تحذير من "قنبلة موقوتة" في العراق وخطط خمسية لتلافي "الكارثة"
شفق نيوز/ تُعدّ الكثافة السكّانية في ظل غياب الخطط الاستراتيجية لها "قنبلة موقوتة" في العراق وفقاً لمختصين، في وقت تستعد السلطات لوضع خطط خمسية تلافياً لـ"كارثة" في بلد قد يصل تعداده سكانه إلى 50 مليوناً بحلول 2030، بحسب التوقعات.
وتُقدر الحكومة العراقية تعداد السكان في البلاد لسنة 2022، بـ(42) مليوناً و(248) ألفاً و(883) نسمة، بمعدل زيادة سنوية بلغت (%2.5)، وفقاً للتقديرات التي أعدها الجهاز المركزي للإحصاء، بناءً على المعادلات والمعايير الإحصائية المُتّبعة في هذا المجال.
خطط التنمية الخمسية
وتأتي العاصمة بغداد في مُقدّمة المحافظات الأكثر اكتظاظاً بالسكان، بواقع أكثر من 9 ملايين نسمة، وترتفع هذه النسبة خلال النهار - عند إضافة قاصديها من باقي المحافظات لأغراض متعددة - لتصل إلى أكثر من 10 ملايين نسمة، بحسب المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي.
ويُضيف الهنداوي لوكالة شفق نيوز، ان "محافظة نينوى تحلّ في المرتبة الثانية، بأكثر من 4 ملايين نسمة، ومن ثم البصرة بواقع أكثر من 3 ملايين نسمة، وبعدها تأتي تباعاً بقية المحافظات بأعداد تتراوح من مليون إلى مليونين ونصف المليون، وفي المرتبة الأخيرة تأتي المثنى بواقع 900 ألف نسمة".
ويشير المتحدث باسم وزارة التخطيط، إلى أن "هناك إجراءات لاستيعاب هذه الزيادات السكّانية، حيث أقرّ المجلس الأعلى للسكّان برئاسة رئيس مجلس الوزراء، الوثيقة الوطنية للسياسات السكانية المُحدّثة، وهذه الوثيقة تتضمن رؤى بعيدة المدى لتوفير متطلبات الحياة، والاستفادة من الزيادة السكّانية، وتحويلها إلى مُحرّكات تنموية".
ويوضّح، أن "هذه السياسات تتمحور حول تحسين واقع قطاعات الصحة والتعليم والسكن، ودعم الفئات الهشّة في المجتمع، وتحقيق شراكات بين القطاعين العام والخاص، والتركيز على تطوير الدراسات والبحوث التي تتناول قضايا السكّان، وإعطاء الأولوية لهذه القضايا ضمن خُطط التنمية".
ويؤكد الهنداوي، أن "هذه السّياسات التي تضمنتها الوثيقة سوف تُترجم إلى إجراءات من خلال خُطط التنمية الخمسية، وأن الوزارة تستعد الآن لإعداد خطط التنمية الخمسية للسنوات الخمس المُقبلة، وأن هذه الخُطة سوف تأخذ بنظر الاعتبار واقع الزيادة السكّانية وقضايا الاقتصاد والتنمية، من أجل اتخاذ الإجراءات والسّياسات المُناسبة لمعالجة قضايا السكان".
وكانت الحكومة العراقية، أعلنت في 15 شباط الماضي، إقرار الوثيقة الوطنية للسياسات السكّانية "المحدّثة"، مشددة على ضرورة تهيئة الظروف لغرض إجراء التعداد السكّاني في البلاد.
يشار إلى أن وزارة التخطيط العراقية كانت قد رجحت إجراء التعداد السكّاني في البلاد نهاية العام الحالي 2023.
وأجري آخر تعداد سكاني في العراق عام 1997، وعلى مدى 15 عاما الماضية لم تتوافق القوى السياسية على إجراء التعداد الذي يعتبر الأساس في توزيع الثروات في البلاد ورسم الخطط التنموية وتقويم نتائجها ووضع الخطط الصحيحة لإعادة الإعمار.
"قنبلة موقوتة"
ويصف الخبير الاقتصادي، أحمد عبدربه، الكثافة السكّانية في ظل غياب التخطيط والتنمية والخطط الاستراتيجية لها بـ"القنبلة الموقوتة"، حيث "تضغط بشكل كبير على خدمات المناطق السكنية في بغداد والمحافظات المهيأة عندما كان سكان العراق لا يتجاوز 17 مليون نسمة".
