تقرير يطرح بدائل للانسحاب الأمريكي من العراق
شفق نيوز/ قال معهد "كوينزي" الأمريكي أن الولايات المتحدة بإمكانها، في حال انسحاب قواتها من العراق، حماية مصالحها هناك بشكل كافٍ، وغالباً بكلفة أقل ونتائج أفضل، معتبراً أن الانسحاب سيسمح لواشنطن باستكشاف بدائل أكثر استدامة وتعزيز انخراطها بشكل أكبر مع المجتمع العراقي.
وأشار التقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، إلى أنه بعدما كان انسحاب القوات الأمريكية في العام 2011 بمثابة انتصار لإدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، فأنه تحول إلى قصة تحذيرية بعدما تسبب ظهور تنظيم داعش في إجبار القوات الأمريكية على العودة في العام 2014.
أمريكا وداعش
وتابع التقرير أن هذا هو أحد أسباب استمرار بقاء القوات الأمريكية في العراق، بالرغم من النجاح في تفكيك داعش بحلول نهاية العام 2018، مضيفاً أنه مع استمرار تقهقر داعش منذ ذلك الوقت، فأنه لم تعد هناك فوائد للإبقاء على القوات الأمريكية هناك ولو كحلّ مؤقت لمنع عودة ظهور داعش، حيث طغى على ذلك خطر أن يكونوا عرضة للعبة الانتقامية المتمثلة في تبادل الاشتباك بهدف حفظ ماء الوجه، بينهم وبين الميليشيات المتحالفة مع إيران.
واعتبر التقرير أنه ليس بمقدور واشنطن أن تحصل في العراق على كل شيء، إلا أنه من خلال لمسات من الإبداع والتوقعات الواقعية، فأنه ما يزال بمقدورها أن تحمي مصالحها بشكل كافٍ بعد انسحاب القوات الأمريكية، وبتكلفة أقل ونتائج أفضل بشكل مرجح.
وذكرّ التقرير بأن الولايات المتحدة تعتبر عنصر الدعم الأهم لقوات الأمن العراقية والمانح الأكبر للمساعدات الإنسانية للعراق، مذكراً أيضاً بأن واشنطن منذ العام 2014، قدمت ما مجموعه 3.5 مليار دولار من المساعدات الإنسانية للعراق، مشيراً إلى أن هذه المساعدات تطال ما هو أبعد من المصالح الذاتية، وتساهم في تحسين حياة العراقيين بشكل ملموس، بما في ذلك إعادة تأهيل تسع محطات لمعالجة المياه في البصرة، التي تعتبر بمثابة معقل الميليشيات المتحالفة مع إيران، بالإضافة إلى تأمين المياه النظيفة لـ640 ألف شخص، وتقديم مساعدات نقدية للنازحين في أربيل.
انتهاكات السيادة العراقية
وإلى جانب ذلك، قال التقرير إن الولايات المتحدة استثمرت عشرات الملايين من الدولارات في مشاريع أخرى أيضاً، من صيانة سد الموصل إلى حماية المواقع التاريخية والثقافية، وتمويل التعليم العالي.
وذكر التقرير أن مثل هذه الاستثمارات في دول أخرى كان يمكن أن يُكسب واشنطن الكثير من الاحترام، إلا أن الوضع ليس كذلك في العراق، حيث ارتدى وزير الخارجية إنطوني بلينكن سترة واقية أثناء زيارته لبغداد في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، مشيراً إلى أن هذا التصرف هدفه تأمين الحماية من شريحة محددة من المجتمع العراقي، وهي بعض الميليشيات المتحالفة مع إيران.
ولفت إلى أن السبب بدرجة كبيرة هو اختيار إدارة الرئيس دونالد ترامب اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، الذي كان برفقة أبو مهدي المهندس، خارج مطار بغداد العام 2020.
وبعدما لفت التقرير إلى قضايا أخرى من بينها الاستياء المتواصل منذ السنوات الأولى للاحتلال الأمريكي، والذي لا يتذكره جيل الشباب، والانتهاكات الحقيقية والمتصورة للسيادة العراقية من خلال الغارات الأمريكية، قال التقري الأمريكي إن هناك فجوة كبيرة بين توقعات المواطنين العراقيين العاديين فيما يتعلق بالتزام واشنطن تجاه بلدهم وبين المستوى الفعلي للاستثمارات الأمريكية.
وأشار إلى أن هذا الوضع أثار في بعض الأحيان، موقفاً عدائياً تجاه الولايات المتحدة، على الرغم من المساعدات الكبيرة.
وبحسب التقرير فإنه مما يزيد من تعقيد هذه الديناميكية، هو الوجود المستمر للقوات الأمريكية في العراق، موضحاً أنه في حين يرغب بعض العراقيين بالفعل في انسحاب القوات الأمريكية، فإن هذا الترتيب يخدم الحكومة العراقية وبعض الميليشيات المتحالفة مع إيران.
وتابع أن وجود القوات الأمريكية يساهم في احتواء داعش، ويضمن استمرار المساعدات الأمريكية للعراق، ويزود الميليشيات المتحالفة مع إيران بخصم جديد هو الولايات المتحدة بدلاً من داعش، وهو ما يخدم مصالحها الذاتية، في حين أنهم يحققون الثراء لأنفسهم من خلال صفقات الأعمال الفاسدة.
الاقتصاد العراقي
واعتبر التقرير أن السبب الآخر الذي يجعل العراق يبدو على استعداد لاستيعاب القوات الأمريكية، هو التأثير الذي يمارسه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على الاقتصاد العراقي، مضيفاً أن هناك أيضاً مخاوف واسعة من أنه في حال قام العراق بطرد القوات الأمريكية، فإن واشنطن قد تتوقف عن السماح بالمعاملات بالدولار، وبالتالي عزل الاقتصاد العراقي.
وتابع التقرير أنه برغم أن الحكومة العراقية تعرب دائماً عن مخاوفها إزاء الغارات الأمريكية التي تنتهك السيادة العراقية، إلا أنها لم تصل إلى حد طرد القوات الأمريكية.
وأضاف التقرير أنه مع كل هجوم يقع ضد القوات الأمريكية من جانب الميليشيات المتحالفة مع إيران والضربات الانتقامية التي تليها، فإن المهمة العسكرية الأمريكية في العراق تواجه تحديات متأثرة بالسياسة الداخلية العراقية والأمريكية، إلى جانب احتمال سقوط خسائر بين الأمريكيين.
ورأى التقرير أن السؤال الأكثر أهمية بالنسبة لصناع السياسة الأمريكيين يتعلق بكيفة تحقيق هذا الترتيب مصالح الولايات المتحدة، مضيفاً أن واشنطن تفتقر إلى العدد الكافي من الجنود أو القدرة أو الإرادة السياسية أو حتى "الحماقة الواضحة" لمحاولة إنزال الهزيمة بالميليشيات المتحالفة مع إيران، مشيراً إلى أن الضربات الانتقامية لا تؤدي سوى إلى ردعها بشكل مؤقت.
وأضاف التقرير أن واشنطن في وضع ضعيف لا يتيح لها الفهم الكامل، ناهيك عن التأثير على سياسات العراق المعقدة ولا الصفقات بين النخب العراقية، ولهذا، يقول التقرير إن الوقت قد حان لكي يتم وضع تصور لوسائل حماية المصالح الأمريكية في العراق من دون نشر الجنود لفترة طويلة.
الحقائق الصعبة
ورأى التقرير أن الخطوة الأولى تتمثل بضررورة الاعتراف ببعض الحقائق الصعبة، من بينها أن العراق سيبقى دائماً يشكل مصلحة حيوية لإيران أكثر مما هو بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
وتابع قائلاً إن معظم أصحاب المصلحة الشيعة، من مختلف الطيف السياسي العراقي، يفضلون أن يكونوا مستقلين عن الضغوط التي تمارسها واشنطن أو طهران، إذ إنهم يعتبرون أنفسهم، في نهاية الأمر، عراقيون، وفي حال كانوا مضطرين إلى الاختيار، فأنهم سيربطون عرباتهم بإيران بدلاً من الولايات المتحدة.
وأردف قائلاً إن "العراق سيظل دائماً على حدود إيران، وفي المستقبل القريب، سوف يعتمد على إيران لتلبية احتياجاته من الطاقة".
وبالإضافة إلى ذلك، قال التقرير إن وجود الميليشيات المتحالفة مع إيران في العراق هو حقيقة مستمرة، ويتحتم أن يكون الهدف الأساسي للولايات المتحدة في العراق هو وجود عراق مستقر سياسياً، وتجنب العنف الطائفي الكبير وإلحاق الخسارة بجماعات مثل داعش.
ونقل التقرير عن الباحث الأمريكي ديفيد شينكر قوله إن هذا الهدف الأخير يمكن تحقيقه من خلال إبقاء وجود أمريكي متواضع في إقليم كوردستان للمساعدة في جهود مكافحة الإرهاب.
ولفت التقرير إلى أن المسألة التي يخطئ فيه مؤيدو الانسحاب ومنتقدوه في كثير من الأحيان هو أنهم ينظرون إلى العراق باعتباره خصماً، ولكنه أضاف أنه "لا يجب أن يكون الأمر كذلك في حال تم تطبيع العلاقات".
