بمساحة وأيديولوجية مختلفة.. مقارنة بين "غزو" أمريكا للعراق وروسيا لأوكرانيا
شفق نيوز/ بعد أن أصبحت الحرب الروسية الأوكرانية، أشبه بواقع حال على العالم أجمع، تطرح المقارنات مع حروب أخرى شهدها العالم، تحمل أوجه وذرائع متعددة، لكن ثمة مقارنة ومقاربة عسكرية بين الغزو الأمريكي لبغداد، في عهد جورج بوش عام 2003، والغزو الروسي لكييف عام 2022، برئاسة فلاديمير بوتين.
قائد القيادة المركزية الأمريكية السابق الجنرال ديفيد بتريوس الذي قاد مرحلة أساسية من الحرب الأمريكية في العراق، اعتبر خلال مقابلة مع مجلة "ذي أتلانتيك" الأمريكية، أن "بوتين، يفتقر للمطاولة والقدرة على السيطرة على أوكرانيا، وأن رغم صعوبة الحرب على بغداد بالنسبة للأمريكيين، إلا أن حرب كييف، قد تكون أشد وطأة على موسكو.
وأجرت المجلة الأمريكية، المقابلة مع بتريوس، استناداً إلى تجربته العراقية، للحديث عن حرب أوكرانيا، وعند سؤاله عمّا كان سيفعله لو انه كان قائداً للجيش الأوكراني الآن، فأجاب: "سأعمل على الجانب الاستخباراتي لتحديد مواقع وجود عناصر القوات الروسية وخياراتها والأكثر ترجيحاً وخطورة بينها.
وتولى بتريوس في السابق أيضا إدارة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي ايه)، وأعد أطروحة الدكتوراه حول حرب فيتنام، وساهم في إعداد دليل الإرشاد الميداني للقوات الأمريكية حول أساليب مواجهة التمرد، كما أنه كان قائداً للقوات الأمريكية في العراق خلال خطة زيادة عديد القوات التي صعدت الوجود العسكري في العراق، تمهيدا للخروج منه قبل أكثر من 10 سنوات، وتولى أيضاً قيادة القوات الأمريكية في أفغانستان.
وقال بتريوس، وفقاً للمجلة الأمريكية، إن "عدداً قليلاً من الأمريكيين يعرفون أكثر منه عن احتلال بلد ثم مواجهة مقاومة مسلحة"، في إشارة إلى تجربته العسكرية في مكافحة (التمرد) المسلح في العراق.
ومهما كان عزم بوتين، على غزو أوكرانيا، إلا أنه وبحسب بتريوس "لا يتمتع بالقوات والدعم الشعبي الكافيين للنجاح في السيطرة على هذا البلد، لأي فترة زمنية طويلة".
وأضاف بتريوس، أن "التحدي الآن أمام كبار صانعي السياسة في أوكرانيا، يتمثل في أنهم يحاولون تحقيق هدفين برغم أن أحدهما يلغي الآخر بدرجة ما، وهما محاولة تجنب إثارة الذعر بشكل كبير لمواطنيهم الأوكرانيين، وتجنب استفزاز الروس بلا ضرورة، والأمر الآخر هو إعداد القوات الأوكرانية للدفاع عن البلاد".
يشار إلى أن حجم القوات الروسية المحتشدة والمقدرة بـ190 ألف عسكري، تقارب حجم القوات الأمريكية التي جرى حشدها خلال خطة زيادة القوات في العراق (the surge)، برغم أن أوكرانيا أكبر مساحة وسكانا بكثير من العراق.
ولفت بتريوس، ردا على سؤال عما اذا كان بمقدور روسيا بالفعل السيطرة على كامل مساحة أوكرانيا، إلى أن "أوكرانيا ليست فقط أكبر من العراق، وإنما هي أيضاً أكثر تعداداً في السكان بنسبة 50% من البلاد، بالإضافة إلى أن ملايين من السكان العراقيين هم من الكورد والمسيحيين والايزيديين والشبك والشيعة، كانوا ممن دعموا قوات التحالف بشكل كبير طوال فترة الوجود العسكري الأمريكي في العراق.
