ماذا يعني "إفلاس" لبنان.. ومن سبقه على درب السقوط؟

ماذا يعني "إفلاس" لبنان.. ومن سبقه على درب السقوط؟
2022-04-05T09:37:04+00:00

شفق نيوز/ "مفاجأة غير مفاجِئة". هذه هي المعادلة التي تختصر الاعلان المحير من جانب مسؤول حكومي لبناني، حول إفلاس الدولة والبنك المركزي، فيما يدرك العديد من اللبنانيين فعليا ان بلادهم المصنفة بين أخطر 3 أزمات اقتصادية على مستوى العالم خلال 150 سنة بحسب البنك الدولي، اصبحت منذ شهور عديدة، متعثرة او شبه عاجزة عن الايفاء بالحد الأدنى من التزاماتها المالية. 

وهو ليس خبرا سارا بالنسبة لمئات آلاف العائلات اللبنانية التي باتت تعاني من الفقر بعدما أدت سنوات طويلة من سوء الإدارة والفساد و المحاصصات الطائفية، في سقوط البلاد تدريجيا في مستنقع الديون التي تقارب الـ100 مليار دولار، في بلد يبلغ عدد سكانه حوالى 6 ملايين انسان. 

ولهذا فان اعلان نائب رئيس الحكومة اللبنانية سعادة الشامي، فجأة الآن، ومن خلال مقابلة على إحدى قنوات التلفزيون المحلية، وليس من خلال رئيس الحكومة نفسه نجيب ميقاتي، الذي يمثل اعلى سلطة تنفيذية في البلد، ويدلي بتصريحات شبه يومية عن كل شاردة وواردة من تطورات سياسية واقتصادية، أثار تساؤلات كثيرة بين اللبنانيين. 

ومن وجهة نظر قانونية حتى الان، فان تصريح سعادة الشامي برغم منصبه الحكومي، لا يعكس الموقف الرسمي من جانب الدولة اللبنانية التي يتحتم عليها، إذا كان الحال القائم هو "إفلاس" فعلي، أن تعلن عن ذلك ببيان رسمي موجه الى المواطنين عموما، ثم الى الجهات الدولية المعنية، خاصة البنك الدولي والجهات الدولية المانحة والمقدمة للمساعدات والقروض والتي تعود إليها مبالغ مالية كبيرة من ديون لبنان الخارجية. 

كان سعادة الشامي يتحدث في المقابلة التلفزيونية عن "إفلاس الدولة مصرف لبنان المركزي"، مشيرا إلى أنه سيجري توزيع الخسائر على الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين.

وحتى الآن، لم يكن أي مسؤول حكومي لبناني قد اعلن افلاس البلد برغم استمرار الأزمة الاقتصادية منذ أواخر العام 2019، كما أن الدولة لم تعترف بوجود سياسة "الهير كات" (قص الشعر) على الحسابات البنكية للمودعين برغم أن البنوك فرضت قيود هائلة، وخطوات اقتطاع مجحفة من حسابات المودعين في البنوك تبلغ حدود 70% من قيمة أموالهم المحتجزة. 

وبرغم هذه المفاجأة غير السارة، كانت في بال اللبنانيين وتوقعاتهم، إلا أنهم يتساءلون الآن عن سبب هذا الاعلان والمغزى من توقيته، في الأيام الأولى من شهر رمضان الثقيل على جيوب اللبنانيين، وقبل أسابيع قليلة من الموعد المفترض لفتح صناديق الاقتراع، في أول انتخابات برلمانية في مرحلة ما بعد "ثورة أكتوبر" (تشرين الأول) 2019، وبدء الانهيار الشامل لليرة اللبنانية أمام الدولار. 

يتخوف كثيرون الآن من تصريح الشامي لانه يجدد الاشارة الى ان المودعين سيتحملون مجددا جزءا من توزيع خسائر الإفلاس، إذ قال في المقابلة "سيجري توزيع الخسائر على الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين، ولا توجد نسبة مئوية محددة"، مضيفا ان "هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها ولا يمكن أن نعيش في حالة إنكار ولا يمكن أن نفتح السحوبات (البنكية) لكل الناس". 

وبانتظار المزيد من التوضيحات الرسمية من جانب الحكومة، فان الصدمة هي ما يختصر مشاعر اللبنانيين ازاء هذا الاعلان المدوي والغريب بشكل ما، ويثير بحرا من التساؤلات عما يعنيه ذلك بالنسبة الى احوالهم الاقتصادية المتردية والتي جعلت الأمم المتحدة تقدر بأن الفقر بات يطال الآن نحو 70% من اللبنانيين. 

ولهذا، يطرح اللبنانيون العديد من الاسئلة على غرار : كم سنخسر ايضا؟ ما هو مصير أموالنا؟ كم سيقتطع منها؟ وبأي نسبة؟ وهل ستستهدف الودائع الموجودة بالدولار أم بالليرة؟ هل سيطال "الإفلاس" أملاكهم ومنازلهم وأراضيهم وغيرها؟ وهل سيدفع "الافلاس" جحافل اضافية من الشباب والكفاءات المختلفة من أطباء ومهندسين وممرضين ومعلمين نحو الهجرة بمعدلات أكبر مما حدث خلال العامين الماضيين؟ 

 وفي ظل كل ذلك، فإن الأخطر ايضا ان اعلان المسؤول الحكومي اللبناني يثير الكثير من المخاوف حول مصير البلد في المستقبل، وماذا يعنيه ذلك، في وقت يخوض مفاوضات مع صندوق النقد الدولي منذ شهور عديدة على برامج انقاذ اقتصادية تشترط تطبيق العديد من "الإصلاحات" الجذرية المتعثرة حتى الآن. 

ويعني ذلك، أن المفاوضات مع صندوق النقد، والمجتمع الدولي عموما، قد تدخل الآن انعطافة كبيرة تتطلب الالتزام بشروط الصندوق القاسية بمعظمها على جيوب المواطنين وأوضاعهم. 

افلاس الدولة 

من وجهة نظر اقتصادية فإن الدولة تصبح "مفلسة" فعليا عندما تعجز على الوفاء بالتزاماتها المالية كرواتب موظفيها وتعاقداتها في تنفيذ المشاريع المختلفة، وتتعثر أيضا في دفع قيمة ما تشتريه من الخارج من سلع وبضائع مختلفة بما في ذلك حاجاتها الأساسية مثل المواد الغذائية كالقمح، والوقود والأدوية وغيرها. 

وعادة يسبب الإعلان عن الإفلاس حالة ذعر تقود الى هروب أموال المستثمرين الى خارج البلد، بالاضافة الى تدافع أصحاب الودائع لسحب أموالهم من البنوك، وهي بالأساس حالة قائمة في لبنان منذ أكثر من عام. 

وبإعلان إفلاسها رسميا، فان الحكومة القائمة مجبرة على الذهاب للتفاوض في ظل شروط صعبة مع الجهات الخارجية كصندوق النقد، حيث انها تطلب عادة اعادة هيكلة ديونها، فيما تضع الجهات الخارجية اشتراطات صعبة وقاسية على جيوب المواطنين، إذ تفرض قبل تقديم مساعداتها المالية وفق خطط تمتد لسنوات طويلة، أن تنفذ الحكومة خطوات مثل تقليص القطاع العام بتسريح الموظفين، وتطبيق سياسات ضرائبية اعلى ورفع الدعم على السلع الاساسية كالقمح والوقود، ما يؤدي الى "تحرير" الأسعار، وارتفاعها بشكل هائل. 

وهناك العديد من الدول التي سبق لها أن أعلنت إفلاسها في مختلف القارات بما في ذلك أوروبا حيث أن ألمانيا مثلا اعلنت افلاسها 8 مرات خلال القرون الثلاثة الماضية، والولايات المتحدة خمس مرات. 

الا ان المثير للقلق في حالات بعض الدول المفلسة، أنه قد لا تتوفر لديها المقدرات والموارد القوية والغنية التي تتيح لها الخروج من كبوتها سريعا وبصعوبة اقل، كحال لبنان مثلا الذي لا يتمتع بموارد كالنفط والغاز والمعادن التي قد تسهل عليه الخروج من خندق الأزمة الاقتصادية المستفحلة. 

وسبق لدول اخرى ان اعلنت افلاسها كالبرازيل والمكسيك والاكوادور والاورجواي وتشيلي ومصر وإسبانيا، بالإضافة إلى برنامج teams روسيا التي أعلنت آخر إفلاس لها في العام 1998 نتيجة تداعيات فشل سياساتها الاقتصادية في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي العام 1991. 

ومن الأمثلة البارزة لإعلان الدول إفلاسها في الماضي القريب، هناك أيضا نموذج الأرجنتين التي توقفت في العام 2001 عن سداد ديونها الخارجية التي وصلت الى 132 مليار دولار، بعدما غرقت في مرحلة كساد استمرت لسنوات اصابت الحكومة بالعجز عن الوفاء بالتزاماتها. واضطرت الارجنتين الى اللجوء لصندوق النقد الدولي للحصول على حزم مساعدات بمليارات الدولارات لمحاولة الخروج من أزمتها، وفرض عليها تطبيق إجراءات تقشف قاسية أثارت الكثير من الإضرابات والاحتجاجات الشعبية. 

المثال البارز الآخر في الماضي القريب، كانت اليونان التي اعلنت افلاسها في العام 2012، بعدما كانت أعلنت افلاسها في أعوام 1827، 1843، 1893، 1932، وللمفارقة لنفس الاسباب التي ادت بها في المرة الاخيرة الى العجز على الايفاء بمستحقات ديونها حيث وصل حجم الدين الحكومي الى 313 مليار يورو، وبإضافة الديون على البنوك والشركات اليونانية، وصل إجمالي الدين الى نحو نصف تريليون يورو.

ومن بين أسباب إفلاس اليونان الأخير، الإنفاق الكبير على التسليح في مواجهة التوتر الدائم مع تركيا، والفساد الإداري، وتعثر قوانين جذب الاستثمارات، وفشل الدولة في جمع الضرائب بفاعلية، الى جانب البيروقراطية والفساد السياسي. لكن من بين الأسباب المهمة الأخرى، دخول أثينا في الاتحاد الأوروبي ما أضعف قدرة صناعاتها ومنتجاتها على المنافسة أمام الصناعات الاوروبية. 

ومن بين الإجراءات التي اتبعت للخروج من الازمة، سياسة "الهير كات" المتبعة في لبنان حاليا، حيث الحقت خسائر فادحة بحملة السندات الحكومية، وأجبرت الحكومة على تطبيق إجراءات تقشف قاسية، بالإضافة إلى الموافقة على خطة انقاذ اوروبية مع صندوق النقد، قيمتها أكثر من 130 مليار دولار، وفرضت على اثينا المزيد من اجراءات التقشف الهادفة الى خفض العجز بالموازنة العامة كتخفيض الرواتب، والتي مست حياة ملايين اليونانيين، وافقرتهم.

خاص: وكالة شفق نيوز

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon