نداء أخير من كوريا: لمن "سفينة نوح الجديدة"؟ وهل للعراق أمل؟

نداء أخير من كوريا: لمن "سفينة نوح الجديدة"؟ وهل للعراق أمل؟
2022-05-02T20:03:59+00:00

شفق نيوز/ بأجواء مذهلة من خلال عرض صوتي وضوئي وراقص وبمشاركة أطفال، اطلقت صرخة عالمية من العاصمة الكورية الجنوبية سيول، بنبرة وتحفيزية واضحة، من أجل محاولة إنقاذ الارض وإحياء غاباته، لكن الخشية هي من أن العالم لم يعد يملك ترف الوقت. 

وأمام اكثر من 12 ألف مشارك من أكثر من 140 دولة، حضروا شخصيا أو عبر الانترنت، كان من الواضح ان المسؤولين والشخصيات المتحدثة كانوا يحاولون بث روح التفاؤل، على الرغم من حقيقة أن العالم يخسر حوالى 4.7 مليون هكتار من الغابات سنويا، وهو ما يعادل 80 ضعفا مساحة سيول نفسها، المدينة المستضيفة لإطلاق ما يشبه النداء الاخير. 

لم ينعَ أي من المشاركين هذا الكوكب حتى الآن، لكن القلق والخوف كانا واضحين في ثنايا الخطابات والتصريحات، من أن الغابات الآخذة بالتلاشي بهذه الوتيرة، تعني بشكل واضح أن البشرية تسير نحو حتفها المحتوم، بل ان خلاص العراق من أزمات التصحر والجفاف كما يلمح الخبير الدنماركي البارز كيم كارستنسين لوكالة شفق نيوز، قد يكون ممكنا من خلال الأشجار.  

وحتى التقرير الصادر اليوم، بالتزامن مع افتتاح المؤتمر العالمي الخامس عشر للغابات في سيول وحضره موفد وكالة شفق نيوز، من جانب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) القى هو ايضا بثقله من أجل بعث روح المثابرة والاستمرارية وطرح الحلول الممكنة وتشجيعها، مثلما تبدى في كلام المدير العام للمنظمة شو دونيو في مقدمة التقرير عندما كتب أن الحلول للأزمات الكوكبية المترابطة لها آثار اقتصادية واجتماعية وبيئية هائلة تحتاج إلى معالجة شاملة"، والعمل يجب أن يكون يدا بيد. 

ولم تكن "الفاو" التي حصلت وكالة شفق نيوز على تقريرها، وحدها من ركز على فكرة العمل الجماعي والشامل في ما يبدو اقرارا عالميا بأن العزف المنفرد، لكل جهة أو دولة لوحدها في التعامل مع التحدي البيئي، لم يعد يغني ولا يسمن من جوع. ففي افتتاح المؤتمر قال وزير خدمة الغابات في كوريا الجنوبية هون بيونغ تشاو انه يأمل بان يشكل المؤتمر "فرصة لتعزيز تضامننا وتعاوننا في معالجة إزالة الغابات واستعادة الغابات واعتماد التنمية المستدامة". 

الرئيس الكوري الجنوبي مون جيه-إن نفسه تعهد بالعمل الجماعي من أجل الحفاظ على الغابات وزراعتها، مذكرا بما مرت به بلاده خلال حقبة الاحتلال الياباني من العام 1910 الى 1945 ثم خلال الحرب الكورية من العام 1950 الى 1953، وهي حروب الحقت دمارا هائلا بثروة الغابات، لكن بلاده عمدت منذ ذلك الوقت الى "استعادتها" تدريجيا، وما زالت على تسير على هذا الدرب، ومستعدة لعرض خبراتها على الآخرين. 

الاميرة الاردنية بسمة بنت علي التي حاز حضورها اهتماما لافتا، تحدثت هي الاخرى في كلمتها عما وصفته بـ"مسؤوليتنا الجماعية كمواطنين عالميين.. حيث لا نملك ترف الوقت". 

وفي تصريح خاص لوكالة شفق نيوز، قالت الاميرة بسمة بنت علي التي عينتها "الفاو" قبل أيام "سفيرةً للنوايا الحسنة" لدى المنظمة لمنطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا والتي تشمل العراق، "اننا نشعر بالأثر على بلداننا من التغيير المناخي"، مضيفة أنه يجب العمل "ليس من خلال كل بلد لوحده فقط وانما على المستوى الإقليمي في منطقتنا"، مؤكدة أن أهم رسائلها كسفيرة للنوايا الحسنة، هي أن المنطقة واحدة ويجب تكثيف الجهود بالتنسيق مع بعضنا البعض. 

نقطة اخرى مثيرة طرحت خلال المؤتمر وهي تلازم مصائرنا مع مصير الغابات، حيث قال الرئيس الكوري مثلا أن "جائحة كوفيد-19 سلطت الضوء على أهمية التعايش مع الطبيعة"، بينما قال وزير خدمة الغابات أن "الغابات هي بمثابة درع للوقاية من الأوبئة الجديدة". 

