فاتيكان الشرق ومعالم تاريخية.. خريطة مشاريع تثير الجدل في مدينة عراقية

فاتيكان الشرق ومعالم تاريخية.. خريطة مشاريع تثير الجدل في مدينة عراقية
2025-02-13 13:10

شفق نيوز/ أثارت إحالة إدارة تكريت مركز محافظة صلاح الدين - القطعة المرقمة 1/1 الحارة - والتي تشمل القصور الرئاسية ومجمع الكنيسة الأقدم في العراق، والتي تشير مصادر تاريخية إلى أن الكنيسة كانت بمثابة "فاتكيان العراق"، إلى "الاستثمار" موجة رفض واسعة في العراق.

ليست للاستثمار

وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم شيوخ وعشائر تكريت، جواد أحمد زيدان، إن "شيوخ ووجهاء عشائر تكريت وأهلها يرفضون ويستنكرون بأشد العبارات المخططات الرامية إلى استثمار أرض الآباء والأجداد أرض تكريت القديمة، تلك الأرض التي تحمل في طياتها تاريخ تكريت العريق وتراثها الأصيل التي هي ليست مجرد أرض، بل هي جزء من هوية أهلها الذين عاشوا واحتفظوا بها عبر الأجيال، تلك الأرض التي كانت شاهداً على حقب زمنية طويلة تحمل معها ذاكرة الأجيال السابقة".

ويضيف زيدان لوكالة شفق نيوز، "فلا يمكن أن تكون أداة لمشاريع استثمارية تهدد هويتها وتفقدها قيمتها التاريخية والتراثية وتشوه معالمها وتاريخها العريق، لذلك نجد إنه من الأفضل تحويل هذا المكان إلى إرث تاريخي يجمع بين مختلف العصور والمراحل التي مرت بها تكريت".

جامع بني عام 16 للهجرة

ويتابع المتحدث باسم شيوخ وعشائر تكريت، أن "إبراز أهم معالمها التاريخية ومنها قلعة تكريت ومرقد الأربعين والجامع الكبير الذي بني عام 16 هجرية والكنيسة الخضراء التي كانت تعد ثاني أكبر كنيسة في العالم والجوامع القديمة الأخرى والتكايا الدينية، إضافةً إلى دواوين العشائر، وبذلك ستكون بمثابة مركز ثقافي وديني يعزز الهوية الحضارية ويشجع السياحة الثقافية في المدينة ويعكس عمقها التاريخي والتنوع الحضاري الذي شكل هذا المكان على مر العصور".

ويؤكد زيدان، أن "شيوخ العشائر في تكريت سوف يستخدمون الوسائل القانونية المتاحة كافة بما في ذلك الاعتراض أمام الجهات المختصة لمواجهة هذا المشروع لوقفه فوراً، داعياً الجهات المعنية والمسؤولة إلى اتخاذ موقف حازم ضد هذا المشروع "حفاظاً على تاريخنا وارتباطنا الروحي بهذه الأرض، وخاصة ضفاف نهر دجلة الخير".

ويلفت إلى أن هذه الأرض ليست للبيع أو للتغيير، بل هي تاريخ وحضارة تكريت وأهلها، ولن نقبل بأي حال من الأحوال المساس بها".

مقر الفاتيكان

وتشير المصادر التاريخية إلى أنّ مدينة تكريت كانت عبارة عن حصن كبير يتموضع فوق ضفاف نهر دجلة، واشتهرت المدينة بوجود الكنيسة الخضراء فيها والتي تعد من أقدم الكنائس في العالم ولا تزال قائمة على قمة جبل تكريت الجنوبي، وشيدها في القرن السابع الميلادي، ماروثا بن حبيب التكريتي، الذي شاع ذكره في عموم البلاد المسيحية، إذ اشتهر بعلمه، وإرشاده، ومؤلفاته، كما اشتهر باهتمامه الواسع في إقامة الكنائس والأديرة في الجزيرة الفراتية وبلاد الشرق.

وكانت تكريت مركزاً لكرسي المشرق للديانة المسيحية وأقام فيها المفارنة حتى العام 1272م، وبقيت المدينة مقراً للمفريانات منذ القرن السادس الميلادي وحتى العام 1164م.

والمفارنة هي كلمة سريانية من مفريونو، وتعني الرئيس الروحي وهي درجة أدنى من البابوية في مناصب الكنيسة.

وفي العقد الأخير من القرن الخامس الميلادي، حكم قباذ بن عزارسب الفارسي المنطقة، فخلق نوعاً من البلبلة في مدينة تكريت للسيطرة عليها، فهدم بعض الكنائس واستولى على كنيسة مار أحودامة (كبرى كنائس تكريت)، مما دفع مفارنتها وعدداً من أهلها إلى مغادرتها والذهاب لمدينتي بغداد والموصل.

