"سواعد موصلية" تنفض غبار الحرب وتنير "أضواء الأمل"

"سواعد موصلية" تنفض غبار الحرب وتنير "أضواء الأمل"
2020-10-24T11:56:02+00:00

شفق نيوز/ "رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة"، هذا ما أدركه جيداً محمد عصام ورفاقه ليخطو خطوتهم الأولى في رحلة شاقة قد تكون طويلة لنفض غبار وركام الحرب عن معالم أثرية وحضارية في مدينة الموصل وإعادة الألق إليها على أمل أن تعود إلى سابق عهدها في يوم من الأيام.

عصام واحد من بين مجموعة شبان أسسوا فريقاً تطوعياً باسم "سواعد موصلية" يقومون بتنظيف المواقع الأثرية والتراثية في المدينة ورفع الأنقاض ومخلفات الحرب من حولها.

كما تطوع هؤلاء بإعادة إنارة هذه المعالم ليلاً لتذكير سكانها وغيرهم بأن هذه المدينة ظلت حية رغم كل الكوارث والنكبات على مرّ التاريخ التاريخية وبقيت معالمها الأثرية شامخة رغم محاولة تنظيم "داعش" تجريفها ومحو آثارها.

"لم نرض لأنفسنا بأن يقال إن الموصل مدينة الخراب والدمار ولاشيء آخر فيها"، يقول عصام لوكالة شفق نيوز عند سؤاله عن الهدف من الحملة التطوعية.

ويسرد عصام السبب الأهم قائلاً، إن "أطفالنا لا يعلمون ما الذي تحمله مدينتهم من إرث عظيم، وهذا الأمر خطير جداً، فنحن بأمس الحاجة لتعريف الأجيال القادمة بما تبقى لدينا من آثار خصوصا بعد ما جرف الإرهاب عشرات المواقع الأثرية ابان سيطرته على المدينة 

"آثارنا هويتنا" 

هذا كان شعار الحملة التي أطلقها الفريق التطوعي الذي باشر أولاً باختيار المعالم الأكثر أهمية والأقرب إلى أنظار الناس من أجل العمل على تنظيف محيطها ونصب أعمدة الانارة حولها.

وبدأ الفريق العمل بـ "قلعة باش طابيا" و"قره سراي"، وكان الموقعان أولى المعالم الأثرية التي تمت إنارتها.

وحتى الآن، شمل العمل التطوعي سبعة مواقع من بينها كنيسة مارتوما "التي كان الاهتمام بها مميزاً وهو بمثابة رسالة اعتزاز بالمسيحيين"، حسب ما يقول مؤسس الفريق. 

وفي تكملة الحديث عن هذه الحملة، قال عصام إن "المرحلة الاول ستكون داخل الموصل فقط، وذلك لتسليط الضوء محلياً وعالمياً على هذه المعالم الأثرية، أما المرحلة الثانية فلم نخطط لها بعد ولكن نطمح إلى الأكثر".

تجريف المدن الأثرية

واجتاح تنظيم "داعش" الموصل صيف عام 2014 وسيطر عليها بين ليلة وضحاها إثر انهيار الجيش العراقي وفرار عشرات آلاف الجنود من المدينة.

ثم تمدد التنظيم خلال بضعة أيام ليحكم قبضته على ثلث مساحة العراق في شمالي وغربي البلاد.

وشرع التنظيم، فيما بعد، بحملة منظمة لتدمير الآثار في المناطق الخاضعة لسيطرته وخاصة في محافظة نينوى، إذ جرف ودمر مقاتلو التنظيم محتويات متحف الموصل ومدن أثرية تعود لحقب زمنية مختلفة هي النمرود والحضر وخورسباد ونينوى الأثرية، إضافة إلى مدينة أسكي موصل الإسلامية.

