نيجيرفان بارزاني بين أنطاليا وباريس.. رهانات إقليمية ومسارات تفاوض متعددة
شفق نيوز/ اختتم رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني زيارة دبلوماسية مكثّفة إلى أنطاليا، شارك خلالها في مؤتمر دبلوماسي عُقد برعاية وزارة الخارجية التركية تحت شعار "التمسّك بالدبلوماسية في عالم منقسم.
وجاءت هذه المباحثات في وقت يستعد فيه بارزاني للتوجّه إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وإجراء مباحثات تتناول العلاقات بين أربيل وبغداد ومستجدّات الأوضاع الإقليمية والدولية، وبخاصة التطورات في المشهد السوري.
يمثّل نيجيرفان بارزاني أحد الوجوه الكوردية الأكثر حضوراً على الساحة الإقليمية، خاصة عندما يتعلق الأمر بتعقيدات المشهد السوري.
فمنذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، حرص بارزاني على انتهاج مقاربة براغماتية تضمن استقرار الإقليم من جهة، وتخلق هامشاً من التفاعل مع مختلف القوى الفاعلة في سوريا من جهة أخرى.
وخلال مشاركته الأخيرة في مؤتمر أنطاليا الدبلوماسي، بدا واضحاً أن بارزاني يرى في لقاءاته مع كبار المسؤولين فرصة لإرساء خطوط تواصل، خصوصاً مع المتغيرات في المنطقة وإعادة ترتيب الأوراق الداخلية والإقليمية، حيث أن هذا الانفتاح لا ينفصل عن مصالح الإقليم، إذ إن استقرار مناطق الكورد في سوريا، أو التوصل إلى تسويات سياسية جديدة، ينعكس مباشرةً على أربيل.
مشاركة فاعلة وسط زخم دبلوماسي
خلال يومين حافلين في أنطاليا، استعان بارزاني بمكانته كرئيس للإقليم للاستفادة من الحضور الرسمي الواسع الذي شمل رؤساء دول وحكومات ووزراء من مختلف أنحاء العالم، ضمن نحو أربعة آلاف مدعو.
وفيما تشهد المنطقة والعالم متغيرات وتحولات شديدة الحساسية، سعى بارزاني إلى ترسيخ علاقات إقليم كوردستان مع عدد من القادة والمسؤولين البارزين على المستويين الإقليمي والدولي.
وتأتي هذه التحركات الدبلوماسية في وقت تستعد منطقة الشرق الأوسط لموجة من التطورات والمتغيرات، بدءاً من محادثات مسقط النووية بين إيران والولايات المتحدة، إلى العلاقات بين أربيل وبغداد، مروراً بمبادرات السلام التركية، ووصولاً إلى تأثير الحرب الروسية – الأوكرانية والتحولات المحتملة فيها.
لقاءات ثنائية في أنطاليا
شهد المؤتمر الذي استمر ثلاثة أيام انعقاد 52 ندوة وجلسة حوارية حول قضايا دولية مهمة، مثل التغير المناخي ومكافحة الإرهاب والأمن الغذائي والذكاء الاصطناعي.
وعلى هامش هذه الفعاليات، عقد بارزاني سلسلة لقاءات أبرزها مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، حيث وصف بارزاني هذا اللقاء بـ"المثمر للغاية"، مؤكداً ضرورة إعادة إحياء عملية السلام في تركيا ومشيراً إلى استعداد إقليم كوردستان لتقديم أي دعم يسهم في نجاح هذه العملية.
كما دعا حزب العمال الكوردستاني إلى "استجابة واضحة" لدعوة زعيمه عبدالله أوجلان لإلقاء السلاح.
في سياق آخر، التقى بارزاني بوزير الدفاع التركي يشار غولر، وناقشا تعزيز العلاقات بين تركيا والعراق والإقليم، وحفظ الاستقرار والأمن في المنطقة.
كما تطرق الجانبان إلى أهمية استمرار جهود السلام في تركيا، والعمل المشترك لتفادي التوترات والاضطرابات في الإقليم.من اللقاءات ذات الاهتمام السياسي والإعلامي البارزة، اجتماع بارزاني بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، في أول لقاء علني بينهما.
