كانت عملية تحرير مدينة الرمادي للمرة الثانية دليلا على قدرة القوات النظامية العراقية على هزيمة تنظيم الدولة
لكن وعود التوظيف والتمكين التي قدمتها الحكومة في بغداد للسُنّة لم تتحقق. وزادت سياسات المالكي من غضب السُنّة لدرجة أن هذه المناطق أصبحت في فترة مهيأة لعودة المسلحين من سوريا التي لجأوا إليها.
ويبدو أن الولايات المتحدة، التي لديها حوالي 3500 عسكري ما بين مدربين ومستشارين للقوات العراقية على الأرض، تعي تماما أن القوة العسكرية ليست كافية لمجابهة المسلحين.
قال الكولونيل ستيف وارن المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة "لا يمكننا أن نستمرعلى نفس النهج".
وأضاف "نحتاج إلى حكم جيد، وتسوية سلمية للوضع في سوريا، وأمور أخرى لابد من توافرها".
ولا تتوفر أي من تلك العناصر على أرض الواقع في العراق إلى الآن، لكن القتال ضد التنظيم مستمر، ومن المتوقع أن يشتد.
ويسود شعور قوي بأن الولايات المتحدة تدفع نحو تحقيق انتصار عسكري كبير مثل استرداد الموصل، وربما مدينة الرقة التي أعلنها التنظيم عاصمة له في سوريا، حتى يُضاف ذلك إلى تركة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي يغادر منصبه في يناير/ كانون الثاني المقبل.
لكن حتى إذا نجح ذلك المشروع الطموح، فقد يؤدي أي تحرك لاستئصال تنظيم الدولة من المنطقة إلى أضرار بالغة ما لم يقم على أسس سليمة.
فسكان مدينة الموصل، البالغ عددهم نحو مليوني نسمة، ينتمون كلهم تقريبا إلى الطائفة السُنّية.
وربما مازال بعض السكان يرون أن تنظيم الدولة، الذي يُعتقد أن 85 في المئة من مقاتليه عراقيون، هو الدرع الواقي لهم من حكومة بغداد التي يهيمن عليها الشيعة والمدعومة من إيران.
لكن حتى بدون حدوث هذا، إذا دُمّرت المدينة أو احتُلت من قبل من لا ينتمون إليها مثل الكورد أو الميليشيات الشيعية أو القوات المسلحة العراقية المدعومة من الولايات المتحدة، فقد يكون هذا بمثابة زرع بذور لحالة أخرى من الاستياء والتمرد.
وحتى الآن، بعث نجاح التحركات العسكرية ضد تنظيم الدولة بمؤشرات متباينة.
دُمرت الرمادي بالكامل وشُرد جميع سكانها أثناء عملية التحرير
وعندما انهار الجيش العراقي النظامي بسهولة أمام مسلحي التنظيم في الموصل في يونيو/ حزيران 2014، كان الحشد الشعبي، وهو مجموعة متنافرة جرى تجميعها بسرعة وبصورة غير محكمة من مسلحين شيعة غير نظاميين، هي من منع مسلحي التنظيم من بلوغ بغداد.
كما تقدمت قوات "الحشد الشعبي" الصفوف في عملية "تحرير" ديالى، الواقعة شمال شرق العاصمة وهي أول محافظة عراقية تُطهّر إلى حد كبير من المسلحين. وتعاون مع الحشد الشعبي قوات من انتماءات متنوعة من الكورد والسنة والشيعة وآخرين.
وانطلقت دعوات في الوقت الراهن، بعد عام من تحرير ديالى، للأسر السنية للعودة إلى المحافظة للعيش تحت حماية الفصائل الشيعية المسلحة.
ونُظمت احتفالية في الفترة الأخيرة بعودة المئات من الأسر السنية إلى إحدى مدن العراق التي سيطر عليها تنظيم الدولة في وقت سابق وحُررت فيما بعد، وذلك للترحيب بهم في حضور أحد كبار قادة الجيش العراقي وشيوخ العشائر السنية.
لكن لم يكن هناك شك في أن نجم الحفل هو هادي العامري، الذي تمثل منظمة "بدر" المدعومة من إيران بزعامته عصبا أساسيا لقوات الحشد الشعبي، إذ تسيطر تماما على المحافظة بأكملها رغم وجود قوات الجيش والشرطة.
وفي محافظة صلاح الدين المجاورة، ذات الأغلبية السنية، نرى نفس المشهد الموجود في ديالى. ففي تكريت، عاصمة المحافظة ومسقط رأس صدام حسين، يُرجح أن حوالي 80 في المئة من السكان السُنّة عادوا إلى المدينة.
لكنهم يعيشون الآن تحت رايات ولافتات الميليشيات الشيعية التي لا زالت هناك، مع أن اتهامات بسرقة السيارات، واختطاف الأشخاص سعيا وراء الفدية تُوجه إليهم، وهي ظواهر تنتشر في المناطق التي يسيطرون عليها.
ورغم محاولات تشكيل قوات "الحشد السني" في تكريت، يرى سنيون يشعرون بالاستياء من الأوضاع أن تلك الميليشيات التي تتكون يسيطر عليها الشيعة، ما يدفعهم إلى العزوف عن الانضمام إليها.
نموذج مختلف
يقول أحد كبار السياسيين السُنّة إن "ميليشيات الشيعة تنتشر في كل مكان بينما لا توجد ميليشيا سنية واحدة في بغداد، أو ديالى، أو صلاح الدين".
