داخل مضطرب وجوار ملتهب: العراق في 2024

داخل مضطرب وجوار ملتهب: العراق في 2024 مشهد لفلاح عراقي مع انتهاء عمله وقت غروب الشمس
2024-12-27T10:09:26+00:00

شفق نيوز/ شهد عام 2024 سلسلة من التطورات البارزة التي أثرت بشكل كبير على المشهد الأمني والسياسي والاقتصادي في العراق، في ظل توترات إقليمية غير مسبوقة.

بدأت السنة بتصعيد ملحوظ في الهجمات التي نفذتها فصائل عراقية مسلحة ضد المصالح الأمريكية في المنطقة، كرد فعل على الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023.

وكان لهذه الحرب تأثيرات كبيرة على العراق، إذ تصاعدت المخاوف من انجراره إلى صراع إقليمي أكبر. ورغم هذه التحديات، كانت الأحداث بمثابة اختبار لاستقرار البلاد، وكشفت عن استمرار الصراع بين القوى الإقليمية والدولية في العراق.

بلغ التصعيد ذروته في 28 يناير/كانون الثاني 2024، حين هاجمت "المقاومة الإسلامية في العراق" قاعدة "البرج 22" قرب قاعدة التنف عند ملتقى الحدود الأردنية السورية العراقية، ما أسفر عن مقتل 3 جنود أمريكيين وإصابة 34 آخرين. دفع ذلك واشنطن إلى استهداف قادة هذه الجماعات، حيث قتل قادة كتائب حزب الله العراقية في بغداد في 7 فبراير 2024.

استؤنفت المحادثات الثنائية بين العراق والولايات المتحدة حول انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق في ظل التصعيد الميداني والدبلوماسي.

وفي 15 أبريل/نيسان 2024، زار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الولايات المتحدة، حيث اجتمع مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، مؤكدًا أهمية الانتقال إلى "شراكة كاملة" بين البلدين.

وفي 27 سبتمبر 2024، أعلن التحالف الدولي عن انتهاء مهمته في العراق خلال 12 شهراً، مع بقاء بعض القوات الأمريكية في العراق حتى 2026 لدعم العمليات ضد داعش في سوريا.

وفي هذا السياق، يقول الخبير الأمني، علي المعماري، إن "المطالبات المتبادلة بين العراق وأمريكا معقدة، حيث إن الفصائل تطالب عن طريق أحزابها السياسية في البرلمان والحكومة بانسحاب القوات الأمريكية، وبالوقت نفسه الساسة الأمريكيون يطالبون الحكومة العراقية بحل هذه الفصائل عاجلاً أو آجلاً وبالضغط السياسي والميداني".

ويرى المعماري خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "تواجد القوات الأمريكية في العراق هو بحجة محاربة داعش، وبالتالي ستبقى الولايات المتحدة تحذر من داعش في سبيل البقاء لأطول فترة في البلاد".

وفي ظل هذه التعقيدات، برزت مخاوف دولية من توسع الحرب في قطاع غزة إلى صراع أوسع بين إسرائيل وإيران، فيما يؤكد العراق سعيه إلى تفادي الانزلاق لحرب أشمل.

ومع هذا التوتر الإقليمي، تصاعدت التهديدات الموجهة إلى منابع الطاقة وطرق نقل منتجاتها في الشرق الأوسط مع هجمات متكررة على أنابيب النفط ومرافق التكرير وناقلات النفط في منطقة البحر الأحمر، وما تلاها من تهديدات لفصائل عراقية بخسارة العالم 12 مليون برميل نفط يومياً إذا اندلعت حرب امتدت إلى منشآت الطاقة ضمن حرب إسرائيل على غزة وتداعياتها.

فبعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في 31 يوليو 2024 بقلب العاصمة الإيرانية، توعدت إيران برد حاسم ضد إسرائيل، كذلك فعل حزب الله اللبناني إثر مقتل القيادي الرفيع في صفوفه فؤاد شكر بغارة في الضاحية الجنوبية لبيروت في 30 يوليو قبل ساعات فقط من مقتل رئيس حماس السابق.

فيما تضافرت الجهود الدولية والإقليمية بغية التهدئة، والدفع نحو إبرام اتفاق بين إسرائيل وحماس يوقف إطلاق النار في غزة ويفضي إلى تبادل الأسرى بين الجانبين، إلا أن تلك المساعي المستمرة حتى اللحظة لم تفض بعد إلى نتائج.

