رؤية بريطانية ترسم صورة "قاتمة" للعراق وحياة مواطنيه وتبعث برسالة للقوى العظمى

رؤية بريطانية ترسم صورة "قاتمة" للعراق وحياة مواطنيه وتبعث برسالة للقوى العظمى
2023-03-01T20:52:22+00:00

شفق نيوز/ رسمت مجلة "بروسبكت" البريطانية مشهدا قاتما حول العراق وحياة مواطنيه، وذلك بعد مرور عقدين على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة.

واعتبرت المجلة البريطانية في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، ان "الدرس الأكبر الذي بإمكان العالم تعلمه من العراق ومن اخفاقات الغزو، ان هناك حدوداً لقدرات القوى العظمى على فرض حلول من الخارج لبناء الدول".

واستهلت المجلة البريطانية تقريرها باستعادة قصة انسانية تعود الى العام 2007 عندما اختفى علاء صادق فرج، وبعدها باسابيع رد رجل اخر على هاتفه المحمول. ونقل عن شقيقه محمد، قوله انه كان رجلا عراقيا ولم يقل لنا انهم قتلوه وانما قال "اذهب الى المشرحة.. وذهبنا الى المشرحة لنتأكد، ولم نعثر على الجثة".

ولفت التقرير الى ان علاء كان يبلغ من العمر 34 عاما في 15 ايلول/سبتمبر 2007، عندما اختفى اثناء عمله كحارس امني حكومي في شمال بغداد، حيث تعتقد عائلته انه قتل من قبل احدى الميليشيات الشيعية التي كانت كالعديد من الفصائل المسلحة الاخرى في ذلك الوقت، تقوم بعمليات خطف في وسط وجنوب العراق.

واشار التقرير الى ان شقيقه محمد يعتقد ان جثته لم يتم نقلها ابدا الى المشرحة وانما القيت في ارض زراعية، ولم يعثر عليها ابدا، مضيفا انه "ظللنا طوال عام او عامين، نبحث عنه، وجربنا كل شيء، وسألنا كل شخص نعرفه ، لكن لم يحدث شيء".

وبعد 6 اعوام من اختفاء علاء، سجلت الاسرة وفاته رسميا في المحكمة، وحصلت على افادة تتيح لارملته واطفاله ان تتلقى راتبا شهريا يبلغ حوالي 160 دولارا من "مؤسسة الشهداء". واصبح محمد هو من يعيل الاطفال الثلاثة.

وذكر تقرير المجلة ان قصة عائلة فرج تشكل نموذجا مروعا للصدمة التي لا تزال تعيش في ملايين المنازل العراقية، مشيرا الى ان "عمليات الخطف والقتل انتشرت خلال الصراع الطائفي الذي عصف بالعراق بعد غزو العام 2003 للاطاحة بالديكتاتور السابق صدام حسين، مشيرة الى ان "كثيرين فقدوا افرادا من عائلاتهم وان يستعيد جيل الالفية ذكريات الطفولة عن الشوارع المليئة بالجثث، وعن الفرار من منازلهم بسبب ظهور تنظيم القاعدة، وعن الافلات من الانفجارات".

ولفت التقرير الى ان "ملايين العراقيين فروا من البلد بعد الغزو، وقتل اكثر من 185 الف مدني بسبب اعمال العنف بين عامي 2003 و2017، وفقا لمنظمة "عراقي بودي كاونت"، في حين انه لا تتوفر ارقام محددة حول المفقودين، بينما تقول "اللجنة الدولية للمفقودين" ان ما يصل الى مليون شخص اختفوا على مدى عقود من العنف قبل وبعد العام 2003".

واشار الى ان السيارات المفخخة لم تعد تنفجر في شوارع العاصمة بشكل يومي، ولم يعد هناك انتشار للقناصة فوق المباني، وان عدد من يتم قتلهم او خطفهم بسبب هوياتهم العرقية او الطائفية، اصبح اقل بكثير، كما لم تعد هناك شبكة من الحواجز الامنية الخرسانية للقوات الامريكية التي قطعت اوصال المناطق الحضرية ولم يعد تنظيم داعش، الذي اجتاح العراق وسوريا في العام 2014 ، يسيطر على مساحات واسعة من الاراضي.

وبالاضافة الى ذلك، لفت التقرير الى انه كانت هناك لحظات تبعث على الفرح حيث استضافت مدينة البصرة مؤخرا بطولة الخليج العربي لكرة القدم، وفاز المنتخب العراقي فيها.

