"نكثٌ بالوعود".. العفو العام يهدد تحالف "إدارة الدولة" بالتفكك
شفق نيوز/ يواجه قانون العفو العام مصيراً غامضاً على الرغم من وجود اتفاق سياسي أثناء تشكيل حكومة محمد شياع السوداني على تشريعه، ويشير مراقبون إلى أن هناك إرادة سياسية وخاصة من قبل الإطار التنسيقي لتعطيل القانون وعدم الالتزام بالوعود التي مُنحت سابقاً للجهات الأخرى (السنة) لضمان مشاركتهم في الحكومة الجديدة.
ويؤكد مختصون أن إقرار قانون العفو العام سوف يُنصف فئات كبيرة، ويُسهم في تعزيز السلم المجتمعي، ويزيد ثقة المواطن بالحكومة، ويُنقذ شريحة واسعة ممن يقبعون داخل السجون لأسباب بعضها قد تكون ظروف قاهرة خارجة عن إرادة المحكوم.
ويتضمن البرنامج الحكومي، وفق نواب من المكون السني، اصدار قانون العفو العام والتدقيق الأمني في محافظاتهم وإلغاء هيئات أو إيقاف العمل بها كانت تشكل مصدر قلق وأزمة لديهم.
"إدارة الدولة" مهدد بالتفكك
وفي هذا السياق يقول النائب عن تحالف السيادة، فهد الراشد، إن "قانون العفو العام من ضمن أهم أوراق التفاوض لدينا كتحالف السيادة، الذي يعتبر (تحالف السيادة) قانون العفو العام والمغيبين والمساءلة والعدالة وتعويض المناطق المحررة والتوازن السياسي على الأصعدة كافة من أهم أوراق التفاوض".
ويوضح الراشد لوكالة شفق نيوز، أن "هناك اتفاقاً سياسياً على مستوى تحالف إدارة الدولة بهذا الشأن، وبخلاف ذلك أعتقد أن العملية السياسية وتحالف إدارة الدولة مهدد بالتفكك".
وكان رئيس تحالف السيادة، خميس الخنجر، دعا الجمعة الماضي، الحكومة والبرلمان لإقرار قانون العفو العام قبل نهاية رمضان وفقاً للاتفاق السياسي الذي تشكلت على أساسه حكومة محمد شياع السوداني.
تنازلات ومزايدات
من جهته يقول رئيس جبهة الحوار الوطني ونائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق، صالح المطلك، إن "العراق تجاوز مرحلة مهمة كانت صعبة على العراقيين، وهي التحدي الأمني الذي كان يواجهه العراق بسبب داعش والطائفية في البلاد، وبعد القضاء على داعش وانتهاء الطائفية - على الأقل مجتمعياً - يقتضي البدء بمصالحة وطنية شاملة تهدئ الأوضاع للبدء بمرحلة جديدة من البناء والتنمية".
ويضيف المطلك لوكالة شفق نيوز، أن "الجانب الأخلاقي والإنساني والشرعي ومصلحة البلد جميعها تقتضي تجاوز هذه المرحلة، والبدء بمصالحة حقيقية تبدأ من قانون عفو عام عن العراقيين وخاصة ممن انتزعت منهم الاعترافات بالقوة، بسبب المُخبر السري وأسباب أخرى تعود للاحتقان الطائفي آنذاك الذي كان يسود الأنظمة السابقة".
ويبين المطلك، أن "هناك اتفاقاً سياسياً أثناء تشكيل حكومة السوداني على تشريع قانون العفو، إلا أن هذه التنازلات والمزايدات التي تُعطى وقت الانتخابات وتشكيل الحكومة يُتخلى عنها سريعاً بعد الانتهاء من تشكيلها، وهو ما يُنهي الثقة المتبادلة بين المجتمع والكتل السياسية، وما بين الكتل السياسية مع بعضها البعض".
ويؤكد المطلك على ضرورة "البدء بمرحلة جديدة وسريعة بتطبيق الاتفاقات السياسية التي حصلت ومن ضمنها قانوني العفو العام والمساءلة والعدالة، وفي حال لم يصدر قانون عفو عام فينبغي - على الأقل - إعادة التحقيق مع المتهمين لكي يُرفع الظلم عن الذين تم حكمهم - آنذاك - ظلماً بسبب مُخبر سري أو شهود زور".
لماذا التعطيل؟
يشرح الباحث في مركز رامان للبحوث والاستشارات، شاهو القره داغي، أن "تنفيذ قانون العفو يعني ببساطة الاعتراف بتبني إجراءات طائفية وتصرفات غير قانونية سابقاً، وملء السجون بالأبرياء نتيجة المُخبر السري والتهم الكيدية أو لأغراض انتقامية وتصفية حسابات وإدانة الكثير من الأطراف التي ساهمت في هذا الأمر".
