عراقيات يُحيين التراث بصناعات يدوية مُدرّة للمال (صور)
شفق نيوز/ على الرغم من القيود المجتمعية التي تكبل نشاط المرأة في العراق، إلا أن تأثيرها كبير خاصة في فترات الكساد الاقتصادي الذي يدفعها إلى ابتكار أو إحياء التراث، عن طريق الحرف اليدوية التي توفّر مصدر دخل للعائلة، بالإضافة الى مسؤولياتها في المنزل.
تجارة الأرياف
لا تعتبر هاجر (28) عاماً من منطقة شط ملة في أطراف محافظة كربلاء، عملها في صناعة منتجات سعف النخيل مصدراً للربح فقط، وإنما هواية تمارس من خلالها طاقاتها الفنية، حيث تعمد بعد قطع السعف إلى تلوينه والتفنن به لساعات طويلة لصناعة المكانس اليدوية والأطباق المختلفة الأحجام، والتي تستخدم في حفظ الخبز وغيره، أو كلوحات لتزيين الجدران.
هاجر، أم لثلاثة أولاد، تقول لوكالة شفق نيوز، "احببت الصناعات هذه لعدة أسباب، أولها لأنها لا تشكل أي خطر عليّ خلال إنتاجها، كما أن موادها الأولية متوفرة في كل مكان، خاصة وأننا نملك مزرعة كبيرة يتوفر فيها ما احتاجه من سعف النخيل باحجامه وألوانه كافة، سواء السعف الأخضر الصغير القريب من جذع النخلة، أو ذلك الموجود في أطراف النخيل".
وتبدأ هاجر عملها بجرد السعف وغسله وتركه ليجف بالكامل في عملية تستغرق يوماً كاملاً، وفي اليوم التالي تقوم بصناعة "الطبگ" (يستخدم لحفظ الخبز)، والمراوح اليدوية، ومفرش الخبز، وحافظة التمور، وبعد إتمام هذه المنتجات تعمد هاجر إلى تلوينها باللونين الأحمر والأخضر الذي عادة ما يستهوي زبائنها مقارنة ببقية الألوان.
وتشير هاجر إلى أن هذه الصناعة اليدوية التراثية تكسبها شهرياً نحو 200 ألف دينار، بعد أن يقوم زوجها بعرضها للبيع في سوق المدينة.
مواطنة أخرى تدعى أم حسن (50) عاماً من منطقة البو هويدي في عين التمر بمحافظة كربلاء، تصنع المنتوجات اليدوية المختلفة منذ أكثر من 24 عاماً، ومن تلك الصناعات هي الخصاف، والحلانة (تستخدم لجمع التمور)، والطبگ، والمروحة اليدوية التي تصنع منها في اليوم الواحد 7 قطع خلال فصل الصيف خاصة، فيما ينعدم الطلب عليها في موسم الشتاء.
وتُعرض أم حسن - في حديث لوكالة شفق نيوز - منتجاتها في محل لبيع الأغراض المنزلية بعد اتفاقها مع صاحبه على مبلغ قدره 160 ألف دينار شهرياً، وقد يرتفع هذا المبلغ عندما يزداد الطلب على صناعتها التراثية.
دعم نساء الريف
تؤكد رئيسة قسم الإرشاد الزراعي في مديرية زراعة كربلاء، ضحى خالد مطلك، أن "القسم يدعم نساء المحافظة كافة سواء في مراكز المدن أو الأرياف، عبر ندوات ومشاهدات حقلية"، وتضيف مطلك خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، "كذلك هناك شعبة خاصة بالمرأة الريفية، لزيادة الوعي وإدخال الطرق الحديثة إلى الصناعات والمهن المختلفة للنساء".
أساليب مشجعة
تدعو الناشطة النسوية، إسراء النصراوي، إلى "ضرورة دعم النساء المختصات بالحرف اليدوية بمعارض تستقطب السائحين من مختلف المحافظات والدول الأخرى، للمساهمة في دعم هذه الصناعات، والتعريف بتاريخ البلاد، وتشجيع انخراط النساء في سوق العمل مهما كان مستواها التعليمي"، مشيرة في حديث لوكالة شفق نيوز إلى أن "هذا سيساهم أيضاً في تقليل نسبة البطالة المتفشية حالياً في البلاد".
مشروع ربحي
وتعتبر الأعمال اليدوية من المشاريع الربحية التي تعمل بها النساء، وهناك مواسم معينة لهذه الأعمال، بحسب ما يقول مصطفى حيدر، صاحب محل للأعمال اليدوية في محافظة بابل.
ويوضح حيدر خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إن "الإقبال على شراء هذه الأعمال يزدهر أكثر في المناسبات حيث يقدم السياح على الشراء"، مبيناً أن "أكثر المناطق التي تشهر في محافظة بابل بصناعة هذه الأعمال هي منطقة الرواشدة والجماعات".
هدر للموارد
بدوره يؤكد الخبير الاقتصادي، عبدالرحمن الشيخلي، أن "عدم الاستعانة بالنساء وزجهن في سوق العمل يُعدّ هدراً للموارد البشرية، حيث يبلغ عدد النساء اللواتي في سن العمل بحدود 13 مليون أنثى، مليون منهن فقط هن في سوق العمل (عاملات أو موظفات)، ما يشكّل هدراً في الموارد البشرية".
ويعزو الشيخلي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أسباب هذا الهدر إلى عوامل كثيرة، منها "ما هو موروث اجتماعي خاصة لدى بعض الأسر، قروية كانت أم حضرية، فضلاً عن الوضع الأمني والسياسي الذي مرّ به العراق منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي والى الوقت الحاضر".
ويضيف، "ما يدفعنا الى التعويل على منظمات المجتمع المدني بأن تأخذ على عاتقها مسؤولية تمكين المرأة لاستغلال فرص المشاركة في سوق العمل، وانتقال هذه الموارد البشرية من مجرد أرقام خاملة إلى أرقام فاعلة في المجتمع".