تقرير أمريكي يقترح الاستعانة بموقف للسيستاني لوقف حرب غزة
شفق نيوز/ استعاد موقع "سالون" الأمريكي حادثة عراقية حصلت في النجف عام 2004، وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر طرفاً فيها خلال المواجهات المسلحة مع القوات الأمريكية والعراقية، وتدخل فيها المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني من أجل احتوائها، ليخلص إلى أهمية الموقف الذي يمكن أن تلعبه الزعامات الدينية من مختلف الأديان لتحقيق السلام في العالم، وفي حرب غزة الجارية حالياً.
وحول الحرب التي اندلعت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بين إسرائيل وحركة حماس، قال التقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، إن الرأي العام العالمي منقسم بين من ينظر إلى هجوم حماس باعتباره "عملاً إرهابياً غير مبرر"، وبين الذين يرون أن هجوم حماس هم بمثابة رد طبيعي على عقود من سوء معاملة إسرائيل للفلسطينيين، في حين أن الفظائع ارتكبت من جانب كل الأطراف وبحقهم جميعاً.
العنف الإقليمي
وتابع التقرير أن بالإمكان النظر إلى هذا الصراع باعتبار أنه حلقة أخرى في دورة العنف الإقليمية القائمة منذ عقود، في حين أن هدف إسرائيل المعلن في الصراع الحالي يتلخص في محو حماس من على وجه الأرض، وهي على الأرجح ليست مهمة قابلة للتحقيق، بينما يدعو قادة حماس إلى محو إسرائيل من الوجود.
وبعدما لفت التقرير إلى أنه لا وجود لقاسم مشترك واضح بين موقفي الطرفين، وبالتالي فإن أي حديث عن حل الدولتين عن طريق التفاوض لا يبدو واقعياً بتاتاً، مضيفاً أن الكاتب آدم شاتز قال في مجلة "لندن ريفيو أوف بوكس" إن "الحقيقة التي لا مفر منها هي أن إسرائيل لا تستطيع القضاء على المقاومة الفلسطينية بالعنف، مثلما لا يستطيع الفلسطينيون الفوز في حرب تحرير على الطريقة الجزائرية".
ودعا التقرير إلى التفكير بشيء جديد تماماً بين العرب واليهود من خلال عمل سلام استثنائي، مذكراً بما جرى في العراق خصوصاً في معركة محددة، معتبراً أنها تظهر كيفية تسوية مخاطر كبيرة من خلال وسائل سلمية إبداعية.
"جيش المهدي"
وأوضح أنه في 5 آب/ أغسطس عام 2004، وبعد شهور من الاشتباكات مع القوات العراقية والقوات التي تقودها الولايات المتحدة، شنت الميليشيا التي يقودها مقتدى الصدر هجوماً في الساعة الثانية فجراً على مركز للشرطة في مدينة النجف المقدسة، مما أدى إلى اندلاع معركة من أجل السيطرة على المدينة.
وأشار التقرير إلى أن مقتدى الصدر، ابن آية الله العظمى محمد صادق الصدر (الذي اغتيل في ظل حكم صدام حسين)، خاض معارك باستخدام ميليشياته التي تسمى "جيش المهدي" في محاولة لطرد القوات الأمريكية وتقويض الحكومة العراقية المؤقتة.
وأضاف التقرير أنه بعد الهجوم على مركز الشرطة، جرى استدعاء تعزيزات حيث جاءت كتيبتان من الجيش الأمريكي وأربع كتائب من الجيش العراقي لمساندة الوحدة 11 في مشاة "المارينز" التي كانت موجودة بالفعل في النجف.
وتابع التقرير أن الاشتباكات تركزت أساساً داخل وحول مقبرة وادي السلام التي تعتبر أحد أكبر المقابر في العالم والواقعة بشكل خطير بالقرب من ضريح الامام علي، المقدس عند المسلمين الشيعة خصوصاً.
واستعاد التقرير معلومات من قسيس مسيحي كان يخدم كجندي ضمن القوات الأمريكية التي قاتلت في النجف حيث أشار إلى أن ظروف المعركة كانت بمثابة "كوابيس"، وكيف كان عناصر "جيش المهدي" يخرجون من مقابر بحجم منازل صغيرة، بينما يتبادلون إطلاق النار مع الجنود الأمريكيين والمارينز الذين يحاولون تجنب الأفخاخ المتفجرة والمزروعة بين القبور، كما تناول تجاربه بالصلاة مع الجنود وكيف كان يمسك بيد أحد الجنود وهو يحتضر ويصلي من أجله قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
وبحسب التقرير، فإن المخاطر كانت عالية بشكل استثنائي لكلا الطرفين، إذ أنه بالنسبة إلى الصدر، كان الانتصار على القوات التي تقودها الولايات المتحدة من شأنه أن يعزز صورته القوية ومن نفوذه السياسي، بينما في المقابل، كان النصر بالنسبة إلى الولايات المتحدة والحكومة العراقية وقتها، يعني التخلص من التهديد الذي يشكله الصدر وميليشياته وإظهار أن الحكومة المؤقتة، المدعومة بالنيران الأمريكية، بإمكانها الحفاظ على السلام والأمن في عراق ما بعد صدام حسين.