ويوضح القره داغي لوكالة شفق نيوز، أن "أطراف الإطار التنسيقي لا تستطيع تجاوز الماضي، أو تبني سياسات مختلفة، ولازالت تتمسك ببعض السياسات والتصورات التي ساهمت في حدوث أزمات سياسية واجتماعية يعاني منها العراق حتى الآن، وأن عرقلة هذا القانون قد يوثّر على الاتفاقات السياسية التي ساهمت في تشكيل الحكومة الجديدة، وبالتالي التأثير على حكومة السوداني بصورة مباشرة".
"لا وجود لقانون العفو"
يكشف الخبير القانوني، أمير الدعمي، عن "عدم وجود قانون للعفو العام على أرض الواقع"، مبيناً خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "كل ما يُثار عنه هو إشاعات ومجرد أقاويل لمناغاة مشاعر الناس المكلومة، فلا توجد حتى مسودة للقانون".
أهمية قانون العفو العام
بدوره يرى الخبير القانوني، علي التميمي، أن "إسراع حكومة السوداني برفع مسودة لقانون العفو العام للبرلمان ضرورة باتت مُلحّة لعوامل وأسباب عديدة، أهمها أن الحكومات الإصلاحية الجديدة في كل دول العالم تسعى إقرار قوانين العفو العام لبدء صفحة جديدة مع الشعب الذي عانى من ويلات وتراكمات الحكومات السابقة".
ويضيف التميمي لوكالة شفق نيوز، أن "القوانين الوضعية المهمة تكفّلت بالعفو العام كقانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 بالمواد 150 و153، وقانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 بالمواد 300 و 301 و 304 و 305"، مبيناً أن ما يدعو ويحفز للعفو كمنطلق اسلامي قوله تعالى ((فاعف واصفح)) "المائدة 13"، وقوله تعالى ((فأن الله كان عفوا قديرا)) "النساء 149".
ويلفت إلى أن "ازدياد تكاليف السجناء من إطعام وعلاج وكهرباء وماء في ظل ارتفاع سعر الدولار مما يكلف موازنة الدولة مبالغ طائلة، في ظل تقشف كبير وانخفاض سعر برميل النفط"، موضحاً من جانب آخر أن "الكثير من الأوساط النيابية والحكومية أشارت لشبهات فساد في السجون، وبإقرار العفو ستُزال تلك الشبهات والشكوك بوجودها".
ويرى التميمي، أن "الدوافع الاقتصادية الكبيرة والعوز دفع الكثير للانخراط بجرائم سرقة وابتزاز وسطو مسلح بهدف المعيشة، كما أن من أهمية العفو العام هو القضاء على مفاقس الإرهاب داخل السجون، الذي يقوم بها نفر قليل والتي تُحاول تغيير نمط السجون بمحاولات يائسة من إصلاحية إلى بؤر التكفير والكراهية".
ويبيّن أنه "في عام 2008 صدر قانون العفو رقم 19، وصدر قانون العفو الآخر عام 2016 رقم 27، الذي كان شاملاً الا من بعض الاستثناءات، وهنا يتوجب على الحكومة إقرار قانون العفو كون العراق حالة استثنائية وهناك مخاوف من تشرد عوائل المحكومين وتعرض نساءهم لخطر المجتمع".
ويدعو الخبير القانوني أيضاً إلى "وضع بدل نقدي للمحكومين ممن اتُهموا بقضايا فساد مالي، ما يعزز الاقتصاد ويُسهم باسترجاع الأموال المنهوبة، كما هناك أوساط مجتمعية تُناشد بضرورة إقرار فقرة البدل النقدي لمدة المحكومية لفئات من المحكومين مما قد يُسهم بإنعاش موازنة الدولة، فضلاً عن ضرورة إطلاق سراح ممن قضوا نصف المحكومية".
وينبّه إلى أنه "يحق للحكومة والبرلمان استثناء أي فئة من العفو من المحكومين لأسباب تقدرها الجهات القضائية"، مشيراً إلى أن "العفو لا يقضي على ركن الجريمة للمُعفى عنه، ويُعطى بطاقة بعد إقرار العفو تُبين أنه مُعفى عنه لضرورة إصلاحه بعد زجه للعمل في المصانع والمعامل والدورات الإصلاحية والتأهيلية، أما الأجانب الذين ارتكبوا جرائم في العراق فلا يمكن إطلاق سراحهم إلا بعد أخذ التعويضات الخاصة من بلدانهم وما سببته من ضرر كما فعلت ليبيا في زمن القذافي".