من اليونان القديمة الى العراق.. تاريخ متعثر لسلاح العقوبات الاقتصادية
شفق نيوز/ استعرضت صحيفة "نيويوركر" الامريكية، يوم الثلاثاء، حملة العقوبات الاقتصادية الغربية الواسعة ضد روسيا، لكنها لفتت الى ان سلاح العقوبات لا يؤدي دوما الى نتائج لها معنى، واحيانا تكون كما جرى في العراق، نموذجا لاحد "اسوأ حالات فشل العقوبات"، عندما يكون بمقدور "الطغاة المستعدين لتجويع شعوبهم وعزل بلدانهم، تجاهلها بكل بساطة".
ولفتت الصحيفة الامريكية في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، الى ان الرئيس الامريكي جو بايدن لم يكن يرغب باستخدام القوة العسكرية ضد روسيا، ولهذا لجأ الى اعداد مجموعة واسعة من العقوبات.
واعلن بايدن يوم الخميس الماضي ان "العقوبات الاقتصادية القاسية المفروضة على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجميع من حوله، والتي ادت الى اختناق قدرته على الوصول الى التكنولوجيا وكذلك قطع ارتباطه بالنظام المالي العالمي، تركت اثرا عميقا بالفعل".
عقوبات ضد الشعوب
الا ان الصحيفة اعتبرت في تقريرها ان "الحقيقة القاسية هي ان العقوبات غالبا ما تفشل في الضغط بشكل كاف او بفعالية على الانظمة، سواء كان الهدف منها وقف الحرب او ابادة جماعية او التصدي للقمع".
واشار الى ان العقوبات على مر التاريخ، كان تأثيرها متباينا منذ ايام اليونان القديمة عندما فرض القائد اليوناني بريكليس عقوبات على المدن الاخرى، مضيفا ان صعوبات العقوبات متعددة، ففي العام 1806 مثلا عندما فرض نابليون عقوبات للحد من التجارة الاوروبية مع بريطانيا، فان شقيقه الذي تولى الحكم في اسبانيا، عجز عن تطبيقها.
وفيما بين التقرير ان العقوبات اصبحت منذ الحرب العالمية الثانية، الوسيلة اكثر شعبية من خوض الحروب، خاصة في ظل العولمة التي عززت الاعتماد المتبادل بين الدول، الا انه استدرك بالقول ان "العقوبات لا تخلق تغييرا حقيقيا الا في حوالي 40% من المرات".
ولفت على سبيل المثال الى ان سنوات من العقوبات كانت فاشلة في كوريا الشمالية وفنزويلا والعراق، كما ان كوبا التي واجهت سلسلة متعددة من حملات العقوبات بما فيها الحظر التجاري والعسكري منذ العام 1960، الا ان النظام الشيوعي لا يزال في السلطة.
وفي سوريا ايضا، ذكر التقرير ان الرئيس بشار الاسد واجه عقوبات متعددة بسبب القمع العنيف بعد تحول انتفاضة الربيع العربي في العام 2011 الى حرب اهلية قتل فيها مئات الالاف، لكن حككم الاسد في دمشق ما زال قويا.
اما في جنوب افريقيا، فقد اوضح التقرير ان نجاح سياسة العقوبات عليها، تطلب ثلاثة عقود. كما ان العقوبات على ايران كانت اثارها مخيفة، وهي "النموذج" الذي اعتمدته واشنطن الان بمعاقبة روسيا.
معاناة وقلوب محطمة
الا ان التقرير تابع ان العقوبات يمكن لها ان تؤدي الى تحطيم القلوب والمعاناة خاصة انها تتطلب وقتا، اذ بينما يمكن لمسدس أو قذيفة أو قنبلة أن تقتل في ثوان، فان العقوبات تستغرق وقتا طويلا.
واوضح التقرير ان من بين عيوب العقوبات وجود ما يمسى "الاستثناءات" التي توفر شريان الحياة المالي، مضيفا ان من بين الاستثناءات المعفاة ايضا السلع الانسانية كالغذاء والمعدات الطبية والمواد التعليمية.
لكن هناك ايضا استثناءات تتعلق بمصالح اقتصادية مثلما جرى مع روديسيا (زيمبابوي الحالية) في العام 1966 عندما اعلنت الامم المتحدة للمرة الاولى عقوبات تستهدف تغيير النظام بعد اعلان روديسيا استقلالها عن بريطانيا للحفاظ على حكم الاقلية البيضاء، حيث ان العقوبات طالت 90% فقط من صادرات البلد، فيما استثنى الكونغرس الامريكي لسنوات متتالية، معدن الكروم المصدر من روديسيا (كانت واحدة من اكبر ثلاث دول مصدرة لهذا المعدن في العالم) لانه يدخل في صناعات المحركات النفاثة والسيارات والفولاذ المقاوم للصدأ في الولايات المتحدة.
ولهذا، ربما، يلفت التقرير الى ان الوضع تطلب اكثر من عقد من الحرب الاهلية والعقوبات لكي يجبر النظام الروديسي الحاكم على التنازل لصالح اقامة حكومة منتخبة ديمقراطيا، وهي فترة زمنية قتل خلالها حوالي 20 الف شخص.