لكن المشاركين في المؤتمر يعترفون في الوقت نفسه، بأن الخطر يداهمنا سريعا، فالرئيس الكوري يحذر من ان العالم يخسر حوالي 4.7 مليون هكتار من الغابات سنويا، أي ما يعادل 80 ضعفا لمساحة سيول، ومدير عام "الفاو" يؤكد ان لا وقت لدينا لنخسره. 

ولهذا على ما يبدو، حاولت "الفاو" ان تبرز المنحى التفاؤلي في تقريرها على غرار القول إن وقف إزالة الغابات والحفاظ على الغابات يمكن ان يؤدي الى تجنب انبعاث حوالي 3.6 جيجا طن من مكافئ ثاني اكسيد الكربون (GtCO2e) سنويا بين عامي 2020 و 2050، وتوفير الحماية لأكثر من نصف التنوع البيولوجي الأرضي، كما أن استعادة الاراضي الحرجية ستطال 1.5 مليار هكتار وتعزيز الغطاء الشجري ويعزز الإنتاج الزراعي، في وقت تتوقع "الفاو" زيادة الاستهلاك العالمي لجميع الموارد الطبيعية بأكثر من الضعف من 92 مليار طن 2017 الى 190 مليار طن في عام 2060.

ويقول تقرير "الفاو" إن بإمكان المجتمعات الاستفادة بشكل أفضل من الغابات والأشجار للحفاظ على التنوع البيولوجي، وتأمين الرفاهية للإنسان بشكل أفضل، وتحقيق المداخيل خاصة لسكان الارياف، ليخلص الى القول انه "لن يكون هناك اقتصاد سليم من دون كوكب سليم". 

لكن المخاوف هي عما إذا كان كوكبنا سيظل تدب فيه الحياة، فيما ثروة الغابات وتوازنه البيئي مختلان بهذا الشكل. وبرغم أن الرئيس الكوري كان يحاول "طمأنة" الحاضرين، الا ان اشارته الى "سفينة نوح الجديدة"، تجبر كثيرين على اعادة النظر في المسلمات، اذ ان رئيس الجمهورية قال إن بلاده هي موطن لواحدة من "صوامع تخزين البذور" في العالم، حيث يتم الحفاظ على الأصول الجينية لجميع النباتات في حال وقوع كارثة طبيعية او نووية على نطاق عالمي، قائلا ان ان "صومعة البذور تمثل قلوبنا جميعا.. الذين يفكرون في الأجيال القادمة ويحبون الأرض".

تدور مثل هذه الهواجس ايضا فيما لفت اليه تقرير "الفاو" بأن الاستثمار الحالي في الغابات أقل بكثير من المطلوب"، مشيرا الى ان ضرورة زيادة التمويل ثلاثة أضعاف بحلول العام 2030 وأربعة أضعاف بحلول العام 2050 بهدف تلبية أهداف المناخ والتنوع البيولوجي وتدهور الأراضي، مع التمويل بالقدر المطلوب لانشاء الغابات وإدارتها وحدها بمبلغ 203 مليار دولار سنويا بحلول العام 2050.

ولعل من بين أكثر الدول المتضررة من ظواهر التصحر والجفاف كما تقول الامم المتحدة، هو العراق، الذي يمثل دليلا حيا على التدهور في توازن النظام البيئي فيه. 

وفي هذا الإطار، يقول الخبير الدنماركي كيم كارستنسين الذي يترأس "مجلس الإشراف على الغابات" الذي يتخذ من مدينة بون الالمانية مقرا له، في مقابلة مع وكالة شفق نيوز، انه برغم وجود جانب سياسي لازمة المياه في العراق، في اشارة الى مسألة السدود المقامة في تركيا وايران، الا انه اعتبر ان الأشجار هي الخيار الأمثل للعراق لأنها تحافظ على المياه فترة اطول في التربة، وتحمي الأنهار من الجفاف وتضبط درجات الحرارة وتخفف بالتالي من سخونة الجو وجفاف الأرض. 

واعتبر كارستنسين ان هناك امثلة على النجاح حول العالم، وان بامكان العراق التطلع إليها. 

ومن المقرر أن يستمر المؤتمر الذي افتتح اليوم الاثنين حتى يوم الجمعة المقبل، تحت عنوان بناء بيئة خضراء وصحية ومستقبل مرن مع الغابات، وبتنظيم من منظمة الأغذية والزراعة التابع للأمم المتحدة بالتعاون مع سلطة خدمة الغابات الكورية. 

وفي هذه الأجواء، أظهر رئيس كوريا الجنوبية رهانه على الوقت، قائلا أمام المؤتمرين "نحن هنا لنخطط لل100 سنة المقبلة".

خاص: وكالة شفق نيوز

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon