تقرير أميركي: "امتحان كبير" بين بغداد واربيل و"لهيبان" تذيب الجليد بوساطة واشنطن
شفق نيوز/ ذكرت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية؛ أنه على الرغم من النزاع الطويل المدى على الأراضي بين حكومتي بغداد واربيل، فإن الطرفين يتخذان خطوات للعمل معا لمنع تنظيم داعش من احياء نفسه.
مثال نادر
ولفتت الوكالة الأمريكية في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز؛ ان المشهد في قرية لهيبان الشمالية في وقت سابق من الشهر الحالي، شكل مثالا نادرا على التعاون بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان، حيث كانت قواتهما تعزز موقعا عسكريا مشتركا يستهدف الدفاع عن القرية من هجمات داعش.
ومن داخل حفرة في خندق كان جنود عراقيون يقومون بمسح المساحات الزراعية الشاسعة بحثا عن المسلحين في مكان، فيما كان مقاتلو البيشمركة يقومون بالشيء نفسه في مكان لا يبعد كثيرا عنهم.
وأوضح تقرير الوكالة أن الامتحان الكبير يتعلق بما إذا كانت هذه "الشراكة الآمنة الهشة" ستظل متماسكة في المرحلة المقبلة من الحرب مع داعش، فيما يقول الطرفان انهما بحاجة الى الامريكيين للمساعدة في إبقاء هذه الشراكة قائمة، وان هذا احد الاسباب التي تجعل من الوجود العسكري الامريكي في العراق مستمرا حتى لو أن المهمة القتالية ستنتهي رسميا في 31 كانون الأول الحالي.
وبرغم ان العراق اعلن هزيمة داعش قبل اربعة أعوام، لكن الخصومة بين بغداد والكورد فتحت ثغرات أتاحت لداعش التسلل منها، خاصة من المناطق المتنازع عليها في اربعة محافظات، نينوى، كركوك، صلاح الدين وديالى، وهي ثغرات غابت عنها قوات الطرفين، علما بانها في بعض المناطق فان ثغرات محددة كان عرضها يمتد لمسافة 40 كيلومترا.
وتقع قرية لهيبان في احدة تلك الثغرات الامنية، وهي تعرضت مؤخرا لتهديد من داعش بالدخول إليها، ما أجبر سكانها على الهروب، وغالبيتهم من الكورد. واشارت الوكالة الى انه للمرة الاولى حتى الان منذ العام 2014، فإن قوة عراقية ومن البيشمركة، راحت تقيم مراكز تنسيق مشتركة حول المنطقة لتعزيز قدرتها على مراقبة الثغرات.
سكان خائفون
ونقل التقرير عن الضابط في قوات البيشمركة نقيب حجر، المسؤول عن القوة الكوردية في المنطقة، قوله إن "داعش استغل الفرصة. نحن ننسق. يبدأ الأمر هنا في القرية".
وعلى غرار كل سكان لهيبان، فإن حلمت زهير، العامل في مصنع للاسمنت، كان يمضي الليالي خلال الشهور الماضية، على سطح منزله حاملا بندقيته وينتظر، فيما تنام زوجته وأولاده داخل المنزل.
واشار التقرير الى ان افراد الامن المسلحين في موقع لشركة نفطية مجاورة، وهم الوحيدون الذين يمتلكون اجهزة استشعار ليلية، ارسلوا اشارات تنبيه عندما رصدوا مسلحي داعش يشقون طريقهم من سلسلة جبال قره جوغ نحو قرية لهيبان، وكان الأمر منوطا بزهير وغيره من السكان المسلحين، للتصدي لهم.
وقال زهير "تم التخلي عنا، فالبيشمركة كانت على جانب، والجيش العراقي على الجانب الآخر، ولم يتدخل أي منهم".
وبعد هجمات لداعش على القرية، ثلاثة منها وقعت في الأسبوع الأول من شهر كانون الاول/ ديسمبر الحالي وحده، فإن العديد من عائلات القرية، اضطروا الى المغادرة. ونقل زهير عائلته على قرية ديباجة، الواقعة داخل المنطقة الكوردية الآمنة نسبيا. وبينما كان عدد عائلات لهيبان يبلغ 65 عائلة، فان الباقين الآن هو 12 عائلة، بحسب مختار القرية يادغار كريم.
وفي 7 كانون الأول/ديسمبر، دخلت القوات العراقية والكوردية الى القرية بخطط لاستنساخ التنسيق في أماكن أخرى في المناطق المتنازع عليها. ويأمل المسؤولون الكورد أن يشجع ذلك القرويين على العودة. واشار التقرير ان "المحافظة على سكان كورد في المنطقة مهم لمطالبهم حول الأراضي".
لكن زهير ليس مقتنعا، ونقل التقرير عنه قوله "جئت لتفقد الوضع فقط، انا خائف جدا من العودة".
قلق الدخول الخاطئ
ونقل التقرير عن الضابط الكوردي نهار جوهر قوله ان البيشمركة انتشرت على طول الطريق المحاذي لجبال قره جوغ، لكنهم لا يملكون الاوامر لمهاجمة مواقع داعش او لتنفيذ غارات على مواقع التنظيم بسبب القلق من احتمال دخول البيشمركة مناطق متنازع عليها.
وبالاضافة الى ذلك، فان مسلحي داعش يتحركون ليلا، ويستخدمون الانفاق ويحتمون في الكهوف، بينما تفتقر قوة البيشمركة للمعدات الرئيسية الضرورية بما في ذلك أجهزة الرؤية الليلية. وقال جوهر "لهذا يتمكن مسلحو داعش من ترهيب السكان، لانه لا يمكننا رؤيتهم".
واشار التقرير الى ان المحادثات من اجل انشاء مراكز تنسيق مشتركة بين الجيش العراقي والبيشمركة، بدأت قبل أكثر من عامين، لكنها تعثرت بسبب انعدام الثقة والخلافات حول كيفية تحديد خطوط ومعايير السيطرة.
وتم إعادة إحياء المحادثات بين الطرفين خلال عهد رئيس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي، وهو ما فتح الباب أمام اتفاقية لإقامة ستة مراكز تنسيق مشتركة في بغداد واربيل وعبر المناطق المتنازع عليها. كما وافق الكاظمي على إنشاء كتيبتين لتنفيذ عمليات ضد داعش، لكن هذه الخطوة ما زالت بانتظار الموافقة على تمويلها من وزارة المالية العراقية، بحسب القيادي في البيشمركة حجار اسماعيل، المسؤول عن العلاقات في هيئة التنسيق المشتركة.
وكانت القوات العراقية والكوردية نفذت بين عامي 2009 و2014، عمليات امنية مشتركة في محافظات نينوى وكركوك وديالى، إلا أن انهيار الجيش العراقي خلال هجوم داعش في العام 2014، انهى هذا الترتيب القائم بينهما.
علاقات متوترة
واشار التقرير الى ان "السلطات الكوردية عززت سيطرتها على كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها، وشغلت حقول النفط وهو ما أثار استياء الحكومة الاتحادية، لكن بعد انتصار العراق على داعش العام 2017، وجهت بغداد اهتمامها الى هذه المناطق، وشنت عملية عسكرية في تشرين الاول/اكتوبر العام 2017 لإعادة السيطرة عليها".
وتابع أن "العلاقات توترت مع قيام بغداد بقطع مخصصات الميزانية للإقليم، مما جعلها غير قادرة على تسديد رواتب الموظفين في القطاع العام والديون لشركات النفط".
واشار التقرير الى ان "قوات الحشد الشعبي، المؤلفة من ميليشيات شيعية مقربة من إيران، أبدت معارضتها قيام دوريات مشتركة مع البيشمركة، مضيفا ان قوات الحشد تتمتع بحضور قوي في العديد من المناطق المتنازع عليها".
ولفت التقرير إلى أن "الحشد الشعبي كان حتى الآن، هادئا بشكل مدهش إزاء الترتيب المشترك الجديد، فيما واجه الحشد خسارة مدمرة في الانتخابات" الأخيرة.
إلا أن الباحث في معهد الدراسات الاقليمية والدولية في السليمانية زمكان علي يرى وفقا للتقرير؛ أن الحشد "في مرحلة ما سيتحدثون ضد" التنسيق المشترك مع الكورد.
وساطة أميركية
وختم التقرير بالإشارة إلى أن الدرب نحو تنسيق أكبر بين بغداد واربيل كان كثيرا ما يتضمن وجود الولايات المتحدة، مضيفا أن مسؤولين عراقيين وكورد يقولون إن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، قام بوساطة وقدم الدعم وهما عاملان أساسيان في جلب الأطراف إلى طاولة التفاوض.
ونقل التقرير عن جوهر، ضابط البيشمركة المتمركزة في قره جوغ، أن الأمريكيين "لعبوا دورا مهما بالتنسيق معنا ومع الطرف العراقي، ومن دونهم لما كنا نتحدث، وهم لن يأتوا الى هنا، ونحن لن نذهب إلى هناك".
واشار التقرير الى ان الطرفين العراقي والكوردي يقولان انهما ما زالا بحاجة الى قيام الأمريكيين بهذا الدور، مضيفا ان القوات الامريكية اوقفت بهدوء مشاركتها المباشرة في القتال ضد داعش منذ شهور، وهي منذ ذلك الوقت تقدم الاستشارة وتنفذ مهمات تدريبية للقوات، وهي أدوار ستظل مستمرة مع انتهاء المهمة القتالية رسميا في 31 كانون الأول/ديسمبر 2021.
وختم التقرير بالاشارة الى ان الوجود الاميركي مهم ايضا لاسباب اخرى، من بينها ان الاميركيين يدفعون رواتب العديد من مقاتلي البيشمركة في ظل الخلافات المستمرة مع بغداد حول الميزانية، إذ يقدر التمويل الأمريكي بحوالي 240 مليون دولار ويدفع من أجل رواتب جوالى 45 ألف شخص من البيشمركة ، بحسب ما يشير القيادي في البيشمركة حجار اسماعيل، وهو يقول "لحسن الحظ، سيستمر هذا (التمويل) في العام 2022".
ترجمة: وكالة شفق نيوز