الحالة الروسية
وحول الحالة الروسية الان، اوضح التقرير ان العقوبات الغربية تسمح لروسيا الان بمواصلة بيع النفط والغاز، وهو قطاع حقق لموسكو ايرادات في العام الماضي، 119 مليار دولار عندما كان سعر البرميل 69 دولارا، في حين ان سعر البرميل حاليا ارتفع الى 115 دولارا.
واضاف انه حتى لو ان الغرب قرر استهداف موارد الطاقة الروسية بالعقوبات، فان ذلك قد يتسبب بنتائج عكسية، تتمثل بأزمة نفطية في الغرب وارتفاع الاسعار عالميا، بينما بمقدور موسكو ان تلجأ بكل بساطة الى مشترين اخرين خاصة ان العديد من الدول، خصوصا الصين، لم تقطع علاقات التجارة مع روسيا.
الحصار الاقتصادي للعراق
وحول العراق، فان التقرير يعتبر انه كان "احد أسوأ نماذج فشل العقوبات، حيث اظهر ان الطغاة المستعدين لتجويع شعوبهم وعزل بلدانهم يمكنهم ببساطة، تجاهلها"، موضحا ان غزو الرئيس صدام حسين غير المبرر للكويت في العام 1990، خلق نفس الغضب الدولي الحالي ازاء عدوان بوتين على اوكرانيا.
واشار التقرير الى انه في غضون اربعة أيام من هجوم العراق على الكويت، قامت الامم المتحدة بفرض عقوبات منعت التجارة مع بغداد، وانه بينما رفض صدام الانسحاب، فقد ادى الهجوم الدولي بقيادة امريكية، بعد 6 شهور الى طرد القوات العراقية، لكن صدام حسين رفض تطبيق شروط وقف اطلاق النار، ولهذا فقد استمرت العقوبات.
واعتبر التقرير الامريكي ان حصيلة العقوبات "كانت مروعة حيث انه مع حلول العام 1997، كان ثلث الاطفال في العراق يعانون من سوء التغذية بحسب منظمة لليونيسيف، وفي العام 1999، اعلن الصليب الاحمر ان اقتصاد العراق الذي كان يعتبر في يوم من الايام من بين اعلى مستويات المعيشة في الشرق الأوسط، اصبح في حالة مزرية".
وفي المقابل، اوضح التقرير ان "المعاناة كان تأثيرها ضئيلا على صدام، حيث انه امتنع عن التعاون مع المفتشين الدوليين حول اسلحة الدمار الشامل، وفي العام 2003 ، قامت الولايات المتحدة بغزو آخر".
وتابع قائلا ان "الديكتاتوريين يتجاهلون في غالب الاحيان، العقوبات، بغض النظر عن التكلفة التي يتحملونها هم او دولهم، ويبدو ان بوتين، حتى الان، لا يظهر اهتماما ايضا".
كوريا الشمالية
وحول كوريا الشمالية، قال التقرير ان العقوبات التي فرضت عليها للمرة الاولى بعد الحرب الكورية في الخمسينيات من القرن الماضي، كانت ايضا تمثل فشلا ذريعا حيث ان عائلة كيم الحاكمة على مدى ثلاثة اجيال، أصبحت اكثر عدائية وتسليحا وعنادا.
وذكر التقرير بانه عندما ذهبت وزيرة الخارجية الامريكية السابقة مادلين اولبرايت في العام 2000 الى كوريا الشمالية، لابرام صفقة ولم تنجح، كانت كوريا الشمالية تخرج من مجاعة استمرت طوال 4 اعوام، وتسببت بمقتل ملايين الاشخاص، لكن اربعة رؤساء امريكيين فرضوا عقوبات اشد تباعا، الا ان النظام الكوري الشمالي الاكثر عزلة في العالم، اصبح لديه الان عشرات الاسلحة النووية والصواريخ بعيدة المدى لإطلاقها عبر آسيا والمحيط الهادئ.
التجربة الايرانية
وحول ايران، اشار التقرير الى ان ادارة بايدن لفتت الى ان العقوبات الجديدة على روسيا تستند إلى "النموذج الايراني"، مضيفا ان اربعة عقود من الحظر والعقوبات على طهران فشلت بشكل متكرر في تغيير حسابات النظام.
وتابع التقرير ان العقوبات تخضع ايضا لاهواء السياسة الداخلية، موضحا انه بعد مرور ثلاث سنوات على الاتفاق النووي الايراني لعام 2015، انسحب الرئيس دونالد ترامب منه وفرض اكثر من الف عقوبة جديدة على طهران بهدف اقناع طهران بالتفاوض على صفقة اكثر شمولا، الا انه "فشل فشلا ذريعا، وان ايران ردا على ذلك، قامت بانتهاك القيود المفروضة على برنامجها النووي".
وفي الختام اعتبر تقرير "نيويوركر" انه "من النادر ان تتسبب العقوبات بتغيير ايديولوجية النظام او سلوكه"، مضيفا روسيا ستعاني اقتصاديا من العقوبات بسبب غزوها لاوكرانيا، لكنه اضاف ان "التاريخ يظهر ان السلاح الاقتصادي سلاح محدود، وليس من المرجح ان تؤدي العقوبات وحدها إلى وقف البلطجي (بوتين) في الموجود في موسكو".