تقرير أمريكي.. بروز الصين كقوة ناعمة في إقليم كوردستان مع تراجع اهتمام إدارة ترامب

شفق نيوز/ ذكر "معهد واشنطن" الأمريكي، أن مظاهر القوة الناعمة للصين آخذة بالتزايد في إقليم كوردستان على الرغم من الاعتقاد السائد بأن الولايات المتحدة ستحظى دوماً بالأولوية في التعاون السياسي والأمني والاقتصادي مع الاقليم.
وأشار التقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، إلى أن حكومة الإقليم عرضت في العام الماضي، على القنصليات الأجنبية في أربيل أراضٍ لبناء حدائق تعبر عن دولهم وثقافاتهم، مضيفاً أن الصين هي الوحيدة التي قبلت هذا العرض من حكومة الإقليم، فيما من المتوقع افتتاح الحديقة التي تقام على "الطراز الصيني" في الربيع المقبل في منطقة راقية بالمدينة، وبما يعبر عن ثقافة الصين وتطورها.
وتابع التقرير، أن أخبار افتتاح الحديقة الجديدة في أربيل جاءت بعد أسبوعين من قرار الإدارة الجديدة لدونالد ترامب بتقليص تمويل المساعدات الأجنبية الأمريكية والمؤسسات الحكومية التي توزعها، وهو ما يظهر التباين في الأساليب المستخدمة في القوة الناعمة بين الصين والإدارة الأمريكية الجديدة لترامب، حتى في الميادين التي كانت تعتبر تقليدياً من معاقل النفوذ الأمريكي الناعم.
وذكّر التقرير، بأن السفير الأمريكي في العراق قدّم تقديرات خلال العام الماضي، بأن واشنطن انفقت "حوالي 3.6 مليارات دولار من المساعدات المنقذة للحياة، خلال العقد الماضي"، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة وفرت الدعم لقوات البيشمركة بشكل كبير، حيث تنفق ملايين الدولارات شهرياً على الرواتب والتدريب والمعدات.
وأضاف، أنه من المرجح أن تتعرض هذه الأموال والبرامج لتقليص حاد أو أن تتوقف تماماً خلال فترة إدارة ترامب بسبب القرارات الأخيرة التي اتخذتها لإلغاء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (يو أس أيد) وتخفيض التمويل لمنظمات الأمم المتحدة، بالإضافة إلى إنهاء التواجد العسكري الأمريكي في العام 2026.
وبحسب التقرير، فإن دبلوماسيي الصين في إقليم كوردستان يشعرون بأن هناك فرصة متاحة لهم لملء الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة، وإبراز المشاريع الصغيرة كوسيلة لرفع مكانتهم، مضيفاً أنه في ظل إظهار بكين استعدادها للاستثمار والانخراط، فإن أربيل سيكون بإمكانها الاستفادة قدر المستطاع مما يعرض عليها، على الرغم من أن التقرير قال إن واشنطن سبق لها أن استخدمت نفوذها من أجل تعطيل العروض الصينية، بما في ذلك إقناع حكومة الإقليم بتأجيل خطط مشروع "مدينة السعادة" البالغ قيمته 5 مليارات دولار.
تغير في نهج واشنطن
واعتبر التقرير، أنه صار من الواضح احتمال حدوث تغيير في حسابات حكومة الإقليم الذي كان محل اهتمام نشط من جانب الولايات المتحدة والغرب طوال أكثر من 3 عقود، مشيراً إلى أن المؤسسات الكوردية المستقلة تطورت بدعم غربي في أوائل التسعينيات، مما خلق تأييداً شعبياً للوجود العسكري والاقتصادي والثقافي الغربي، مضيفاً أن هناك جمع طويل بين القوة الصلبة والناعمة الأمريكية، وأن القيادة الكوردية في أربيل لن تتخلى بسهولة عن أهم علاقة جيوسياسية لديها.
لكن التقرير نبه إلى أن الرسائل الأمريكية، والإشارة الواضحة التي يوجهها قطع هذا التمويل، لا تبني على هذا التاريخ، موضحاً أن صفحة القنصلية الأمريكية في أربيل على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت تظهر زيارة الدبلوماسيين لمخيمات اللاجئين، ودعم النشطاء الذين يكافحون من أجل الحصول على مياه نظيفة، والتواصل مع جيل جديد من رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا، إلا أنه منذ تولي إدارة ترامب السلطة، فإن هذه الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر الدبلوماسيين وهم يمضون أيامهم وهم يقومون بزيارات إلى مطاعم الوجبات السريعة، وهو ما يكشف عن التباين الكبير في الدبلوماسية العامة ومحدودية نظر الإدارة الأمريكية الجديدة فيما يتعلق بما يدعم مصالح الولايات المتحدة.
تبادل ثقافي
وقال التقرير، إن نفوذ بكين يتنامى بثبات، مضيفاً أنه مع تركيزها على التعليم والثقافة وتدريب موظفي الحكومة، وبناء علاقات مع النخبة السياسية والمالية المحلية، فإن بكين تطور مجموعة من أدوات القوة الناعمة لا تختلف كثيراً عن ما حققته الولايات المتحدة في الماضي، إلا أنها تتقدم بخطى كبيرة عما بإمكان واشنطن تحقيقه في الخفض الكبير في إنفاقها.
وذكّر التقرير، بأنه مع إقامة القنصلية الصينية في العام 2014، فإن أحد المبادرات الكبرى الأولى للصين تمثلت في افتتاح مركز تعليم اللغة الصينية في جامعة صلاح الدين في أربيل عام 2017، مشيراً إلى أن المركز وسع عروضه للطلاب الشباب والبالغين الذين يأملون في الدراسة أو ممارسة الأعمال في الصين.
وتابع قائلاً، إن الدبلوماسيين الصيين أظهروا اهتماماً تاريخياً بالشاعر الكوردي الكلاسيكي نالي، الذي يصور الصين على أنها بلاد جميلة وبعيدة ومثيرة للاهتمام، وينقل الثقافة الصينية إلى مسقط رأس الشاعر الشهير في السليمانية من خلال استضافة مهرجانات سينمائية وفعاليات أخرى.
وبالإضافة إلى ذلك، لفتت الصين إلى أنها اعتباراً من العام المقبل، ستبدأ في إصدار تأشيرات سياحية بالإضافة إلى تأشيرات العمل التي تقدمها حالياً.
السياسة الحزبية
وذكر التقرير، أنه إلى جانب بناء العلاقات بين الحكومات، فإن الحزب الشيوعي الصيني يعمل بنشاط من أجل تعزيز العلاقات مع الأحزاب السياسية الكوردية، مشيراً كمثال إلى أن قيام السياسي الكوردي، هيمن هورامي، من الحزب الديمقراطي الكوردستاني، بزيارة مؤخراً لمسؤولي الحزب الشيوعي الصيني في مقاطعة أنهوي خلال زيارة له الى الصين.
وتابع التقرير أنه بينما يحظى الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني بأكبر درجة من الاهتمام، إلا أن الحزب الشيوعي الصيني لا يتجاهل الأحزاب الصغيرة ولا الكوادر السياسية الصغيرة، وهو ما يتناقض مع سلوك الحزبين الأمريكيين الديمقراطي والجمهوري والتي لا تعمل بهذه الطريقة المؤسسية على الساحة الدولية.
وأوضح التقرير، أن الدبلوماسيين الأمريكيين يلتقون في بعض الأحيان مع أحزاب المعارضة، إلا أنهم يتصرفون بطريقة الدفاع إزاء أي فكرة بأن لديهم علاقات وثيقة معها، لأنهم يأخذون بعين الاعتبار تحسس مشاعر الأحزاب الحاكمة وكتعبير عن الاحترام لنتائج الانتخابات، مضيفاً أن الدبلوماسية الأمريكية ركزت على العمل مع الحكومة القائمة في الإقليم بدلاً من اللاعبين السياسيين الذين قد يصلون إلى السلطة مستقبلاً.
وفي المقابل، قال التقرير، إن السياسة الخارجية للصين لا تركز على العلاقات بين الحكومات فقط، وإنما تستخدم الحزب الشيوعي الصيني كوسيلة لتعزيز العلاقات بين الأحزاب، وهي ما اعتبرها التقرير بأنها تعكس القوة الحقيقية في إقليم كوردستان.
التأثير الاقتصادي والانطباع العام
ورأى التقرير، أن القوة الاقتصادية للصين أصبحت واضحة بشكل تام في إقليم كوردستان العراق الذي يستفيد بشكل كبير من الواردات، حيث تمتلئ الأسواق في الإقليم بالبضائع المصنوعة في الصين، وأنه بعدما كانت هذه المنتجات تحمل سمعة بأنها رخيصة ورديئة الجودة، فأن هذا الانطباع تبدل مع دخول أنواع جديدة من السلع الصينية إلى الأسواق الكوردية.
وتابع قائلاً أن صورة الصين تتغير تدريجياً، وصار ينظر إليها بشكل متزايد كوجهة للثروة والتعليم والتجارة.
وقال التقرير، إنه حتى قبل مجيء إدارة ترامب، فإن نسبة كبيرة من الكورد كانت تنظر إلى المساعدات الخارجية وجهود التنمية الاقتصادية الصينية بشكل إيجابي مقارنة بالولايات المتحدة، مذكراً باستطلاع أجراه "الباروميتر العربي" في تموز/يوليو 2024، حيث منحت غالبية سكان الإقليم (دهوك، أربيل، والسليمانية) بنسبة 57% تقييماً للصين من حيث الديمقراطية، بفارق قليل عن الذين أعطوا نفس التقييم للولايات المتحدة (64%).
واعتبر التقرير، أن هناك توازنا في الرأي العام الكوردي، إلا أن عدم اهتمام إدارة ترامب الواضح بالحفاظ على هذه القوة الناعمة، قد يمنح الصين الفرصة لتتفوق في نظر الجمهور، سواء بشكل عام أو في قضايا محددة، خصوصاً في ظل التغيرات الجذرية في السياسات الأمريكية.
وختم التقرير بالقول، إن فيما يتعلق بإقليم كوردستان، فهناك اعتقاد سائد بأن الولايات المتحدة ستحظى دوماً بالأولوية في التعاون السياسي والأمني والاقتصادي، غير أنه في حال تمكنت جهات أخرى مثل الصين من استخدام القوة الناعمة للتأثير في هذه المعادلة، فإن كلفة الحفاظ على الأصول الاستراتيجية الأميركية في الإقليم، كالقواعد العسكرية والبنى التحتية النفطية والفرص الاستثمارية، قد تصبح أعلى بكثير مستقبلاً، منبها إلى أنه من الواضح أن الصين تسعى لملء الفراغ الذي خلفته إدارة ترامب، بشكل أو بآخر وربما سيتم ذلك في حديقة تلو الأخرى.
ترجمة: وكالة شفق نيوز