قراءة أسترالية ترصد خسارة أمريكية في الشرق الأوسط وتصاعداً لنفوذ "المعسكر الشرقي"
شفق نيوز/ اعتبر معهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي، أن الأوضاع السياسية والإستراتيجية في الشرق الأوسط تتغير بغالبيتها بصورة إيجابية، في وقت تمارس الصين دوراً متصاعداً في منافسة أحادية الهيمنة الأمريكية، بينما تسعى الدول الإقليمية وخاصة السعودية، إلى التحرك باستقلالية في تحديد مستقبلها، إلا أن هناك شكوك حول الأدوار التي تقوم بها كل من إيران وإسرائيل.
وأوضح المعهد الأسترالي في تقرير تحت عنوان "رياح التغيير الإيجابي في الشرق الأوسط"، ترجمته وكالة شفق نيوز، أن نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة تراجع بشكل عام خلال العقد الماضي، وخاصة خلال رئاسة جو بايدن، وهو تراجع كان حتمياً، وذلك لأسباب مختلطة ومعقدة من الظروف العالمية والإقليمية المتغيرة، بينما أعادت واشنطن تحديد أولوياتها الإستراتيجية بشكل تدريجي لتركز على الصين وروسيا.
استقرار الشرق الأوسط
وأضاف التقرير أن هناك المزيد من "الاستقرار" في الشرق الأوسط اليوم أكثر من أي وقت خلال العقد الماضي، مما فسح المجال أمام هذا التحول في الأولويات، وقراءة رياح التغيير، تظهر أن دول المنطقة تستجيب للفرص المتوفرة للحد من الصراع والتوترات واستكشاف التعاون السياسي والاقتصادي.
وبعدما لفت التقرير إلى "القلق المتزايد" للولايات المتحدة أزاء الصين وخصوصاً في ظل حكم شي جين بينغ منذ العام 2013، وعسكرة الصين لبحر الصين الجنوبي وطموحاتها نحو تايوان، والعدوان الروسي على أوكرانيا والذي ساهم في تعزيز المخاوف الأمريكية.
قال التقرير إن الشرق الأوسط في الوقت نفسه، لم يعد يتمتع بنفس القدر من الأهمية الإستراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي تغيرت أولوياتها النفطية، حيث أن واشنطن تحولت منذ العام 2020، من مستورد إلى مصدر للنفط.
وحالياً، قال التقرير أن أكثر من ثلثي واردات الولايات المتحدة من النفط يأتي من الأمريكيتين، بما في ذلك نحو 60% من كندا و10% من المكسيك، وهناك 11% فقط من واردات الولايات المتحدة النفطية تأتي حالياً من الشرق الأوسط، بينها نحو 7% من السعودية ومعظم الباقي من العراق.
وبحسب التقرير، فإن الولايات المتحدة تعاني من تحديات إنهاكها الإقليمي والتغيير السياسي، موضحاً أن غزوها في العام 2003 فشل في تحقيق قيام عراق موحد وأكثر استقراراً، كما أن 20 عاماً من الحرب في أفغانستان وصل إلى "فشل ذريع"، في حين أن نظام بشار الأسد ما يزال يسيطر بقوة على سوريا، وما يزال حزب الله قوياً في لبنان، كوضع الحوثيين في اليمن.
إيران وإسرائيل وروسيا
وبالإضافة إلى ذلك، لفت التقرير إلى "فشل" واشنطن في تطبيق سياساتها السياسية والاقتصادية في إحداث "تغيير النظام الإيراني"، بينما يبدو من الواضح أن تأثير الولايات المتحدة على السياسات الإسرائيلية المتعلقة بفلسطين، محدود.
وتابع التقرير أن عدم إدانة حليف واحد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، الغزو الروسي لأوكرانيا لم يمر مرور الكرام في واشنطن.
وبرغم ذلك، قال التقرير إن الولايات المتحدة ما تزال ملتزمة تجاه الشرق الأوسط سياسياً وكدعم أمني، وهي تحتفظ بنحو 30 ألف جندي وقواعد بحرية وجوية رئيسية في المنطقة.
وأشار إلى أن واشنطن كشرت عن أنيابها خلال الحرب ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا خلال الفترة 2014-2019، وفي عمليات مكافحة الإرهاب والقرصنة.
النفوذ الاقتصادي الصيني
إلا أن التقرير استدرك قائلاً إن "اللعبة الإقليمية تغيرت وعدلت واشنطن سياساتها وتكتيكاتها وفقا لذلك"، مضيفاً أن الصين صارت تتمتع بالفعل بعلاقات اقتصادية قوية في أنحاء الشرق الأوسط وتتطلع إلى توسيع نفوذها السياسي والإستراتيجي.
وأظهر التقرير أن الصين أصبحت الشريك التجاري الرئيسي للمنطقة، وأنه من بين 13 دولة في الشرق الأوسط (دول مجلس التعاون الخليجي، والمشرق العربي، وإيران، وسوريا، واليمن)، تعتبر الصين وجهة التصدير الرئيسية لست دول، وبين الوجهة الثانية والخامسة للصادرات لأربع دول أخرى.