التنمية الاقتصادية والفساد
وذكرّ التقرير بأن استطلاعات الرأي تشير إلى أن التنمية الاقتصادية والفساد يشكلان مصدر القلق بالنسبة إلى المواطن العراقي العادي، أكثر من مسألة الأمن، مضيفاً أن عدداً كبيراً من العراقيين يرغبون في اتخاذ موقف أمريكي أكثر حزماً ضد الفساد، وزيادة الانخراط في مبادرات التنمية، وانتقاد أكبر صراحة لأوجه القصور في نظامهم السياسي، ولهذا، فإنه يجب على واشنطن أن تستفيد من نقاط قوتها، من خلال إقامة أطر قوية لمكافحة تبييض الأموال، وتنفيذ المشاريع التقنية، وتعزيز البنية التحتية والتنمية البشرية.
ورأى التقرير أنه يتحتم على واشنطن أن تظل قادرة على التركيز على المجالات التي تكون فيها المساعدة الأمريكية مطلوبة بالفعل بعد انسحابها وربما مع مخاطر أقل.
تحركات السفيرة الأمريكية
وأشار التقرير إلى أن السفيرة الأمريكية ألينا رومانوفسكي تنخرط في المجتمع العراقي قدر ما يمكنها، مع الأخذ بالاعتبار القيود التي تواجهها، مضيفاً أن السفيرة قامت في آذار/ مارس من العام الماضي، بزيارة الموصل للمرة الأولى، وهي مدينة ساهمت الولايات المتحدة بتحريرها وتقوم فيها عملية إعادة إعمار كبيرة بدعم من الولايات المتحدة.
لكن التقرير لفت إلى أن مثل هذه الزيارة أصبحت "مستحيلة" منذ فترة طويلة بسبب القيود الأمنية.
وتابع أن حرية تحرك السفيرة الأمريكية محدودة مقارنة بنظرائها الأوروبيين، وهي تواجه عقبات في عقد لقاءات مع شخصيات سياسية وعسكرية معينة لأسباب مختلفة، من بينها أن بعضهم مصنف تحت العقوبات الأمريكية.
الانسحاب الأمريكي
ولهذا، يقول التقرير إن سحب القوات الأمريكية قد يجعل من الممكن سياسياً للدبلوماسيين الأمريكيين التعامل مع العراق كما هو.
وبعدما لفت التقرير إلى أن الوجود المحدود للقوات الأمريكية ليس مرئياً لمعظم العراقيين، قال إنه بعد كل موجة تستهدف إنهاء وجود القوات الأمريكية، فإنه لم يتم اتخاذ أي إجراء على الإطلاق، وهو ما وصفه بأنه ليس صدفة.
وأوضح التقرير أن العراقيين الذين يدركون "هشاشة مشروع بناء دولتهم"، ليسوا متحمسين لتجربة مشهد خالٍ من القوات الأمريكية، مضيفاً أن العديد من العراقيين من خارج الميليشيات المتحالفة مع إيران، يرون أن الوجود العسكري الأمريكي هو بمثابة ثقل موازن للنفوذ الإيراني، مشيراً إلى أن البعض يخشى أيضاً أنه في حال غادرت القوات الأمريكية، فإن الفوائد التي يجنونها من خلال الإدارة الأمريكية بالنسبة لنظامهم النقدي، سوف تنتهي أيضاً.
ورأى التقرير أن المشكلة لا تتعلق بالوجود العسكري الأمريكي بحد ذاته، وأنما بما أسماه "عقلية الحصن" للوجود المدني الأمريكي الرسمي، والذي يفرض تكلفة باهظة على استدامة الدبلوماسية في جميع أنحاء العالم، مشيراً إلى أن تكلفة عمليات السفارة الأمريكية في بغداد تبلغ نحو مليار دولار سنوياً.
وأوضح أنه لو كانت هذه مسؤولية وزارة الدفاع، لكان هذا الرقم لا يثير المبالاة، إلا أنه بالمقارنة، فإن ميزانية وزارة الخارجية ضئيلة جداً، وهو ما يشكل مثالاً حياً على أولويات الولايات المتحدة.
وختم التقرير بالقول إن بمقدور الولايات المتحدة الانسحاب عسكرياً من العراق، مع الاستمرار في تسهيل مهمات التدريب المؤقتة، إلا أن الأكثر أهمية من ذلك أنه يتحتم على الولايات المتحدة الانخراط بدرجة كبيرة مع المجتمع العراقي وأن تتخلى عن "عقلية الحصن" التي عرقلت الدبلوماسية الأمريكية في العراق.
ترجمة وكالة شفق نيوز