كما دمر التنظيم أكثر من 119 مسجداً تراثياً وأثرياً بحسب الاحصائيات الرسمية لدائرة الوقف السني، والتي كان الجامع النوري ومأذنته الحدباء مع جامع النبي يونس الموقعان اللذان كان خلف تدميرهما أثراً كبيراً في نفوس سكان الموصل.

ونالت معاول وجرافات داعش عشرات كنائس المسيحيين ومعابد الإيزيديين في الموصل وخارجها، إضافة إلى ما تم تدميره من البوابات الأثرية الثلاث وأجزاء كبيرة من سور نينوى الأثري والثيران المجنحة.

ورغم وجود بعثات ألمانية وإيطالية تعمل حاليا على التنقيب في المواقع الأثرية واكتشاف الألمان لأربعة ثيران مجنحة جديدة تحت تل النبي يونس، واكتشاف الايطاليين لقصر آشوري في مدينة نينوى الشرقية، إلا أن الهوية الاثرية لنينوى تحتاج الى سنوات من أجل إعادة ما يمكن إعادة إعماره من جديد.

وكان التنظيم يروّج على أن هذه المواقع والآثار "وثنية" رغم أنه قام بتهريب القطع الصغيرة والثمينة وباعها في الأسواق السوداء العالمية.

"إرادة الحياة"

ومثلما تجد براعم الزهور طريقها بين ركام الحروب لتلامس أوراقها أشعة الشمس، لم يعتري اليأس نفوس المتطوعين للمضي بحملتهم رغم غياب الدعم الحكومي لمشروعهم.

وشارك في الحملة 45 شاباً، بينما اقتصر دور الدوائر الحكومية مثل الآثار والبلدية والكهرباء على مساندة وصفها عصام بـ"الخجولة".

إلا أن الإصرار كان وقود هؤلاء المتطوعين لإنجاز ما حققوه رغم الإمكانيات البسيطة المتوفرة لديهم، إذ لاقت نتائج حملتهم ردود فعل إيجابية على منصات مواقع التواصل الاجتماعي، وحازوا على الثناء من كل مختلف مناطق العراق.

ويقول عصام، إن "هذه كانت الغاية الأساسية من الحملة، فالموصل تمتلك معالم أثرية يعود تاريخها الى العهد الآشوري، ولايمكن ان تبقى مهملة".

ولم تكن هذه الحملة الأولى لعصام ورفاقه، بل كانت هناك حملات متعاقبة لإزالة آثار وتداعيات الحرب في الموصل. ويقول موضحاً، "حملاتنا السابقة كانت في المجال الإغاثي ومختلف الأعمال التطوعية مثل إعادة إعمار المنازل التي تضررت من الحرب ورفع الانقاض أيضاً".

استعادت القوات العراقية، بدعم من التحالف الدولي، مدينة الموصل عام 2017 بعد 10 أشهر من الحرب الطاحنة التي حولت أجزاء واسعة من المدنية وخاصة المدينة القديمة إلى ركام.

ولا تزال ركام الحرب متناثرة في أجزاء واسعة من المدينة حتى الآن.

"لا نريد أن نخسر ما تبقى بسبب الإهمال"

وكان عمود إنارة وسلك معدني ومصباح كافية لإنارة المعالم الأثرية وزرع الأمل معها في نفوس سكان المدينة، كما يقول عصام.

إلا أن إعادة إعمار المدينة وإعادتها إلى سابق عهدها تحتاج إلى ما هو أكثر بكثير.

ويقول عصام إن الاهتمام الحكومي بالمواقع الأثرية سيجعلها محط اهتمام واسع ويترك صدى إيجابياً لدى أبناء المدينة وزائريها.

ويضيف، "نحن بدون آثارنا لا هوية لنا، وعلينا أن نقدم المزيد حتى لا يصل بنا الأمر يوماً إلى إن يقال عن الموصل بانها مدينة الخراب والدمار فقط".

ويختم بالقول، "يكفي ما خسرناه من معالم أثرية بسبب الإرهاب، ولا نريد أن نخسر ما تبقى منها بسبب الإهمال".


Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon