خلف أبواب مسقط المغلقة.. إيران وأمريكا صوب تسوية نووية بتكتيك "رابح-رابح"

شفق نيوز/ اختتمت العاصمة العُمانية مسقط، السبت، جولة من المباحثات غير المباشرة بين وفدين من إيران والولايات المتحدة بشأن الملف النووي لطهران، وسط جهود دبلوماسية تركز على تخفيف التوتر الإقليمي وإحياء المسار التفاوضي، بحسب ما أفاد به مسؤولون عمانيون وخبراء لوكالة شفق نيوز.
وقاد وفد طهران في المباحثات وزير الخارجية عباس عراقجي، فيما رأس ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، الوفد الأميركي.
وعُقد الإجتماع في غرفتين منفصلتين، بينما تولّى وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي نقل الرسائل المكتوبة بين الجانبين، مشيرًا إلى أنّ الأجواء اتسمت بـ"الودية" والسعي نحو اتفاق "عادل وملزم".
وفي منشور عبر منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، أكد البوسعيدي أنّ بلاده تسعى لتقريب وجهات النظر، فيما قال مصدر دبلوماسي إن أجندة الحوار شملت ثلاثة محاور رئيسة: مناقشة خطوات تهدئة التوتر الإقليمي، وتبادل السجناء بين واشنطن وطهران، فضلاً عن بلورة اتفاقات محدودة لتخفيف العقوبات الأميركية مقابل كبح تقدّم البرنامج النووي الإيراني.
وبهذا الخصوص يقول الكاتب الصحفي رافد جبوري من واشنطن إن "محادثات أميركا وإيران في عمان كانت مباشرة + غير مباشرة لإرضاء الطرفين".
ويضيف أن "الجانب الاميركي أوصل رسالة مباشرة تعرفها إيران جيدا، ولكن اميركا ايضا قدمت أسلوبا لطيفا مثل الأسلوب الإيراني الذي راعى اللباقة. سيعود الوفد الايراني بالرسالة الآن لتستأنف المحادثات السبت المقبل. قد يتسامح ترامب في مدة الشهرين لكن المحادثات لن تطول"، بحسب منشور له على منصة إكس.
"مفاوضات رابح-رابح"
من الجانب الإيراني، شددت طهران على أنّ الجولة تقتصر على القضايا النووية دون التطرق لملفات أخرى، لافتة عبر إعلامها الرسمي إلى رفض أي تهديد خلال التفاوض، مع تمسّكها بما وصفته بـ"مفاوضات رابح-رابح".
وبحسب مصادر إيرانية مطلعة، فإن منهجية التفاوض الحالية تشبه تلك التي قادت إلى اتفاق 2015، أي "بناء الثقة مقابل رفع العقوبات"، وهو ما يعني استعداد طهران لتقييد بعض أنشطتها النووية مقابل تخفيف الضغوط الاقتصادية المفروضة عليها.
وتُعزى استضافة المباحثات في مسقط إلى سجلّ سلطنة عُمان الحافل في الوساطة بين طهران وواشنطن، حيث استضافت الدولة الخليجية الصغيرة لقاءات سرية مهدت لإبرام الاتفاق النووي في 2015.
وأفاد الباحث السياسي العُماني حبيب الهادي، في تصريح لوكالة شفق نيوز، بأنّ بلاده "مقبولة من مختلف الأطراف نظراً لسياستها المتوازنة وعلاقاتها الودية"، مشيرًا إلى أنّ تحقيق اختراق يتطلّب "تنازلات متبادلة" من إيران والولايات المتحدة على حدّ سواء.
في المقابل، رحّبت عواصم أوروبية بحذر بخطوة استئناف التواصل الأميركي-الإيراني، رغم تواتر تقارير تفيد بأن واشنطن لم تطلع حلفاءها الأوروبيين مسبقًا على مباحثات مسقط.
وأكدت دول الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) استعدادها لدعم أي جهد دبلوماسي يحدّ من مخاطر التصعيد، لكنها لوّحت أيضًا باللجوء إلى آليات دولية مثل "سنابّاك" لإعادة فرض عقوبات أممية على طهران إذا تجاوزت حدودها النووية.
