسومة ومحددة. ليسوا قليلون منا من يعيش ويتعامل بهكذا نظرية واساساً نحن لانفرق لحد الان بين الايمان بالقضية او بالاشخاص.
لقد توفرت لنا اكثر من فرصة لاسترجاع حقوقنا او التقارب من تثبيتها برغم ان مشاكل العراق الكثيرة تضع قضيتنا كقضية فرعية. ومن الواضح ان ثقلنا السياسي والثقافي والاقصادي قد تراجع في مناطق تواجدنا وهذا بسبب تأثير المناخ السياسي العراقي الذي يحيط بنا بالرغم من ان نمونا السياسي كان افضل من الطفرة التي حدثت في بدايات التغيير، وانا اسميها طفرة لانها لم تكن واقعية فقد اصبحنا حينها نملك قرابة عشر مقاعد في البرلمان العراقي والعديد من الشخصيات الفيلية تسنموا مناصب تبعث على التفاؤل بالمستقبل، هذه الطفرة وليس النمو جعلت حساباتنا تختلط وتخيلنا واهمين ان مشاريع سياسية كبيرة امامنا واهدافاً استراتيجية في طريقها الى التحقق، ولكن مع استمرار الوقت وعودة الحال الى النمو الطبيعي حسب امكاناتنا وحجمنا وحضورنا تلاشى كثير من الآمال وتبددت الاهداف، ولو ان التراجع قد شمل الجميع، إلا ان اصحاب الطفرة السياسية استفادوا ماديا على الاكثر واستثمروا للمراحل القادمة على الصعيد الشخصي.
ولكي لايغيب عن بالنا فبحسب مصادر رسمية ومنها الصليب الاحمر الدولي وتأكيدات المدعي العام في قضية الابادة الجماعية للكورد الفيليين عبد القادر الحمداني فان الاحصاءات المتوفرة تشير الى ابعاد 600 الف كوردي فيلي خلال سنوات 1980 الى 1990 ويضاف اليهم اكثر من خمسين الف من المهجرين من قبل النظام السابق خلال اعوام 1969 الى 1972 وبعملية احصائية بسيطة على اساس معدل نمو السكان سنوياً في العراق وهو 3 % فيكون عددهم الحالي مليون وستمائة وخمسون الف وقد عاد قسم بسيط منهم الى العراق ومازال الاغلبية باقون في المهجر وهذا كسر ظهرنا واضعف التواجد الفيلي في مجلس النواب وكذلك ثقلنا السياسي على الساحة العراقية، وايضا حسب احصائيات هيئة منازعات الملكية اكثر من مائة الف ملف في جميع ارجاء العراق، وقد ادعوا انهم انجزوا مايصل الى 90% من هذه الملفات كعدد ولكن الحقيقة هي ان الملفات ذات التعويض من خمسة ملايين الى خمسة وعشرين مليونا يكون حسمها في المقدمة ونعلم ان الاموال والممتلكات المصادرة من الفيليين اكثر بكثير من هذه النسبة، لذا بعد عقد من الزمن نسبة قليلة جدا منهم قد استرجعوا حقوقهم. وبالنسبة لدوائر الاحوال المدنية فأيضا يذكرون مغرية ولكن الواقع مغاير تماماً. ووزارة حقوق الانسان قبل الغائها كانت تدعي انها انجزت جميع ما يتعلق بالوزارة حول القضية الفيلية.
اضافة الى ذلك بسبب تعدد الافكار والتوجهات وعدم تواجد مرجعية سياسية- لاسيما لمن اختار البقاء في الداخل- اصبحنا حائرين بين حلم الاستفادة من الطفرة او العودة الى صعوبة النمو وليس من السهل الخروج من هذا المأزق حتى لو لجأنا الى القانون وهو درس صعب ولكن لابد ان نتعلمه رويداً رويدا ، ولأننا نعلم ان كل شيء ممكن في السياسة لكن ليس هناك امل قوي لحصول طفرة اخرى ولابد ان نفكر بدلا من ذلك بالنمو التدريجي المدروس فهو رأسمالنا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتحت مظلة القومية والمذهب وما شابه وان نثبت مكانتنا على مستوى المجتمع العراقي كي نرسم خارطة طريق على اسس واقعية وعقلانية وليس على اساس المجاملات والعواطف وبدلا من ان نتعاتب ونتهم بعضنا البعض ونحزن على خسارة تسعة مقاعد في مجلس النواب حتى اصبح حضورنا فيه صفراً، لنجتهد بتحصيل مقعد واحد قبل التفكير بالصراع على المزيد. ونحن في السنة الثانية عشر من سقوط الصنم ولم يلوح لنا في الافق شيئاً مما كنا نطمح اليه ومما لاشك فيه ان تحديات الحاضر والمستقبل اكثر تعقيدا من تحديات الماضي وكما يقول الامام علي عليه السلام: "السياط التي لاتقصم ظهري تقويني".
في مسيرة التاريخ الرؤى والطرق تتغير وهذا التغيير يحتاجه الانسان ويجبره الى طرق واحتياجات جديدة، ومن هنا خصوصيتنا جعلتنا نقف وسط عاصفة سياسية لاتحمل عواطفاً ولااحاسيس فكيف يمكننا الصمود بوجهها، وهل سنتحمل نتائجها الكارثية بدون تحقيق النمو في جميع الاتجاهات اللازمة؟. ولنعلم ان زمن الهبات قد انتهى بالنسبة للفيليين. وعلينا ان لانخدع انفسنا فكلنا ضحايا الظلم والاضطهاد.