وأشار إلى أن الصدر وأتباعه كانوا أقاموا مركزاً لهم في في ضريح الإمام علي، وهو ما خلق مشكلة خطيرة بالنسبة للحكومة والقوات الأمريكية، موضحاً أن القضاء على الصدر كان سيتطلب، حتى في أفضل الاحتمالات الممكنة، اقتحام الضريح، وهي خطوة في حد ذاتها تشكل فعلاً من أعمال تدنيس المقدسات، بينما في أسوأ الأحوال قد يقود ذلك إلى إلحاق أضرار جسيمة بالمرقد وتعريض المدنيين في المدينة للخطر.
دور السيستاني
وتابع أنه مع حلول 26 آب/ أغسطس، كانت القوات الأمريكية والعراقية قد تقدمت إلى مسافة تبعد 100 متر عن مرقد الإمام علي، لكن الجنود العراقيين هم المخولين وحدهم بدخول المرقد، وكانوا يستعدون من أجل شن هجوم نهائي لإخراج الصدر وقواته المكونة من 500 مقاتل من معقلهم.
وبحسب التقرير أيضاً، فأنه قبل بدء الهجوم الأخير على المرقد، حصل تطور لم يكن متوقعاً، حيث دخل السيد علي السيستاني الذي وصفه التقرير بأنه الزعيم الروحي والموحد للمسلمين الشيعة في العراق والشيعة في أنحاء الشرق الأوسط كافة، إلى المشهد وقام بتسوية الصراع بسرعة.
ولفت التقرير أن السيستاني كان عاد إلى العراق بعد تلقي العلاج في إنكلترا لمرض في القلب، ووصل إلى النجف عبر موكب وباشر العمل فوراً.
ونقل التقرير عن كتاب "نهاية اللعبة" الذي يتناول حرب العراق، قوله إن السيستاني "قاد مسيرة تحت تغطية إعلامية واسعة النطاق من البصرة نحو النجف، حيث وصل إلى النجف في قافلة من ثلاثين سيارة، بينما كان العديد من أنصاره خلفه.
وأضاف أن السيستاني استفاد من نفوذه الديني والسياسي، ونجح في التفاوض للتوصل إلى هدنة تنص على سحب القوات الأمريكية من المسجد، كما أتاحت للصدر وقواته المتبقية بإلقاء أسلحتهم والانسحاب من المدينة، وبالتالي تأمين سلامة المرقد والمدنيين في النجف.
المبادرات الكبرى
ووصف التقرير تحرك السيستاني هذا بأنه "مفاجئ وفعّال"، لكنه أشار إلى أن هذا النوع من المبادرات الكبرى ليس شيئاً فريداً في التاريخ حيث أن هناك الكثير من الأمثلة للأعمال اللاعنفية والمقاومة والتي غيرت مسار الأحداث الإنسانية.
وعلى سبيل المثال، تناول التقرير المسيرة السلمية الكبرى في عام 1965، بقيادة جون لويس ومارتن لوثر كينغ جونيور احتجاجاً على عدم حصول الأمريكيين من أصل أفريقي على حقوق التصويت في الجنوب.
كما تناول "تظاهرة الملح" التي قام بها المهاتما غاندي في العام 1930 للاحتجاج على الضرائب البريطانية على الملح، والتي أثرت على أفقر المجتمعات في الهند.
وتناول أيضاً مشهد التعبير القوي عن التكفير عن الذنوب الذي قام به المستشار الألماني فيلي براندت عندما ركع أمام النصب التذكاري للغيتو في وارسو في العام 1970، وهو يصلي من أجل المغفرة عن الفظائع التي ارتكبتها ألمانيا النازية ضد اليهود الأوروبيين.
وبعدما تساءل التقرير عمن يمتلك حالياً القيادة السياسية والأخلاقية لحمل راية السلام والمصالحة، أشار إلى أنهم الزعماء الدينيون، مثل السيستاني، الذي يمثل المذهب الشيعي، والشيخ أحمد الطيب، الذي يمثل جزءاً من الإسلام السني، والحاخام الأكبر للسفارديم يتسحاق يوسف، والحاخام الأشكنازي الأكبر ديفيد لاو، اللذين يمثلان اليهودية، بالإضافة إلى البابا فرانسيس، الذي يمثل أكبر طائفة مسيحية في العالم.
وبين أنه بإمكان هؤلاء الزعماء أن يوجهوا رسالة قوية إلى أتباعهم الذين يبلغ عددهم 3.17 مليار نسمة، أي ما يقرب من 40% من سكان العالم.
وختم التقرير بالقول إن جمع الزعماء الدينيين الآخرين الذين طالما دافعوا عن السلام، مثل الدالاي لاما، من شأنه أن يظهر الطبيعة العالمية لإنسانيتنا، بغض النظر عن الانتماءات الدينية أو السياسية.
وخلص إلى القول "من منّا لن يتأثر بمشهد مجموعة من هؤلاء الزعماء يسيرون معاً على امتداد الحدود بين إسرائيل وغزة، ويقيمون قداساً دينياً مشتركاً من أجل السلام أو يقدمون الطعام للمدنيين الذين نزحوا بسبب أعمال العنف؟".
وتابع قائلاً إن "مثل هذه الأفعال يمكن أن تتحدث عن وسائل بديلة لحل النزاع وتشجعها بطرق لا يستطيع القادة السياسيون والعسكريون القيام بها"، مضيفا أنه "على غرار ما تمكن السيستاني من القيام به في النجف، ربما يتمكن الزعماء الدينيون من إقناع الطرفين بالتخلي عن موقفهما وتهدئة الأزمة الحالية".