مطالب متضاربة
وبحسب الدكتور علي أغوان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل، فإن واشنطن تطلب خفض مستوى تخصيب اليورانيوم من 60% إلى 3.67%، وإيقاف تطوير الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى من طراز “قيام-1” و”سِجّيل” و”خورمشهر”، إضافة إلى السماح بمراقبة دولية للمنشآت النووية الإيرانية. كما تحضّ الولايات المتحدة على إطلاق سراح محتجزين أميركيين لدى إيران ووقف دعم الجماعات المسلحة إقليميًا.
في المقابل، لفت أغوان خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أنّ طهران قدمت حزمة مطالب مضادة تتضمن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على قطاعات النفط والبنوك والتجارة، وضمانات قانونية تحول دون انسحاب واشنطن مستقبلاً من أي اتفاق، فضلًا عن وقف تزويد إسرائيل بأسلحة يمكن استخدامها ضد إيران، وإنهاء الهجمات السيبرانية على منشآتها الحيوية.
ويذهب الجو العام إلى أن جولة مسقط تمثل محاولة جديدة لإعادة الزخم الدبلوماسي بعد شهور من الجمود. ويرجّح خبراء أنّ أي اتفاق محتمل قد يكون مرحليًا، مع قابلية للتطوير لاحقًا إذا نجحت وساطة عُمان في تجاوز الخلافات الأساسية. لكنّهم يحذرون في الوقت ذاته من أنّ تحقيق تسوية مستدامة يظل مرهونًا بتنازلات صعبة وتوافقات سياسية معقدة بين الطرفين.
ويشير المحلل السياسي والأكاديمي فراس إلياس، في تصريح لوكالة شفق نيوز، إلى أنّ هذه الجولة أظهرت "تبايناً جوهرياً في التكتيك التفاوضي" بين الطرفين، حيث تدفع واشنطن نحو اتفاق شامل وسريع، بينما ترغب طهران في إطار تدريجي يركّز على الملف النووي فحسب. وقال إلياس إنّ إيران قد تستفيد من رغبة الإدارة الأميركية في تحقيق إنجاز دبلوماسي عاجل، عبر التحرك بخطوات تفاوضية معقدة تشترط تنازلات أميركية أوسع.
فيما يرى الباحث الإيراني الدكتور سعيد شاوردي، أنّ الطرفين اتفقا على مواصلة النقاشات الأسبوع المقبل في مسقط، ربما مع إضافة تفاصيل تتعلق بتخفيف العقوبات وضمان الطابع السلمي للبرنامج النووي.
وذكر شاوردي لوكالة شفق نيوز، أن "أجواء التفاؤل الحذر" هي السمة الرئيسة للمفاوضات حالياً، وسط اعتراف مشترك بأنّ المسار قد يتطلب مزيدًا من الوقت.
وتأتي المحادثات بين الجانبين اللذين لا تربطهما علاقات دبلوماسية منذ عقود، عقب تهديدات متكررة بشن عمل عسكري من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل على الجمهورية الإسلامية.
ومنذ عودة ترامب إلى السلطة في كانون الثاني/يناير، أجرى الأمريكيون محادثات لوقف إطلاق النار في غزة وأوكرانيا في قطر والسعودية تواليا، من دون تحقيق تقدم كبير حتى الآن.
لكن رغم ذلك، تأتي المباحثات في ظل متغيرات في الشرق الأوسط، بعد ما أضعفت حربان خاضتهما إسرائيل في قطاع غزة ولبنان حليفين رئيسيين لطهران هما حركة حماس وحزب الله، بينما يتعرض الحوثيون المدعومون منها لضربات أميركية. وتعاني إيران كذلك عقوبات مفروضة عليها منذ سنوات طويلة.
من ناحيتها، تريد واشنطن منع إيران من الاقتراب من تطوير قنبلة نووية من خلال إجبارها على إنهاء برنامجها النووي، فيما تؤكد طهران أن البرنامج مخصص للأغراض المدنية فقط.
وبعد انسحاب واشنطن الأحادي من الاتفاق المبرم في 2015، تراجعت إيران عن التزاماتها تدريجا. ومطلع كانون الأول/ديسمبر، أعلنت طهران أنها بدأت تغذية أجهزة طرد مركزي جديدة في موقع فوردو "ما من شأنه على المدى الطويل إحداث زيادة كبيرة في معدل إنتاج اليورانيوم المخصب عند مستوى 60%"، وفق الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وببلوغها عتبة تخصيب عند مستوى 60%، تقترب إيران من نسبة 90% اللازمة لصنع سلاح نووي.