مقام "العبد الصالح خضر الياس" فسحة للعوائل البغدادية بجوار نهر دجلة (صور)

شفق نيوز/ تشهد العاصمة العراقية بغداد منذ سنوات توسعاً كبيراً في تعدد المرافق الترفيهية من المولات والمتنزهات والأماكن العامة التي تتخذ منها العائلات وسيلة للترفيه والاحتفاء بالأعياد والمناسبات، وكذلك تكثر في المدينة العتبات والمراقد الدينية التي تُعد هي الأخرى وجهة للبغداديين.
ويعتبر مقام "خضر الياس" الشاخص على ضفاف نهر دجلة في جانب الكرخ من بغداد والذي كان يختفي تحت مياه النهر حتى ثمانينيات القرن الماضي حين ارتفاع مناسيب المياه ليظهر لأشهر معدودة ثم يختفي، إلا أنه ومنذ تسعينيات القرن الماضي وسوء إدارة ملف المياه بات هذا المقام معلماً شاخصاً وتحول بعد العام 2003 إلى مرفق ترفيهي حيث تم استغلاله ونصب ألعاب للأطفال ومرسى للزوارق تلجأ إليه العائلات في المناسبات.
ويشهد المقام الذي يرتاده الناس من طوائف دينية مختلفة زحاماً شديداً في الأعياد والمناسبات على الرغم من صغر مساحة المكان.
وتؤكد تماضر محسن محمد "40 عاماً" من منطقة العطيفية، القريبة من المقام، أن "مقام الخضر يقع على مسافة غير بعيدة من منزلنا، لذا فنحن نذهب إليه مشياً على الأقدام".
وتضيف في حديثها لوكالة شفق نيوز، أن "الخضر عليه السلام هو أحد أنبياء الله، ونحن نزوره في الأعياد والمناسبات ونوقد الشموع ونطلق معها الأمنيات والدعاء بأن تعود علينا الأعياد ونحن بصحة وسلام، وهذا أمر معتاد بالنسبة لنا منذ سنوات طويلة".
وتشير إلى أن والدتها كانت تصحبها سابقاً إلى مقام الخضر، أما الآن فقد باتت هي تصحب عائلتها وأولادها إلى المقام من أجل التبرك والتنزه وتناول العشاء.
وتنوه إلى أن "وجود المقام الشريف بالقرب من نهر دجلة يجعل الموقع سياحياً ويدفع الكثير من العائلات لزيارته والتنزه على ضفاف النهر، فيما ينشغل الأطفال بالألعاب المنتشرة في المكان".
ويقع مقام خضر الياس على ضفاف نهر دجلة في جانب الكرخ، ويتكون من مبنى قديم وبسيط يزوره العراقيون من جميع المحافظات والقوميات تيمناً به وتمارس خلاله طقوس خاصة كإحضار الحناء وإيقاد الشموع خلال الأعياد وفي ليالي الجمع.
وتثبّت بعض العائلات الشموع على ألواح خشبية وتطلى الألواح بالحناء وتوضع في النهر لتنساب بهدوء في المياه وترافقها العيون بالدعاء والأماني.
ويقول المواطن حمزة جبار "45 عاماً" من منطقة الكاظمية، إن "الخضر عليه السلام هو أحد أنبياء الله، وورد ذكره في القرآن الكريم، وهو رجل أنعم الله عليه بالعلم، وهو الذي طلب نبي الله موسى عليه السلام مصاحبته وأراه العجب بتلك الرفقة".
ويشير في حديثه لوكالة شفق نيوز "كان هذا المكان سابقاً يمتاز بالجمال والهدوء وترتاده العائلات بمختلف المناسبات، لكنه طرح مؤخراً للاستثمار، لذ لم يعد الموقع يمتاز بالهدوء والجمال كما كان".
ويؤكد، أن "صوت الميكروفون الذي ينطلق من داخل العبارة الكبيرة يصم الآذان، إذ يدعو صاحبها الناس للصعود مقابل ألفيّ دينار لكل شخص".
ويلفت إلى أن "تطوير الموقع والاهتمام به أمر مهم للغاية شرط أن لا يفتح شهية الجشع عند البعض ويتحول إلى مصدر إزعاج ويفقد المواقع السياحية أهميتها وهدوئها".