واعتبر التقرير ان العراق يعمل بجزء صغير فقط من امكاناته الفعلية وهو لا يزال محملا بأعباء الصدمات المتعددة التي عاشها العراقيون، بما في ذلك حالات الاختفاء كالتي جرت مع علاء، وذلك في ظل دورات مستمرة من العنف والفقر.

واضاف ان انعدام الكفاءة والفساد والخلل الوظيفي، يعني ايضا ان الحكومات المتتالية فشلت في بناء مؤسسات موثوقة.

ونقل التقرير عن وزير الداخلية الاسبق جواد البولاني (بين عامي 2006 و 2010)، وهو حاليا نائب في البرلمان، قوله "للاسف ان العقلية السياسية الاستراتيجية لم تصل الى المرحلة المطلوبة لبناء دولة، وكل مؤسسة حكومية من وزارات ووكالات، لديها مشاكل كبيرة كمشاكل العراق بشكل عام".

ونوه التقرير الى ان الدولة تقدم كل شيء ولا شيء في الوقت نفسه، فهي تدرج كل عام الاف الاشخاص على لوائح المرتبات العامة في وظائف غير منتجة مدى الحياة، وتنفق مليارات الدولارات من اجل دعم الوقود وشبكة الكهرباء والمواد الغذائية الاساسية، كما تقدم مخصصات مالية لضحايا العنف حتى الذي يعود الى مرحلة حرب الثمانينيات مع ايران.

وبحسب المستشار المالي لرئاسة الحكومة مظهر محمد صالح، فان الانفاق الشهري على رواتب موظفي الخدمة العامة ومعاشات التقاعد والرعاية الاجتماعية يبلغ ما يقرب من 7.3 تريليون دينار (حوالي 5 مليارات دولار)، وهو ما يعني انه يستهلك ما لا يقل عن نصف مداخيل العراق شهريا من مبيعات النفط الخام، وهو المصدر الاساسي للدخل للدولة، ولا يبقي سوى القليل ليستخدم في تحسين الخدمات.

ونتيجة لذلك، يقول التقرير ان البنية التحتية تتداعى، بما في ذلك شبكة الكهرباء المدعومة التي لا تؤمن في كثير من الاماكن سوى 12 ساعة من الكهرباء يوميان ويضطر اصحاب المنازل والشركات للجوء الى المولدات لتعويض النقص.

وتابع التقرير انه بينما هناك 4.5 مليون شخص يعملون في القطاع العام، و 2.5 مليون اخرين مدرجين على لوائح رواتب التقاعد، فان البطالة بين الشباب تصل الى 35 %، وفقا لمنظمة العمل الدولية. كما اظهر التقرير انه في ظل هيمنة الدولة على العديد من جوانب حياة الناس لعقود، اصبح هناك نفور من وظائف القطاع الخاص وحتى التشكيك فيها، حيث تتضمن ضمانات اقل وساعات عمل اطول من العمل في القطاع الحكومي.

وينقل التقرير عن مصعب الخطيب ، الذي قاد عمليات عراقية لشركات غربية خاصة مختلفة قوله انه "يبدو الامر وكانك تجلس خلف مكتب ، وكلما زاد حجم المكتب، زادت أهميته". مضيفا ان الناس ينظرون الى عمل القطاع الخاص على انه "مهين".

ولفت التقرير الى ان قادة العراق لم يجعلوا من عملية التعافي من سنوات النزاعات او بناء قطاع خاص اقوى، اكثر سهولة، حيث تعم الإدارية الهرمية والممارسات الفاسدة في المؤسسات الحكومية.

ونقل التقرير عن مسؤول سابق في الحكومة قوله ان "الغالبية العظمى من كبار المسؤولين يستخدمون مناصبهم في مؤسساتهم لاثراء انفسهم وعائلاتهم وتعزيز شبكات المحسوبية الخاصة بهم... العراق ليس بقيادة الافضل والالمع ولا حتى الأنظف، ويحكمه الجشع".

وبعدما اشار التقرير الى تفشي الفساد في العراق، والى فضيحة "سرقة القرن" الاخيرة، قال ان الحافز ضئيل امام غالبية المسؤولين من اجل التطوير او التخلي عن ممارسات الفساد.