ويقول أحد المختصين في تاريخ تكريت، محمد خليل التكريتي، لوكالة شفق نيوز، إن "الحديث عن تحويل القصور الرئاسية التي بناها رئيس النظام السابق صدام حسين، امر مرفوض لدى غالبية أهالي تكريت، كون الأرض التي أقميت عليها تحوي آثاراً مهمة فهي مميزة وتقع على ضفاف نهر دجلة ويصل سعرها إلى مليارات الدولارات، لذلك تحوليها مرفوض جملة وتفصيلاً".

ويلفت التكريتي، إلى أن "الكنيسة الموجودة بجانب القصور الرئاسية تعتبر واحدة من أقدم كنائس العالم وهي مقر الفاتيكان الأول على الأرض قبل فاتيكان إيطاليا، وفي عام 1994 قامت مديرية الآثار بترميم وإعادة بناء الكنيسة وفق مواصفات عالمية، وإبراز معالمها، وأثناء أعمال الصيانة عثر الفريق التنقيبي على صلبان حجرية وكتابات ونقوش سريانية تعود لعهود قديمة".

ويشير إلى أن "التنقيبات كشفت احتواء الكنيسة على قاعة كبيرة في أعلى الكنيسة. كما عثر على سبعة كنائس أخرى لم تستكشف سابقاً بجوارها جامع كبير وتم ترميمه أيضاً، وكذلك عثر على كنائس أخرى الأولى تجاور قلعة تكريت والثانية بنيت على أنقاضها والثالثة تسمى كنيسة الشهيدين (سرجيوس وباخوس) الذين أعدمهما الرومان عام 307م في مدينة سرجيوليوس في سوريا".

وخلص التكريتي، إلى القول، إن "معظم الكنائس في تكريت دمرت إبان غزو تيمورلنك في القرن الرابع عشر الميلادي، ووجود الكنيسة الخضراء كمقر ومركز ديني سابق يعتبر من أهم الأمور التي يمكن للحكومة المحلية الاهتمام بها والسعي لتنشيط الجانب السياحي في المدينة التي تعاني من الخراب والدمار".

استنكار نيابي

بدوره، يستنكر عضو مجلس النواب، شعلان الكريم، عن تحويل كنيسة تاريخية في تكريت إلى استثمار عقاري.

ويقول الكريم، للوكالة، إن "التجاوز على آثار صلاح الدين مرفوض، وآخر تلك التجاوزات هي التجاوز على أراضي (منطقة الحارة) في مدينة تكريت التي تضم كنيسة تاريخية تعود لمئات السنين، وأن تحويل جنس العقار إلى استثماري يعد طمساً للإرث الحضاري للمدينة".

ويؤكد، "إننا سنقف بحزم ضد أي محاولات لاستغلال هذه المواقع العريقة لمصالح شخصية، وسنتابع شخصياً مع الجهات المعنية هذا الموضوع"، مبيناً في نهاية حديثه أن "مدينة تكريت كانت مقراً رسمياً لكرسي كنيسة المشرق في بداية انتشار المسيحية، وكانت سلطتها منبسطة على أبرشيات المشرق، وقد احتفظت المدينة بكرسي الكهنوتية لقرون قبل انتقاله إلى الموصل".

"لم تُحال للاستثمار"

لكن رئيس مجلس محافظة صلاح الدين، عادل الصميدعي، يقول إن "ما أثير حوال قيام مجلس محافظة صلاح الدين بإحالة الموقع الذي يقع عليه القصور الرئاسية في القطعة المرقمة 1/ 1 غير صحيح، بل أن لجنة الاستثمار في مجلس صلاح الدين أعدت خارطة لتنفيذ وإحالة المشاريع التي يمكن للمجلس تنفيذها في المحافظة".

ويؤكد الصميدعي، لوكالة شفق نيوز، أن "ما أثير غير صحيح، وعقد مجلس المحافظة جلسته المرقمة 26 لمناقشة التوصيات التي أقرتها لجنة الاستثمار لغرض تحويل الأرض حسب التخصص لغرض تنفيذ المشاريع، وكان هناك بحدود 56 مشروعاً استثمارياً، ولم يكن للجنة الاستثمار أي توصية في إحالة القصور الرئاسية للاستثمار، كون هذه المنطقة مميزة وتقع على ضفاف نهر دجلة، ونعمل على إظهار صلاح الدين بوجه جديد من خلال تنفيذ مشاريع، ولكن القصور الرئاسية لم تكن ضمن المشاريع التي يتم المصادقة عليها وإحالتها إلى الاستثمار".

ويرى، أن "لجنة الاستثمار في مجلس المحافظة لا يمكن لها أن تناقش أو تحيل أي مشروع يضر أهالي تكريت، كما أن أي مشروع يمر في سلسلة إجراءات حيث يتم تقديم المشروع ومن ثم التصويت عليه ومن ثم يُحال إلى هيئة الاستثمار لغرض إحالته إلى المستثمر والقطعة المرقمة 1/1 الحارة والتي تضم القصور الرئاسية لم تُحال إلى الاستثمار".

00:00
00:00
Shafaq Live
Radio radio icon