بعد 43 عاماً على القصف الاسرائيلي.. العراق يحيي آماله "النووية" تحت أنظار دولية
شفق نيوز/ يعيد العراق احياء محاولة سابقة في استخدام الطاقة النووية، وذلك بعد 43 عاماً على قصف اسرائيلي لمفاعل "تموز" الواقع في منطقة التويثة، جنوب شرقي العاصمة بغداد، في غمار الحرب الدائرة آنذاك بين العراق وإيران، ويؤكد مسؤولون عراقيون ان الطاقة النووية الجديدة ستكون سلمية، وتستخدم في مجالات تطورية من بينها مجال الطاقة الكهربائية.
وحاول العراق منذ ستينيات القرن العشرين الدخول رسمياً في النادي النووي السلمي وربما العسكري، حيث استغل حينها إمكانياته البشرية العلمية والثروة التي يمتلكها لتحقيق هذا الهدف، ومطلع عام 1975 وافقت فرنسا على بناء مفاعلين نوويين في العراق بمنطقة التويثة، وكانا مشابهين للمفاعلات النووية في مركز الأبحاث النووية التابع لوكالة الطاقة الفرنسية (CEA) حيث كان المفاعل الأول (تموز 1) بقدرة 40 ميغاواط والآخر (تموز2) لأغراض التدريب بقدرة 600 كيلو واط.
ومع قرب اكتمال بناء المفاعل العراقي، شهدت البلاد أول عملية عسكرية نوعية في العالم، عندما تمكنت القوات الجوية الإسرائيلية من تدمير المفاعل النووي العراقي بصورة كلية في 7 حزيران 1981.
خطوات عراقية للعودة للنشاط النووي "السلمي"
وتم في 31/1/2017 نشر قانون هيئة الطاقة الذرية العراقية رقم (43) لسنة 2016 في جريدة الوقائع العراقية في العدد (4431) بعد أن أقره مجلس النواب العراقي وصادقت عليه رئاسة الجمهورية.
وبهذا الصدد أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في 18 آذار 2024، عزم العراق على مزاولة نشاطه النووي للأغراض السلمية، بعد مرور قرابة 43 عاماً على تدمير إسرائيل أول مفاعل نووي عراقي تم بناؤه بمساعدة من فرنسا.
وفضلا عن الضربة الإسرائيلية، دمّرت الطائرات الأميركية موقعين نوويين عراقيين خلال حرب الخليج عام 1991.
وبحسب متخصصين، فقد أرسل العراق للوكالة الدولية للطاقة الذرية خطته من عام 2023 إلى 2030، التي تتضمن إنشاء مفاعلات نووية ومنظومات تحت الحرجة ومحطات كهرونووية، تسمى دورة الوقود النووي، فيما تحتاج البلاد من 5 إلى 6 سنوات لإنشاء مفاعل جديد.
"أعمدة" الوكالة الذرية و"قلب الصفحة"
خطوات العراق، كما يبدو، في استعادة تجربته النووية تجري تحت أنظار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تعمل مع العراق في تفكيك المنشآت القديمة وانشاء المفاعل النووي السلمي.
وبحسب مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي الذي زار العراق فقد أوضح، خلال زيارته للعراق إن "التويثة (مفاعل نووي)، التي كانت ذات يوم مصدر قلق عالمي، ترمز الآن إلى طريق مفعم بالأمل نحو العلاج الناجح، بعد مرور قرابة 43 عاماً على تدمير إسرائيل أول مفاعل نووي عراقي تم بناؤه"، مبينا أن "العراق اليوم مرحلة جديدة على صعيد الطاقة النووي ومزاولة نشاطه النووي للأغراض السلمية بدعم الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، والعمل على وضع خريطة طريق لتطوير عمل العراق وبناء البنى التحتية والحصول على التكنولوجيا النووية في المجالات السلمية.
هذه الخطوات من الوكالة الدولية سبقها توجيه مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في شهر اذار 2024، دعوة رسمية إلى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للمشاركة قمة الطاقة النووية التي ستُعقد في بروكسل خلال الشهر ذاته، فيما أكد أن الوكالة بانتظار زيارة وفد عراقي إلى مقرها في الأسابيع المقبلة لوضع خارطة طريق لتمكين البلاد من الحصول على التكنولوجيا النووية في المجالات السلمية.
تقييم احتياجات ودعم إضافي
وبحسب غروسي الذي زار مستشفى الامل الوطني لادارة مرض السرطان، مبينا انه رأى حجم التقدم في علاجات المرض".
كما أعلنت الوكالة انها، تعالج الثغرات في العراق، وستحصل محافظتين لا يوجد فيهما مركز للعلاج الاشعاعي على الرعاية اللازمة، ويشمل الدعم الإضافي التدريب وبناء القدرات وتوفير المعدات والتمويل، وهي مبادرة ضرورية لسد فجوة رعاية مرضى السرطان وتقديم الامل والعلاجات المنقذة للحياة لمزيد من العراقيين.
مركز الوقاية من الاشعاع
يقوم مركز الوقاية من الإشعاع بمراقبة الخلفية الإشعاعية في البيئة العراقية بشكل يومي ومستمر والمسوحات الاشعاعية لمناطق مختلفة من العراق، يضاف الى ذلك فإن المركز يمتلك شبكة من منظومات الإنذار المبكر والرصد البيئي الاشعاعي المنتشرة يبلغ عددها 21 منظومة والمرتبطة بمحطة مركزية في مقر المركز، وقد نجح المركز بربط نظام الانذار المبكر الوطني مع شبكة نظام معلومات المراقبة الإشعاعية الدولية ونظام تبادل المعلومات الموحد والإبلاغ عن الحوادث والطوارئ، ويعد العراق ممثلاً بالمركز هو ثالث بلد عربي في هذا المجال بعد الأردن والسعودية ، حيث يتم مشاركة البيانات الخاصة بالخلفية الإشعاعية في عموم بلدان العالم بشكل يومي ومستمر.
كما يقوم المركز بإجراء الفحوصات الإشعاعية للمواد الغذائية المستوردة والواردة من المنافذ الحدودية لضمان عدم دخول المواد الملوثة إشعاعياً الى العراق، فيما يعمل المركز حالياً على تعزيز قدرة الفحص الإشعاعي في كافة المنافذ الحدودية ضمن مشروع استثماري متكامل يتضمن نصب بوابات الفحص الإشعاعي في كافة المنافذ وإنشاء اربعة مختبرات مرجعية، وربط شبكة البوابات ضمن نظام مراقبة يتم السيطرة عليه مركزياً من قبل المركز.
وبهذا الصدد، يقول الدكتور صباح الحسيني مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع في حديث لوكالة شفق نيوز إن "استخدام الطاقة النووية لأغراض توليد الطاقة الكهربائية له تأثير إيجابي أيضاً من خلال تقليل الانبعاثات الكربونية في الدولة وتنويع إمدادات الطاقة وزيادة أمنها، وتوفير طاقة اقتصادية صديقة للبيئة وموثوقة لعدد السكان المتنامي في العراق"، لافتا الى أن "للمركز دور مهم في الرقابة على أنشطة تصفية المنشآت النووية وإدارة النفايات المشعة والانشطة والممارسات المعنية بالطب النووي والعلاج الإشعاعي، وجميع هذه الأنشطة تخضع للرقابة وفق تعليمات وضوابط معدة وفق نظام إدارة الجودة ومعتمدة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويضيف إن "الطاقة النووية الخيار الأمثل للحكومة وذلك لأنها آمنة وصديقة للبيئة وتوفر كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية مع انعدام الانبعاثات الكربونية الضارة تقريباً، كما يمكنها توليد كميات كبيرة وثابتة من الكهرباء على مدار العام، وبالتالي فإن إنشاء المفاعلات النووية البحثية ذات مردود إيجابي من خلال:
1. توفير النظائر المشعة للأغراض الطبية العلاجية والطب النووي.
2. إنتاج النظائر المشعة للأغراض الصناعية.
3. الإستخدامات البحثية والزراعية ومكافحة وتقليل الآفات وزيادة الثروات الطبيعية.
أما إنشاء محطات القدرة النووية فهي الأخرى ذات مردود إيجابي مهم من خلال توفير طاقة كهربائية صديقة للبيئة وتقليل انبعاثات الكربون ناهيك عن إمكانية إستخدامها في تحلية المياه أيضاً.
دعم دولي وخسائر عراقية
وبحسب الحسيني أيضاً فان "هناك دعماً دولياً لدعم ملف استعادة العراق لمكانته الدولية في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية"، مبينا ان هذا الدعم برز من خلال زيارة مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولقائه رئيس مجلس الوزراء وعدد من المسؤولين رفيعي المستوى وتأكيده على حرص الوكالة لتوفير الدعم المطلوب لامتلاك العراق للتكنولوجيا النووية وإنشاء المفاعلات للأغراض البحثية وإنتاج الطاقة الكهربائية.
اما بشأن خسائر العراق يضيف أن "الخسائر التي يتكبدها العراق سنوياً لا تقدر بثمن ومن أهمها إحتياج العراق الى إستيراد النظائر المشعة المستخدمة في المجال الطبي لعلاج الأمراض السرطانية والتي يمكن توفيرها بشكل مباشر الى المواطنين دون الحاجة الى استيرادها في حال وجود مفاعل بحثي وطني، حيث أن توفير هذه النظائر على المستوى الوطني له دور مهم في تخفيف عن كاهل المرضى المعالجين وعوائلهم.
التعليم العالي تدخل على الخط
وكان وزير التعليم العالي والبحث العلمي، نعيم العبودي، أعلن، في 11 تشرين الأول 2023، عن الموافقة الأصولية على إنشاء مفاعل نووي صفري مخصص للبحوث العلمية والتعليم لصالح طلبة الجامعات، مبينا أن المفاعل سيقدم الدعم للطلبة والباحثين في الجامعات والموقع المختار لإقامة هذا المفاعل سيتم تطهيره من التلوث الإشعاعي، وسيتم رفع القيود الرقابية عنه، مما يسهم في تطوير قطاع البحث العلمي في البلاد".
كما اكد العبودي، في 26 اذار 2023، وهو يرأس هيئة الطاقة الذرية أيضاً، في زيارة لمدينة سوتشي الروسية ان العراق يمتلك استراتيجية محددة في مجال المفاعلات النووية.
فيما أكد العبودي في مناسبة ثالثة جمعته بمدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن "العراق كان من الدول المتقدمة لسعيه لامتلاك الطاقة الذرية والان يسعى لأن يكون من الدول التي تمتلك الطاقة النووية للأغراض السلمية"، مبيناً أن "نظام البعث سابقاً استطاع بسياسته السوداء العبثية ونتائجها أن يكون هناك تدمير لكل المنشآت النووية، إلا أن قدرات وعلماء العراق قادرون على استعادة الحق، ويجب أن تكون الطاقة النووية للأغراض السلمية في الجانب الصحي والزراعي في خدمة الشعب".