ويضيف عبدربه لوكالة شفق نيوز، كما أن "الكثافة السكّانية بدأت تبتلع أغلب القطاعات الاقتصادية، حيث هناك خريجون بالملايين ومثلهم من العاطلين، لذلك على الحكومة أن تدرس مخاطر الازمة السكّانية الحالية، وتتجه نحو تحديد النسل بشكل عاجل، وتدعم التنمية الاقتصادية والبشرية، وتضع برامج خاصة لـ(المناطق الطاردة) لليد العاملة وللسكان".
تأثير بيئي
ويؤكد مدير مشروع العدالة البيئية وأمن المناخ جنوب العراق، فلاح الأميري، أن "زيادة معدل النمو السكاني أشدّ خطورة على البيئة من الملوثات بمختلف أنواعها وأشكالها، فالعلاقة بين ارتفاع نسب التلوث والازدياد في معدل النمو السكاني هي علاقة طردية، وقد باتت واضحة ليس فقط على المستوى الوحدات الجغرافية الصغيرة، بل اتضحت بعد الكوارث الطبيعية من فيضانات وزلازل وعواصف ترابية، وهي بالأصل متسببة من أثر النمو السكاني العالمي أو القطري".
ويضيف الأميري لوكالة شفق نيوز، "فحسب مصادر وزارة التخطيط/ الجهاز المركزي للإحصاء حول المؤشرات السكانية للتغييرات السكانية في العراق للفترة من 2015 - 2030، حيث كانت نسبة ازدياد نسبة السكان في عام 2022 بالنسبة لسنة 2021 قدرت بـ( 1,058,242)، وهي نسبة مُرتفعة جداً".
ويوضح، أن "المشكلة المرتبطة بين ارتفاع نسبة النمو السكاني مع تلوث البيئة تكمن في أن قطاع الخدمات والصحة والتوسع في الاسكان يكاد يكون معدوماً أو متباطئاً جداً، أي أن هناك متوالية عددية هندسية ومتضاعفة لمعدل نمو السكان مع انعدام نمو هذه القطاعات أو جمود توسعها وتطويرها، فهنا تكون أصل المشكلة".
ويتابع الأميري، "ومن خلال تراكم نسب النمو السنوي للسكان تبدء بالظهور عملية تلوث البيئة بجميع أنواع الملوثات بسبب ارتفاع نسب الاستهلاك في الموارد الطبيعية واستنزافها، وهذا الاستهلاك يصاحبه الكثير من أنواع ملوثات البيئة، بما فيها المحروقات والنفايات، واستخدام مفرط في الخدمات المحدودة".
ويشير إلى أن "حجم الخدمات ومؤسساتها لا زالت نفسها دون تغيير يتناسب مع حجم النمو السكاني، فتظهر بوضوح هذه الملوثات مثل الملوثات الصلبة، وأحيانا لا تظهر الا عند الاختصاص مثل ملوثات الهواء أو التربة، وتؤدي هذه المعادلة المتوالية إلى استنزاف في الموارد واندثارها بصورة متسارعة مثل خدمات الطرق والجسور والقطاع الصحي وقطاع التعليم والمياه".
ويبين، "وفي جانب آخر نجد أن هناك تلوث سمعي وبصري وضوضائي واضح، بسبب تكدس السكّان في الوحدات الإدارية ذاتها، والتي لم تتوسع أو يتم تطويرها وبقيت على حالها، وهو ما يشير إلى كارثة قد تؤدي بالتدرج نحو الانهيار الاقتصادي والبيئي في حال عدم معالجة المهتمين وأصحاب القرار لها".
سلبيات أخرى
من جهتها عددت الناشطة، سكينة سعيد، مجموعة من السلبيات جرّاء الكثافة السكانية، أبرزها أنها "تُساهم في زيادة الازدحامات المرورية، وقلّة فرص العمل خاصة للكسبة، فضلاً عن ارتفاع نسبة المشاكل الاجتماعية في المناطق التي فيها اكتظاظ سكاني"، داعية في ختام حديثها لوكالة شفق نيوز إلى ضرورة "اتخاذ الجهات المعنية خطوات جادّة للحد من المشاكل البيئة والاقتصادية التي تسببها الكثافة السكّانية".