وإلى جانب تلك التحديات، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في 23 أيلول 2024، عن جسر جوي وبري لنقل المساعدات وتسهيل إرسال الوقود إلى لبنان، على خلفية تعرض الأخيرة لغارات إسرائيلية مكثفة.

وعقب تفجيرات أجهزة الاتصالات اللاسلكية "بيجر" و"أكوم" قبل أسبوع في لبنان، وجّه رئيس الوزراء العراقي بإرسال طواقم طبية وفرق طوارئ إلى لبنان "لتقديم المساعدة العاجلة وبالسرعة الممكنة للتخفيف عن آلام المصابين من الأبرياء المدنيين".

ومنذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تتبادل فصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان، أبرزها "حزب الله"، مع الجيش الإسرائيلي قصفاً يومياً أسفر عن مئات بين قتيل وجريح معظمهم بالجانب اللبناني.

وتطالب هذه الفصائل بإنهاء الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ 7 اكتوبر؛ وخلّفت أكثر من 45 ألف قتيل و107 آلاف مصاب، معظمهم أطفال ونساء، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.

وفي 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، قدم العراق شكوى ضد إسرائيل لمجلس الأمن لانتهاكها مجاله الجوي أثناء هجومها على إيران في 26 أكتوبر 2024، وهو يأتي جزء من الصراع الإيراني الإسرائيلي وتبعات عملية "طوفان الأقصى".

وفي حين سعت الحكومة العراقية إلى تجنب الانجرار إلى الصراع الإقليمي المتصاعد، شنت بعض الفصائل العراقية هجمات على القوات الأمريكية في المنطقة، وأعلنت مسؤوليتها عن مهاجمة إسرائيل بطائرات مسيرة.

وعلى إثرها وجهت تل أبيب إلى مجلس الأمن رسالة والتي اتهمت فيها لأول مرة وبشكل مباشر 6 فصائل عراقية مسلحة بشن هجمات على إسرائيل، ليجد العراق نفسه في خضم تصعيد، قد يؤدي إلى فتح جبهة جديدة للحرب في المنطقة.

وبرغم تحذير رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، من مضمون الرسالة الإسرائيلية واعتبارها ذريعة لتبرير عدوان مخطط له ضد بلاده، إلا أنه لم يخف غضبه في نفس الوقت من الفصائل وإصرارها على دفع العراق إلى دائرة التصعيد.

ووسط هذه المخاوف العراقية تقدمت بغداد بطلب لعقد جلسة طارئة لمجلس الجامعة العربية لمواجهة التهديدات الإسرائيلية.

وكان آخر تطور أمني شهده العراق، هو القلق من الحدود السورية وإرساله تعزيزات عسكرية بعد إسقاط نظام بشار الأسد وتولي فصائل مسلحة الحكم في 8 كانون الأول 2024.

فيما لا تزال مواقف القوى السياسية العراقية (الشيعية، السنية، الكوردية) متباينة تجاه ما حدث في سوريا.

الوضع السياسي عام 2024

وفي الشأن السياسي، كان من أبرز الأحداث عام 2024 هي قضية التسريبات الصوتية، فمنذ أكثر من أربعة أشهر، لا يمرّ أسبوعان في العراق إلا ويظهر تسريب صوتي لمسؤول عراقي أو مستشار في الحكومة أو سياسي بارز يكشف فيه عن جانب من تفاصيل الصراع السياسي في البلاد، أو مخالفات وجرائم فساد ورشى.

وكان أول من كشف القضية النائب العراقي مصطفى سند الذي تحدّث في 19 أغسطس/ آب 2024 عن توقيف "شبكة" تشمل جوحي وعددًا من الضباط والموظفين "كانت تمارس عدة أعمال غير نظيفة ومنها التنصت على هواتف عدد من النواب والسياسيين" هو أحدهم.

ويُعتقد أن هذه التسريبات هي عبارة عن جزء من الخزين لدى السلطات القضائية من حصيلة نتائج التحقيقات التي بدأت بها خلال الأشهر الماضية مع رئيس شبكة التنصت "محمد جوحي"، الذي كان يعمل موظفاً في مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وفريق جوحي الذي يعمل في مواقع أخرى.