وأضاف أنه فيما يتعلق بجميع البلدان باستثناء دول سوريا، والأردن، ولبنان، وإسرائيل، فإن صادراتها الرئيسية هي النفط، وأنه بشكل إجمالي، تتلقى الصين نحو 50% من نفطها من الدول المطلة على الخليج، ونحو الربع من دولتين، هما المملكة السعودية 18%، وإيران 7%.
أما بالنسبة إلى السعودية وإيران والكويت واليمن، فإن الصين تعتبر الشريك التجاري الأساسي فيما يتعلق بالصادرات والواردات.
وبحسب التقرير، فإن الهدف السياسي الإستراتيجي الأساسي للصين هو تعزيز الاستقرار الإقليمي لحماية إمدادات النفط المهمة هذه، مشيراً إلى أن الهدف الحقيقي من "اتفاقية السلام" التي تفاوضت عليها الصين بين السعودية وإيران في آذار/ مارس الماضي، يتمثل في حماية الإمدادات النفطية من تلك الدول من خلال تجنب الأعمال العدائية المباشرة أو غير المباشرة بينهما والتي يمكن أن تعطل عمليات التكرير البرية أو شحنات النفط عبر مضيق هرمز، كما أن الاتفاقية السعودية-الإيرانية، مكنت الصين من تقديم نفسها كمفاوض سلام إقليمي جديد.
وأضاف التقرير أن ذلك يمثل بداية مقبولة، إلا أنه بالنظر إلى علاقات الصين الوثيقة مع روسيا وإيران، فإنها ستكون بحاجة إلى العمل الجاد في حال أرادت الحصول على قبول أوسع لهذا الدور في الشرق الأوسط.
الدور السعودي
وأشار التقرير إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أدرك وجود مصالح متباينة بين الرياض وواشنطن وسعى أيضاً إلى إيجاد فرص أمام مبادرات مستقلة تقودها السعودية، على الصعيدين المحلي والإقليمي، لسد الفجوة، وهو ما يشمل العلاقات الشخصية الوثيقة مع الزعيم الصيني، وتحدي القيادة الأمريكية داخل منظمة أوبك فيما يتعلق بتسعير النفط وإنتاجه، والتوصل إلى توافق أكبر مع المنافسين الإقليميين مثل سوريا وإيران، والتواصل مع المجتمعات العربية والسنية.
وبحسب التقرير فإنه في ظل مثل هذه المبادرات، فإن طموح محمد بن سلمان يتكامل من أجل بناء مستقبل للمملكة يتخطى الاعتماد على النفط، إذ أن خطته للعام 2030 تشتمل على مدينة ضخمة باستثمارات محلية وأجنبية كبيرة لإنشاء صناعات جديدة لتلبية الاحتياجات الصناعية والتقنية العالمية المستقبلية.
سياسة الضغط الأقصى
إلى ذلك، ذكر التقرير أن الحكم الإيراني المحافظ والمتشدد ما يزال في السلطة، بينما تتمثل السياسة الأمريكية الحالية في الإبقاء على سياسة "أقصى قدر من الضغط" من أجل إحداث التغيير، ومواجهة النفوذ الإيراني حيثما أتيح ذلك بين الدول المجاورة، ومحاولة ردع أي نية إيرانية لتطوير أسلحة نووية أو القدرة على القيام بذلك، من خلال المفاوضات غير المباشرة بشكل أساسي.
لكن التقرير لفت أيضاً إلى أن النفوذ الإيراني في العراق ولبنان واليمن وسوريا وغزة، ما يزال قائماً وخصوصاً من خلال دعم الميليشيات، كما أن النظام الإيراني ظل قادراً على البقاء اقتصادياً، لأسباب من بينها جزئياً القدرة على التحايل على العقوبات، بينما لا يوجد دليل على أن إيران تقوم بتصنيع قنبلة نووية، لكنها ستستفيد من هذا الاحتمال لتخفيف العقوبات.
وتابع التقرير أن الفترة التي يمكن أن تصمد فيها الحكومة الإيرانية هي محل تكهنات، وأنه برغم انتشار المعارضة للنظام، إلا أنها تظل مكبوتة، وقد تظهر احتمالية التغيير لاحقاً في الانتخابات الوطنية للعام 2024 أو خارجها، أو الحاجة إلى استبدال المرشد الأعلى.
فلسطين والتعنت الإسرائيلي
وبالنسبة إلى إسرائيل، قال التقرير إن العنصر الأساسي الذي قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط هو سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين ومعاملتهم، مذكراً بالتصريح الشهير لوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الذي رفض فيه فكرة وجود مفهوم الأمة الفلسطينية، وهو موقف يشكل تحدياً لا للولايات المتحدة فقط وإنما أيضاً للدول العربية الموقعة على اتفاقيات إبراهيم.
ومع ذلك، ختم التقرير بالقول إن المؤشرات على مزيد من الاستقرار الإقليمي مشجعة.
ترجمة: وكالة شفق نيوز