واستعرض الجانبان مستقبل العلاقات بين سوريا والعراق وإقليم كوردستان على أساس مبدأ حسن الجوار والمصالح المشتركة.
وتناولا أيضاً ضرورة مكافحة تنظيم داعش، ومشروع الرئيس السوري لتضمين جميع المكونات في العملية السياسية، وهو ما أشاد به بارزاني، مؤكداً أهمية حل الأزمات في سوريا بطرق سياسية سلمية، والحفاظ على حقوق الشعب الكوردي هناك.
تحركات بارزاني في الملف السوري تصب مع جهود دولية وإقليمية تسعى إلى تطويق تداعيات الإرهاب، وضبط التحالفات العسكرية والسياسية في الشمال السوري، وهنا يبرز مؤتمر أنطاليا الدبلوماسي كمنصة ملائمة لتعزيز هذه الرؤية.
فاللقاءات التي أجراها رئيس الإقليم مع الأطراف المنخرطة في المشهد السوري من تركيا وروسيا وإيران وحتى دمشق ذاتها تمنحه موقع الوسيط المستعد لتلقّي الأفكار وطرح الحلول.
كما أن دعوته المستمرة إلى الحوار تشي برغبة كوردستان في تفادي أي صدام محتمل داخل سوريا قد يمتد تأثيره عبر الحدود، خاصةً في ظل تعدد التنظيمات المسلحة وتداخل أجنداتها.
وبهدف مواكبة الانفراج الظاهر في التوتر الإيراني – الأمريكي، بحث بارزاني مع مساعد وزير الخارجية الإيراني سعيد خطيب زاده سبل التعاون بين طهران وأربيل، إضافة إلى تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية.
كما التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في لقاء ركز على آفاق توسيع العلاقات الاقتصادية بين روسيا والإقليم، والوضع العام في العراق وسوريا، والتطورات السياسية والأمنية الجارية. وأكد الطرفان رغبتهما المشتركة في تعزيز التعاون المتعدد المجالات، لا سيما مع أهمية الدور الروسي في المنطقة.
في الإطار الأوروبي، استقبل بارزاني الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج لويجي دي مايو، وبحثا سبل تعزيز العلاقات بين الإقليم والاتحاد، إضافة إلى المستجدات الإقليمية والدولية وتأثيرها على العراق وكردستان.
وأكد الطرفان أهمية الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليميّين من خلال الحوار والتفاهم المشترك.
على الصعيد العربي، التقى بارزاني الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، حيث بحثا علاقات العراق وإقليم كوردستان مع الجامعة العربية، والتطورات السياسية في المنطقة.
وأشاد أبو الغيط بدور الإقليم في تعزيز الاستقرار داخل العراق، داعياً إلى مزيد من الحوار والتنسيق لمواجهة تحديات المنطقة.
في ختام مشاركته في مؤتمر أنطاليا، من المقرر أن يتوجّه نيجيرفان بارزاني إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ومن المنتظر أن يعقد الزعيمان اجتماعاً رسمياً وغداء عمل مغلق، وفق ما أعلنه قصر الإليزيه، حيث سيُناقش الجانبان العلاقات بين أربيل وبغداد، والأوضاع في الشرق الأوسط، ومواجهة التهديدات الإرهابية، وسبل خفض التصعيد في المنطقة.
هذا اللقاء المرتقب يُتوقع أن يحمل بعداً تكميلياً للحراك الدبلوماسي. إذ تمتلك باريس نفوذاً سياسياً وأمنياً في ملفي سوريا والعراق، ويمكن لها أن تلعب دوراً مؤثراً في مسار التفاهمات الدولية.
وبالنسبة لنيجيرفان بارزاني، فإن الاتفاق مع فرنسا بوصفها شريكاً استراتيجياً لإقليم كوردستان لا يقتصر فقط على الجانب الاقتصادي أو العسكري، بل يمتد ليشمل محاولة صياغة موقف سياسي مشترك حيال القضايا الإقليمية.
وهنا يظهر بارزاني كطرف قادر على استثمار علاقاته الدولية لضمان توازن مصالح الإقليم مع مصالح القوى الكبرى، ما يجعل حراكه الأخير في أنطاليا وباريس جزءاً من استراتيجية طويلة الأمد لتعزيز حضور كوردستان كلاعب أساسي في معادلات المنطقة.