وتُعرف المحلة التي يقع بها مقام الخضر بمحلة خضر الياس، وتعد من المحلات العريقة ولها خصوصية عند أهالي بغداد، فهي من أقدم مناطق العاصمة التي تحظى بأهمية تراثية ودينية، وكانت وما تزال تتمتع بطابعها التراثي والروحي.
واحتشدت العائلات في هذا العيد عند مقام الخضر المحاط بالأشجار والمياه التي تجعل الهواء منعشاً.
وتقول الحاجة أم لطيف "60 عاماً" من منطقة الزعفرانية "يشكل مقام الخضر بالنسبة لعائلتنا موقعاً مهماً نزوره في الأعياد والمناسبات، ويقع في مكان جميل، وكان سابقاً يقتصر على الزيارة والتبرك والنذور، أما الآن فقد تطوراً كثيراً وأصبح محاطاً بألعاب الأطفال والمطاعم وغيرها".
وتضيف في حديثها لوكالة شفق نيوز، أن "مقام خضر الياس تحول إلى موقع سياحي وتجاري".
ومع أن كثيرين اشتكوا من صوت ميكروفون العبارة الذي يخرق الآذن، إلا أن بعض العائلات تجد فسحة في ركوب العبارة الكبيرة التي تسع المئات وهي تمخر عباب النهر، حيث تعبر النهر أو تقطعه طولاً وعرضاً، فيما تنبعث منها الأغاني الراقصة التي تدفع بعض الفتيات الصغيرات للرقص والمرح.
وتقول الطفلة رسل حميد "11 عاماً"، من منطقة العلاوي "لا يبعد المقام عن بيتنا مسافة طويلة، ونحن نقصده في العيد للاستمتاع بالأجواء الساحرة والهواء العذب، ونحتفل مع مئات العائلات الموجودة في هذا المكان الذي يتوفر فيه كل شيء تقريباً".
وتؤكد رسل في حديثها لوكالة شفق نيوز، أن "ركوب العبارة يشكل متعة كبيرة، إذ الأضواء الخافتة والأغاني الراقصة وموجات المياه التي تتركها العبارة خلفها، كل ذلك يشكل متعة كبيرة".
بدورها تقول المواطنة سوزان أحمد "19 عاماً"، من منطقة الجادرية، إن "كثرة الحدائق ومواقع التنزه ومنها مقام الخضر تدفع للاستمتاع بالأجواء رغم الزحام الشديد أحياناً".
وتنوه في حديثها لوكالة شفق نيوز، إلى أنها زارت هذا الموقع قبل عدة سنوات ولم يكن بالشكل الذي عليه الآن.
وتؤكد، أن موقع مقام خضر الياس تطور كثيراً، حيث توجد حالياً مئات الكراسي للجلوس، وعدداً من المطاعم التي توفر مختلف الأطعمة، إضافة إلى لعب الأطفال وغيرها.
وتشير أحمد إلى أن "الأجواء الصاخبة وامتلاء المكان بالعائلات يشيع أجواء من الجمال والمتعة في هذا المكان".
وتدفع الأجواء الروحية في مقام الخضر العديد من العائلات للزيارة والتضرع بهذا الموقع.
ويقول المواطن صاحب علي هادي "55 عاماً"، من منطقة الراشدية، إنه على الرغم من المسافة البعيدة بين مسكنه ومقام الخضر إلا أنه دأب على زيارة المقام في العيد والتنزه بين الأشجار ونهر دجلة كل يوم أربعاء، -في الموروث الشعبي العراقي يُعد يوم الأربعاء مخصصاً لزيارة مقام خضر الياس- وهو أمر اعتاد عليه منذ زمن طويل.
ويوضح في حديثه لوكالة شفق نيوز، أنه يصحب عائلته في الأعياد والمناسبات ضمن طقس روحي معتاد لديهم، ويشتري الحناء والشموع ويطلي لوحاً خشبياً بالحناء ويشعل شموعاً على عدد أفراد الأسرة، ويدفعون اللوح في الماء وهم يبتهلون إلى الله بتحقيق أمنياتهم، بينما تلاحق نظراتهم اللوح الخشبي وهو يتهادى في الماء.