"سوق الملحاني" في الكاظمية.. بورصة القيمر في صباح العيد (صور)

شفق نيوز/ يعد تناول قيمر العرب صبيحة العيد واحداً من أبرز التقاليد المتوارثة لدى البغداديين، حيث يحرص أرباب الأسر على شراء كميات من القيمر تناسب أفراد العائلة لتناول الإفطار الصباحي بعد شهر كامل من الصيام.
ورغم انتشار الأسواق التي تبيع القيمر، إلا أن "سوق الملحاني" في مدينة الكاظمية بالعاصمة بغداد يظل وجهة مفضلة لكثيرين، حيث يُعرف بجودة قيمر العرب الذي يتميز بنظافته وعدم غشه، ما يجعل سعره أعلى بقليل مقارنةً بالأسواق الأخرى.
رحلة البحث عن القيمر الأصيل
ويقول المواطن سعد عبد الرحيم صاحب الـ 40 عاماً، من منطقة البياع أنه "يفضل قطع المسافة إلى سوق الملحاني رغم توفر القيمر في منطقته"، مضيفاً أن "قيمر هذا السوق لا يُضاهى من حيث الطعم والمذاق، وقد ورثت هذه العادة عن والدي، حيث كنا نجتمع صباح العيد لتناول القيمر كوجبة شهية بعد شهر من الصيام".
ويشير عبد الرحيم، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "هذه العادة ليست مجرد تقليد غذائي، بل تعكس قيم الترابط الأسري والاحتفاء بالعيد بطقوسه وعاداته المتوارثة".
ويعتبر "سوق الملحاني" من أعرق أسواق الكاظمية، حيث تأسس في عشرينيات القرن الماضي بمنطقة حي العروبة، قرب كراج سامراء والسيد محمد، حيث يوفر السوق السلع الأساسية مثل الخضار واللحوم والقيمر، إضافةً إلى شهرته بصناعة الأقفاص والكراسي من جريد النخل.
وخلال الأعياد، يشهد السوق ازدحاماً غير مألوف، حيث يتوافد المشترون منذ ساعات الفجر الأولى لشراء القيمر الطازج، الذي يُعد رمزاً من رموز الاحتفال بالعيد لدى العائلات البغدادية.
من الريف إلى المدينة
تبدأ الحاجة أم كاظم صاحبة الـ 60 عاماً التي تسكن منطقة الفضيلية عملها في وقت مبكر، حيث تصطحب صواني القيمر الطازج المستخرج من الجاموس والأبقار منذ الساعة الثانية ليلاً إلى سوق الملحاني.
وتوضح أم كاظم، خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، أن "عملها لا يقتصر على أيام العيد، لكنها تضاعف الكمية في العيد لتلبية الطلب المرتفع"، مبينة أنه "في الأيام العادية، أجلب صينيتين فقط، أما في العيد فأحضر بين 5 إلى 7 صواني، وأحياناً أكثر، لأن القيمر يُباع بسرعة ولا يخشى عليه من التلف".
وتشير إلى أن "كيلو القيمر يُباع بسعر 35 ألف دينار"، مستطردة بالقول "قيمرنا مستخرج من الجاموس فقط، ولا نخلطه بالحليب الصناعي، لذلك فهو مرغوب جداً".
إلى جانبها، تجلس الحاجة أم حسين، التي تبيع الحليب واللبن والجبن والزبد والدهن الحر، والتي تتحدث قائلة أن "الزبائن لا يكتفون بشراء القيمر فقط، بل يقبلون أيضاً على منتجات الألبان الطبيعية التي تشتهر بها الأسواق الشعبية".
القيمر الأصيل.. نكهة لا تُضاهى
من جانبه، يؤكد المواطن طه الخزعلي صاحب الـ 45 عاماً، من منطقة الجادرية أن "أسعار القيمر في العيد لا تختلف كثيراً عن الأيام العادية رغم زيادة الطلب، لكنه يفضل شراء قيمر سوق الملحاني لمذاقه الأصيل".
"جربت القيمر من عدة أماكن، لكن لم أجد أطيب من قيمر هذا السوق، فهو غير مدعوم بالنشأ أو الحليب الصناعي، ويمكن معرفة ذلك من المذاق والقوام"، وفقاً لما تحدث به لوكالة شفق نيوز.
ويضيف أن "القيمر العربي الخالص لا يمكن تناول كميات كبيرة منه لأنه دسم جدًا، على عكس القيمر المغشوش الذي يكون أخف وأقل دسامة".
كما يشدد الخزعلي على "أهمية الحفاظ على التقاليد والعادات الجميلة خلال العيد"، معتبراً في الوقت نفسه أن "استمرارها يجعلنا نشعر وكأن الزمن لا يتغير، وأن الماضي لا يزال متجذراً في الحاضر، رغم سرعة الحياة الحديثة".
ويختم قائلاً إن "التقاليد هي الجسر الذي يربط الأجيال ببعضها، وما دامت مستمرة، فإنها تحافظ على هويتنا الثقافية وموروثاتنا الأصيلة".
الصدرية.. الوجهة الأخرى لـ "القيمر"
على الجانب الآخر من العاصمة، يأتي "سوق الصدرية" الذي يتوسط العاصمة
بغداد والذي يعتبر من أقدم الأحياء البغدادية العريقة، حيث تمتزج في أزقتها الضيقة
عبق التاريخ بروح الحياة الشعبية التي لا تهدأ، والتي تشتهر بمطاعمها التقليدية
التي تقدم أشهى الأكلات العراقية.
ومن بين أبرز معالم الصدرية، يبرز أسم "رسول أبو الكاهي"، ذلك
المطعم الشهير الذي أصبح محجاً لعشاق الكاهي والقيمر العراقي الأصيل.
فمنذ عقود، اعتاد البغداديون زيارة "أبو الكاهي" صباحاً، خاصة في
الأعياد، لتذوق أشهى قطع الكاهي المقرمشة المغمورة بالعسل أو القطر، والمزينة
بالقيمر الطازج، في طقس غذائي متوارث يعكس خصوصية المطبخ البغدادي.