وأضاف أن "هذا يجعل تنظيم الدولة الجماعة المسلحة السنية الوحيدة في البلاد".
لكن هذا النموذج لا ينطبق على الضربة الأخيرة التي وجهت إلى التنظيم الذي سيطر على مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار الشهر الماضي.
وسقطت مدينة الرمادي، أحد معاقل السنة، في أيدي تنظيم الدولة في مايو/ ايار الماضي بعد انهيار الجيش العراقي مرة أخرى.
ولم تكن عملية تحرير الرمادي هذه المرة بقيادة ميليشيات الشيعة، بل كانت هناك قوات حكومية مدعومة بضربات جوية من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد مسلحي التنظيم.
وكانت القوات التي وجهت أعنف الضربات للتنظيم هي قوات مكافحة الإرهاب العراقية التي دربتها الولايات المتحدة وتتلقى أوامرها مباشرة من رئيس الوزراء العراقي.
وكان لقوات الجيش والشرطة العراقية دور بارز في تحرير الرمادي علاوة على الدور البارز الذي لعبه المقاتلون السُنّة في العملية.
وامتدح اللفتنانت جنرال شون ماكفارلاند، قائد الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة، أداء المشاركين في تحرير الرمادي قائلا إنه "لا مجال للشك في أن تحرير الرمادي كان نقطة تحول في هذه الحملة".
كانت لقوات مكافحة الإرهاب الفضل الأكبر في طرد تنظيم الدولة من الرمادي
وأضاف أن "العدو مُني بخسائر فادحة، وأثبتت قوات الأمن العراقية أنها قادرة على هزيمة (داعش)، حتى عندما تتوافر للعدو جميع ميزات جاهزية الدفاع في المناطق الحضرية".
ورجحت تلك العملية كفة القوات النظامية على كفة ميليشيات الشيعة، رغم زعم الأخيرة أنها لعبت دورا كبيرا في تأمين القواعد التي انطلق منها الهجوم.
"تعبئة الأمة"
وعززت الرمادي موقف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي يواجه أزمة.
وكان العبادي يستجدي الدعم حتى من أبناء حزبه، حزب الدعوة الشيعي. ويُنظر إليه على نطاق واسع بين السُنّة والشيعة والكورد على أنه ضعيف ومتردد ومفتقر إلى القدرات القيادية التي تجعله قادرا على مواجهة الميليشيات.
وكان هناك وجها آخر لعملية تحرير الرمادي، إذ لحق بالمدينة دمار على نطاق واسع علاوة على تشريد سكانها بالكامل جراء الهجوم.
قال أحد السياسيين السُنّة الحانقين على الوضع إن المدينة "دُمرت عن آخرها، وشُرد جميع سكانها علاوة على ملاقاتهم معاملة سيئة، للاشتباه في أنهم متعاطفون مع تنظيم الدولة".
وأضاف أن الناس "في مدينتي الموصل والفلوجة (التي يسيطر عليها التنظيم في محافظة الأنبار) سوف يتسائلون عما حققتَ؟ فالعمليات العسكرية ليس لها قيمة ما لم يشعر الناس أنهم مواطنون من الدرجة الأولى".
وتابع "ما لم يكن هناك رفض داخلي من أهالي الموصل، سوف يشعر الناس أن هذا ليس جيش العراق، وإنما جيش يقتل المزيد من السُنّة".
وإذا لم يتوافر ذلك الشعور لدى سكان المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، فسوف يصعب تكرار تحقيق المعادلة التي حررت المدينة مرة ثانية في الموصل.
واستغرق تحرير المدينة من القوات الحكومية المدعومة بطيران التحالف حوالي سبعة أشهر في حين تبلغ مساحة الموصل عشرة أمثالها.
وقال هادي العامري زعيم منظمة بدر إن "لا قوات الجيش، ولا الشرطة، ولا الحشد، ولا العشائر يمكنها تحرير الموصل إذا عملت كل منها بمعزل عن الأخرى".
وأضاف "يجب أن نعمل سويا كفريق واحد بالتنسيق مع قوات البيشمركة لتعبئة الأمة كلها من أجل هزيمة تنظيم الدولة".
لكنه لم يذكر طيران التحالف الذي تظهر أهمية دوره في الحملة.
ويرى محللون عراقيون أن الأمر سوف يحتاج إلى قوات برية أجنبية. ومن الواضح أن القادة العسكريين الأمريكيين، وإن كانوا كتومين، يريدون تسريع وتيرة القضاء على التنظيم، وأنهم لم يستبعدوا إرسال المزيد من القوات البرية.
وفي غياب تحركات جادة نحو المصالحة الوطنية، رأى أحد أعضاء الحكومة عملية تحرير الموصل ضرورية لتحقيق الوحدة الوطنية.
وأضاف أن "المصالحة لا تحرز تقدما، والطريقة الوحيدة لتحقيقها هي هزيمة تنظيم الدولة في الموصل. فهم سوف يستمرون في النظر إلى التنظيم على أنه الحامي لهم طالما استمرت القوات الحكومية وقوات الحشد الشعبي على الوضع الحالي".
وأشار إلى أن الطريقة الوحيدة للنصر وتحقيق المصالحة واختيار زعماء جدد هي الانتصار على التنظيم في الموصل.
جيم موير
بي بي سي نيوز