وينقل التقرير عن المحلل السياسي سجاد جياد قوله ان "مسؤولي القطاع العام يتقاضون رواتب جيدة ولديهم وظائف مدى الحياة، لذا فان دافعهم هو الحفاظ على الوضع الراهن وتجنب الاصلاحات".

كما لفت التقرير الى افتقار مؤسسات الدولة الى الرقمنة، حيث تتكدس الاوراق المقدمة الى الوزراء، ما يرمز الى خمول القطاع العام، وهو ايضا ما يثير فرصا للفساد، لان المعاملات الورقية تسهل اخفاء المدفوعات غير المشروعة.

وبسبب الانظمة البالية، يقول التقرير ان ذلك يجعل من الصعب على المسؤولين التواصل مع الشركات الاجنبية التي تتطلع الى الاستثمار في العراق، وهو ما يعرقل الجهود المبذولة لاستقطاب نوع الوظائف والاموال التي من شانها ان تقلل من تضخم حجم القطاع العام.

وينقل التقرير وزير الموارد المائية السابق حسن الجنابي قوله ان "قلة قليلة من الناس في الوزارة لديهم رسائل بريد إلكتروني (ايميل). الاتصالات تتم فقط عبر الورق. واعتقد انني كنت الوزير الاول الذي جلب برنامج PowerPoint لكبار المديرين، وكانوا يعانون. لم يعرفوا كيفية استخدامه".

الى ذلك، اشار التقرير الى ان حوالي 40 % من سكان العراق البالغ عددهم 42.2 مليون نسمة، تقل اعمارهم عن 15 عاما، وفقا لوزارة التخطيط، بينما يتزايد عدد سكانه بسرعة وبنسبة 2.5 % سنويا، وهي نسبة تعادل العديد من بلدان افريقيا جنوب الصحراء واعلى بكثير من متوسط البنك الدولي البالغ 1.3 % لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا.

ولفت الى ان تنامي عدد الشباب يعني ان العديد من العراقيين حاليا ليس لديهم معرفة مباشرة بما كان عليه الحياة في ظل حكم صدام حسين، وهم يسمعون عن وحشيته من العائلة والاصدقاء الاكبر سنا، لكنهم ايضا غير راضين عن قادتهم الحاليين، ولا عن نظام المحاصصة الذي يعزز شبكات المحسوبية.

ونقل التقرير عن الباحثة في "كلية هارفارد كينيدي" مارسين الشمري قولها "ان العراق، اجمالا، وخاصة بالمقارنة مع الشرق الاوسط، اعتقد انه لا تزال لديه مؤسسات ديمقراطية يمكن اما تطويرها بشكل اكبر، او يمكن ان تنهار".

كما نقل عن مريم سمير علي، وهي صحفية وناشطة في مجال حقوق المراة، قولها: انه "بصفتنا نساء، فان الخطر الاكبر الذي نواجهه هو انه ليس لدينا الحق حتى في المطالبة بحقوقنا الشخصية، وفي اختيار ما نتعلمه او ندرسه او السفر".

واضافت "نحن محرومات من هذه الاشياء". لكن التقرير في حين اشار الى ان الحرية هشة، الا انه اكد ان بعض المؤشرات الاساسية لنوعية الحياة قد تحسنت، حيث انخفض عدد الاطفال الذين يموتون دون سن الخامسة الى النصف تقريبا، من 45 من كل 1000 مولود حي في العام 2000 الى 25 في العام 2020، مضيفا ان العقوبات المفروضة على نظام صدام لفترة طويلة تسببت في عزل العراق عن العالم، اما رفع العقوبات فقد مكن العراقيين من السفر والحصول على السلع الاجنبية والانترنت.

وتساءل التقرير عما يمكن للعالم ان يتعلمه من العراق واخفاقات الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، قبل ان يتابع انه ربما يتعلق بحدود قدرات القوى العظمى في بناء الامة.

ونقل التقرير عن دوغلاس لوت، الذي عمل كنائب مستشار الامن القومي لجورج بوش في حربي العراق وافغانستان، قوله ان "درسي الاول والاخير يتعلق بما هي قدرة قوة خارجية على فرض نظام جديد على بلد مثل العراق؟. واعتقد ان تجربة العراق يجب ان تمنحنا وقفة، او ربما، (تجعلنا) نتواضع، في قدرتنا على فرض اجابة من الخارج".

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon