كيف غيّرت حرب صدام مع إيران وجه الشرق الأوسط واقتصاد العالم؟

شفق نيوز/ سلط موقع "ذا كوليكتور" الكندي، الضوء على الحرب
العراقية – الإيرانية، خلال ثمانينيات القرن الماضي وتداعياتها الاقتصادية
العالمية العميقة، وما خلّفته من تغيرات إستراتيجية ما تزال تأثيراتها حاضرة حتى
يومنا هذا، بما في ذلك تبرير الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لاحقاً لغزوه
الكويت، وتحوّل إيران إلى الاعتماد على نفسها لمواجهة العقوبات الدولية وتطوير
قدراتها العسكرية بشكل مستقل.
وذكر الموقع المختص بأخبار التاريخ والفلسفة والفن، في تقرير مطول ترجمته
وكالة شفق نيوز، أن "العراق بدأ الحرب في أيلول/ سبتمبر 1980، مستغلًا حالة
الفوضى في إيران ما بعد الثورة الإسلامية، والعقوبات الغربية التي أضعفتها، بينما
كان العراق حينها يعيش حالة من الوفرة المالية بفضل ارتفاع أسعار النفط في أعقاب
حظر أوبك في 1973، اذ سعى صدام إلى السيطرة على حقول النفط الإيرانية، ما كان
سيعزز عائدات العراق النفطية ويضعه في موقع الهيمنة الإقليمية".
لكن التقرير، أشار إلى أنه "لسوء حظ الدكتاتور العراقي، لم يكن النصر
سهلاً"، فقد واجه مقاومة شرسة من إيران.
سؤال محوري
وطرح التقرير سؤالاً محورياً حول الأثر العالمي للحرب، متتبعاً جذوره إلى
حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 التي أدت إلى حظر نفطي عربي، ما تسبب في ارتفاع كبير
بأسعار النفط والوقود، وأدى إلى ركود تضخمي في الولايات المتحدة، وفي ذلك الوقت
كانت إيران تنتج ثلاثة أضعاف إنتاج العراق من النفط، وتخضع لنفوذ شركات نفط
أميركية بموجب اتفاقية تعود إلى 1954.
ورغم انتهاء الحظر في 1974، أدرك الغرب أهمية الشرق الأوسط الإستراتيجية،
وفي عام 1978، دخلت إيران في مرحلة اضطرابات داخلية شلت صادراتها النفطية بعد
إضراب عمال النفط، ما خفض الإمدادات العالمية بنسبة 5-7%، ودفع الأسعار للارتفاع
مجدداً.
ومع انتصار الثورة في إيران عام 1979، خسر الغرب حليفاً رئيسياً. وبعد
اقتحام السفارة الأميركية في طهران، قاد الرئيس جيمي كارتر حملة لعزل إيران،
بتجميد أصولها وفرض عقوبات اقتصادية، أعقبتها إجراءات مماثلة من حلفاء واشنطن مثل
بريطانيا وفرنسا.
وأُجبرت إيران على تأميم الصناعات الرئيسية، وسعت لتحقيق الاكتفاء الذاتي
وسط انهيار اقتصادي بسبب هجرة العمالة الأجنبية.
ورأى العراق، بحسب التقرير، هذا الضعف فرصة سانحة، فهاجم إيران في 22
أيلول/ سبتمبر 1980، مدفوعاً بمخاوف من تصدير الثورة الشيعية إلى داخل أراضيه،
ورغبةً في السيطرة على الثروة النفطية والممرات المائية في الخليج.
وبداية الثمانينيات شهدت إنفاقاً سخياً من العراق لعزل الاقتصاد المدني عن
تبعات الحرب، مع الاستمرار في مشاريع البنية التحتية واستيراد السلع، بما في ذلك
آلاف سيارات "شيفروليه ماليبو" في 1981، رغم سوء جودتها، ما أثار غضب
صدام حسين لاحقاً.
كلفة الحرب الباهظة
لكن الكلفة الباهظة للحرب بدأت باستنزاف الاحتياطيات النفطية المتراكمة منذ
السبعينيات، ومع حلول 1982 أجبرت إيران القوات العراقية على التراجع، فغيّر صدام
خطابه من الهجوم إلى الدفاع، وقلص الإنفاق المدني، وزاد الإنفاق العسكري، ما تسبب
في تراجع الدعم الشعبي له بعد ذلك العام.
وأسهمت الحرب في ارتفاع أسعار النفط بسبب المخاوف على صناعات النفط في
البلدين، ما دفع الدول المستوردة للبحث عن مصادر بديلة والاستثمار في الطاقة
البديلة ورفع كفاءة الاستخدام. وبدأ الإنتاج المحلي في الغرب بالنمو، ما جعل
الأسواق أقل اعتماداً على نفط "أوبك".
وعلى الرغم من محاولات المنظمة عام 1982 للحفاظ على الأسعار عبر خفض
الإنتاج، إلا أن تراجع الطلب الغربي أدى إلى استقرار نسبي، ومع دخول لاعبين جدد
كسوق المكسيك، تراجعت الأسعار بشكل كبير بحلول عام 1986.
ومع تصاعد القتال، بدأت "حرب الناقلات" بين العراق وإيران، حيث
حاول كل طرف استهداف صادرات النفط لدى الآخر، ورغم الضربات الإيرانية، كانت
الخسائر الأكبر من نصيب إيران.
ديون العراق الضخمة
العراق من جهته، استفاد من دعم مالي دولي كبير، لكنه خرج من الحرب بديون
ضخمة بلغت 80 مليار دولار، نصفها تقريباً للكويت ودول الخليج، ما شكل عبئاً
اقتصادياً هائلاً عليه.
في 1989، كانت خدمة الدين السنوي تكلف العراق 3 مليارات دولار، أي نحو نصف
عائداته النفطية، ولم يكن لدى البلاد أي صادرات كبيرة خارج النفط.
وقدّرت كلفة إعادة إعمار أضرار الحرب بأكثر من 200 مليار دولار، بينما كان التضخم
مرتفعاً بفعل الإنفاق العسكري.
رغم انتهاء الحرب في 1988، واصل صدام سياسة التسلح والإنفاق العسكري،
ساعياً لترسيخ صورته كقائد قوي، لكن الوضع الاقتصادي كان ينذر بانهيار وشيك ما لم
تُحل معضلة الديون.
كما وطلب العراق من الكويت والإمارات إعفاءه من الديون، مبرراً ذلك بدفاعه
عنهما ضد التمدد الإيراني، لكن الطلب قوبل بالرفض.
بعدها، اتهم العراق الكويت بسرقة نفطه، وبدأ حملة تهديد، ثم غزاها في 2 آب/
أغسطس 1990، في خطوة هدفت إلى إسقاط الديون والاستيلاء على عائدات النفط الكويتي
لإنعاش الاقتصاد، وقد قاد هذا الغزو لاحقاً إلى "حرب الخليج" في
1990-1991.
وبحلول 1988، كانت إيران خاضعة لعقوبات من معظم دول العالم، لكنها رغم ذلك،
طورت قدرات صناعية وعسكرية محلية، وخصوصًا في مجال إنتاج الأسلحة، والتف الشعب
الإيراني حول قيادة الخميني، وتمكنت إيران من تطوير استراتيجيات غير تقليدية في
الحروب، واستثمرت في قدراتها الصاروخية والطائرات المسيّرة والقرصنة الإلكترونية.
ورغم محدودية قدراتها التقليدية مقارنة بالولايات المتحدة أو إسرائيل، نجحت
طهران في بناء شبكة من التنظيمات العسكرية القادرة على خوض حروب غير متكافئة.
وأشار التقرير إلى أن هذه السياسة مكنت إيران من الحفاظ على دعم شعبي نسبي
رغم الضغوط الاقتصادية.
وختم التقرير بالتأكيد على أن "الحرب العراقية – الإيرانية، لم تكن
مجرد صراع إقليمي دموي، بل لحظة مفصلية أعادت رسم خريطة القوة في الشرق الأوسط،
وأسست لتوجهات إستراتيجية ما زالت تؤثر في السياسات العالمية، وجعلت من إيران قوة
عسكرية متقدمة في الحروب غير التقليدية، بينما تركت العراق غارقاً في الديون
والاضطرابات، ليدخل بعد سنوات في سلسلة من النزاعات التي ما تزال تداعياتها مستمرة
حتى اليوم".
ترجمة وكالة شفق نيوز