واعتبر أن "أقلية صغيرة من العراقيين كانت تدعم المتطرفين السنة والمتمردين والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، لكنهم برغم ذلك، برهنوا على أنهم أعداء يصعب التعامل معهم".
وتابع الجنرال الأمريكي، متسائلاً "هل بإمكان روسيا السيطرة على كامل مساحة أوكرانيا؟"، مضيفا أن "هذا السؤال يجب أن يكون من أكثر الأسئلة إثارة للقلق في ذهن الرئيس بوتين وفي رؤوس كبار قادته".
وتحدث بتريوس عن تجربته في قيادة الفرقة 101 المحمولة جوا خلال الأشهر الأولى من غزو العراق عام 2003، مشيراً إلى أن "القتال كان صعباً".
وأردف: "بمجرد إنهيار النظام، لم يكن لدينا ما يكفي من الجنود لمنع عمليات النهب الكبيرة في وقت مبكر، وفي الفترة اللاحقة، لم يكن للولايات المتحدة ما يكفي للتعامل مع المتمردين والعناصر المتطرفة عندما صعدوا العنف بشكل كبير في العام 2006، حتى جرى إرسال قوات إضافية أثناء (خطة) الزيادة التي استمرت 18 شهراً، إلى جانب إجراء تغييرات في الاستراتيجية وتطوير أعداد متزايدة من القوات العراقية المتمتعة بكفاءة بدرجة معقولة".
ونوه الجنرال الأمريكي إلى أهمية عدم نسيان أن "غالبية العراقيين رحبوا في البداية بـ(تحرير البلد من نظام صدام حسين الوحشي الفاسد)، لكن لا يمكن أن يتوقع الروس أن يتم الترحيب بهم وهم يغزون أوكرانيا".
ورداً على سؤال حول تجربته في "مكافحة التمرد" وما اذا كانت روسيا ستواجه شيئا مشابها في أوكرانيا، توقع بتريوس، أن تقدير حجم ذلك وثباته أمراً صعباً"، مبينا أن "من العوامل المهمة تتعلق بما اذا كانت الحكومة والقوات الأوكرانية ستتمكن من الاحتفاظ بجزء كبير من بلدهم أمام أي غزو كبير، فالأوكرانيون يقولون إنهم سيجعلون الحياة صعبة للغاية على قوات الاحتلال الروسية".
وبحسب بتريوس، يتحتم على الروس أن يتخوفوا من هذا الاحتمال بدرجة كبيرة، خاصة اذا لجأ الأوكرانيون إلى أسلوب القتال كمتمردين، وتم توفير الدعم اللازم لهم من الخارج.
وأوضح أن "بوتين وكبار قادته هم من كبار السن بما يكفي ليتذكروا حجم الألم الذي شهده وجود السوفييت في أفغانستان، ولهذا عليهم أن يشعروا على الأقل أن احتلال اوكرانيا قد يكون صعباً جداً، حتى لو انهم اعتمدوا على 190 ألف عسكري روسي في مواجهة مجموعات التمرد الصغيرة".
وحول رد فعل دول الغرب، على التمرد الأوكراني وما إذا كانوا سيدعمونه أم سيتخلون عنه، أكد بتريوس أن "الإجابة على هذا الأمر صعباً، لأن هناك العديد من العوامل المؤثرة بذلك، بما فيها ما اذا كان التمرد يتم من داخل جزء كبير من أراضي أوكرانيا التي ما تزال تحت سيطرة الحكومة، أم أنها تتم من خارج هذه الأراضي".
وخلص إلى القول إن "المتمردين بشكل عام، مثلما شوهدوا في العراق وأفغانستان، يحتاجون الى مقاتلين واموال وقادة واتصالات وأنظمة وأسلحة وذخيرة ومتفجرات وملاذات آمنة وخبراء في المتفجرات، بالاضافة إلى الايديولوجيات أو قضية يقاتلون من أجلها"، مرجحاً أن يطلب المتمردون الأوكرانيون "كل ما احتاجه المتمردون والمتطرفون العراقيون والأفغان، باستثناء الانتحاريين".