وبلغ عدد التسريبات التي خرجت للعلن حتى (19 كانون الأول الجاري) أكثر من عشرة تتعلق بسياسيين ومستشارين ومسؤولين بالحكومة، ووجه القضاء العراقي أخيراً بفتح تحقيق مع المتورطين فيها، والذين يواصلون النفي ضمن سردية الذكاء الصناعي، والاستهداف السياسي.

فيما وصف رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني في (5 كانون الأول الحالي) اتهامات لموظفين بمكتبه بالتنصت على سياسيين وشخصيات بارزة بـ"كذبة القرن".

وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي، مجاشع التميمي، إن "قضية التنصت التي ظهرت لم يتم تأكيدها من قبل القضاء العراقي، أما في موضوع التسريبات فإن أغلب من ظهرت تسريبات لهم ينتمون لقوى سياسية وليس هناك دليل على أن ما حصل للسوداني يد فيه ابتداءً من قضية محمد جوحي وعبد الكريم الفيصل وصولاً إلى يزن مشعان الجبوري".

ويرى التميمي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "الإيجابيات الوحيدة التي حصلت في هذا العام، هو أن الضغط السياسي الداخلي قد خف على رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، حيث كان هناك اتفاق غير معلن على إجراء انتخابات مبكرة وإنهاء حكومته".

وأضاف، أن "التطورات التي حصلت في غزة وجنوبي لبنان وسقوط نظام الأسد قد أحدث ضغوطاً على العراق، لذلك فإن القوى السياسية خففت كثيراً على السوداني وبات واضحاً أن موقفه أصبح أقوى مما كان عليه بداية عام 2024".

كما شهد عام 2024 زيارة الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان إلى العراق في 11 سبتمبر/ أيلول 2024، في أول زيارة خارجية له بعد تسلّمه مهام منصبه، وجاءت هذه الزيارة في ظل توترات إقليمية متعددة، أبرزها حرب غزة التي القت بظلالها على الأوضاع السياسية في العراق والمنطقة كلها.

كما في 31 أيار 2024، قرر مجلس الأمن الدولي، إنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) أواخر العام 2025، وذلك استجابة لطلب تقدمت به الحكومة العراقية.

وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد طلب رسمياً في 21 آيار/ مايو 2024، في رسالة موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إنهاء ولاية بعثتها لتقديم المساعدة إلى العراق "يونامي" بشكل نهائي اعتباراً من 31 كانون الأول/ ديسمبر 2025، على أن تقتصر جهودها خلال الوقت المتبقي من هذا العام على استكمال أعمالها فقط في ملفات الإصلاح الاقتصادي، وتقديم الخدمات، والتنمية المستدامة، والتغير المناخي، وغيرها من الجوانب التنموية.

وعلى صعيد مجلس النواب العراقي، فقد انتخب المجلس في 31 تشرين الأول 2024 النائب محمود المشهداني رئيساً له بعد نحو عام على إقالة رئيس البرلمان السابق، محمد الحلبوسي بقرار من المحكمة الاتحادية بناءً على دعوى "تزوير".

وكان البرلمان قد فشل في انتخاب رئيس له عدة مرات في ظل الخلافات السياسية والانقسامات داخل البيت السني.

فيما عطلت القوانين الجدلية (تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، وإعادة العقارات إلى أصحابها المشمولة ببعض قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل، والتعديل الثاني لقانون العفو العام) جلسات عديدة لمجلس النواب، ورغم تمديد الفصل التشريعي للبرلمان لمدة شهر وانتخاب رئيس للمجلس، إلا أن تلك القوانين لم تر النور، وتم ترحيلها إلى بداية العام الجديد بسبب استمرار الخلافات السياسية عليها.

وفي 2024، أجرى العراق أول تعداد سكاني شامل منذ 37 عاماً، وأعلنت الحكومة العراقية، أن عدد سكان العراق بلغ أكثر من 45 مليون شخص، وأن معدل النمو السكاني يبلغ 2.3%، وفق ما أظهره التعداد العام للسكان والمساكن، الذي جرى في البلاد يومي 20 و21 نوفمبر.

يقف العراق اليوم على أعتاب 2025 وهي مرحلة جديدة مليئة بالتحديات والفرص، فقد أظهر 2024 مدى تعقيد الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي في البلاد، نتيجة التوترات الإقليمية والدولية التي انعكست بشكل مباشر على الداخل العراقي، ما يضعه أمام اختبار حقيقي في كيفية التعامل مع هذه الأزمات المتشابكة.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon