"الفصل الملياري" يدفع عشائر عراقية لتحديد هوية "شيوخ الفيسبوك" والبرلمان يتدخل تشريعياً

"الفصل الملياري" يدفع عشائر عراقية لتحديد هوية "شيوخ الفيسبوك" والبرلمان يتدخل تشريعياً
2024-08-09T15:59:16+00:00

شفق نيوز/ تثير ظاهرة "الفصول المليارية" العشائرية في الفترة الأخيرة جدلاً واسعاً بشأن تعديها "الخطوط الحمراء" في المبالغ المطلوبة بهذه المجالس التي تحل أمورها بعيداً عن السلطة، وفيما يشكو شيوخ عشائر "أصلاء" من "شيوخ فيسبوك ودكاكين" يروجون لهذه الفصول (الديّات)، ويدعون لتدخل المرجعية الدينية والدولة العراقية للتدخل، يؤكد نواب توجه البرلمان لمناقشة مقترح قانون لمنع استغلال الناس باسم "الفصل العشائري".

وانتشرت عبر مقاطع فيديوية تم تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي مطالبات لشيوخ عشائر بمبالغ تصل الى المليارات من الدنانير كتعويضات عن حالات مر بها العشيرة التي تقول انها تضررت وفق المفهوم العشائري كحالات القتل وغيرها.

والفصل العشائري في العراق هو قضاء أو تعويض وغرامة صادرة من تفاوض عشائري عرفي لحل النزاعات بين المتخاصمين بغير الاحتكام إلى قانون الدولة، ويُعدّ ذلك من أنواع الوَساطة.

شيوخ (فيسبوك)

بهذا الصدد يقول الشيخ شياع البهادلي، شيخ عام عشيرة البهادل في العراق، في حديث لوكالة شفق نيوز إن "الفصول العشائرية (الديّات) حالياً غير مرضية لله والمرجعية الدينية ولا عند الشيوخ الاصلاء(العموم) الحقيقيين"، مبيناً أن "ضعف الدولة جعل الفصول العشائرية تصل الى هذا المستوى فهناك حوادث مثل القتل وغيرها، يتم فيها شمول أبرياء لا دخل لهم بالأمر بالدعاوى القضائية إثر شكاوى أهل القتيل، والتالي تخضع الأمور لمساومات عشائرية لإطلاق سراح هؤلاء وبمقابل مادي أيضاً".

ويوضح الشيخ البهادلي أنه "لا يوجد شيء أسمه مليارات في الفصول العشائرية وانما فقط كحديث اعلامي فقط، وانما تنتهي الفصول العشائرية بمبالغ معقولة مثل 100-150 مليون دينار، ودائما ما ندعو شيوخ العشائر الى عدم التكلم بهكذا أرقام خصوصا أنها أرقام ليست حقيقية ولم تطبق في أي فصل عشائري سابق"، لافتا إلى أن هناك استثناءات حسب نوع القضايا والخسائر تصل الى 450 مليون دينار وهي ليست حالات عامة وإنما خاصة وقليلة جداً". 

ويضيف الشيخ البهادلي أن "في العراق تفرض القوانين والأعراف دفع الدية العشائرية ولكن يبقى أيضا دفع مبلغ مماثل تقريباً لغرض التنازل عن الدعوى قانونياً امام الدولة وهنا يعتبر الأمر تعجيزياً، لأن في بعض الأحيان لا يتنازل المشتكي عن دعواه رغم استلامه مبلغ الدية العشائرية".

ويطلب شيخ عام عشيرة البهادل المرجعية الدينية بـ"تحديد مبالغ الفصول العشائرية في العراق عبر وسائل الإعلام وتحديد طريقة التعامل مع الشخصيات سواء القاتل من غيره، وعلى الدولة أن تتعاون معنا في التعامل مع الشخص غير القاتل بعدم سجنه أو الحكم عليه، والتعامل مع الجاني فقط".

ويوضح الشيخ شياع البهادلي أن" بعض شيوخ العشائر الجدد هم شيوخ (فيسبوك) ليس لديهم خبرة ويحضرون مجالس الفصول العشائرية من أجل التصوير والاعلام فقط، ونحن نعاني منهم ونطلب من مجلس القضاء الأعلى التعاون معنا للتعامل مع هذه الظواهر الغريبة عن مجتمعنا ويجب على شيوخ العشائر إعادة النظر بالواقع الحالي للعشيرة العراقية وكذلك يجب تدخل المرجعية والدولة العراقية للحد من الظواهر السلبية بهذا الشأن لان الوضع الحالي للعشائر العراقية وما يتم تصديره للإعلام مزري ومتعب".

شيوخ الدكاكين واللكزس

ويتفق الشيخ أدهم السوره ميري، شيخ عشيرة إحدى العشائر الكوردية في العراق، مع حديث الشيخ البهادلي بالقول إن "الأرقام الفلكية التي تذكر في الفصول العشائرية ليس لها أصل وافتعلوها ما يسمون بالـ(شيوخ) وهم ينتسبون للمشيخة زوراً فهم شيوخ مصالح، ونسميهم شيوخ الدكاكين، فهذه الأرقام التي تذكر تجري بعد اتفاقات خاصة بين بعض الشيوخ، ولا يصل منها الى صاحب الشأن المعني سوى 10% من المبلغ الأصلي المتفق عليه ضمن الفصل العشائري، والبقية توزع على الآخرين الذين يجلسون في هذه الجلسات".

ويضيف الشيخ أدهم أن "بعض الشيوخ الجدد تغير وضعهم المادي وأصبحت لديهم سيارات حديثة (لكزس) وعمارات وبيوت جديدة ويسترزق من هذه الأمور"، مبينا أنه " كمثال على ذلك ففي إحدى الفصول العشائرية كان مبلغ الدية 500 مليون دينار ولكن الذي وصل الى أهل القتيل 150 او 200 مليون فقط ولا أعلم أين ذهب مبلغ الـ300 مليون دينار المتبقي". 

ويضيف أن "هناك شروط محددة للفصل العشائري معروفة ومحددة يعرفها شيوخ العشائر واقصى فصل قتل متعمد يصل الى 120 مليون دينار"، مبيناً أن "بعض هؤلاء الشيوخ (الجدد) يأخذون الدية الشرعية المتفق عليها ولكنهم يعودون مجددا لطلب مبالغ إضافية تصل الى 50 مليون دينار لغرض تنازل (ولي الدم) عن دعواه القانونية".

ويتابع السوره ميري أن "بعض هؤلاء الشيوخ اصبح لديهم، بعد الفصول العشائرية الباطلة والمحرمة، سيارات اخر موديل ويتاجرون بالأملاك ويستفزون الآخرين وينفذون الدكات العشائرية".

بين النظام السابق والأحزاب الحالية

ويلفت الشيخ أدهم الى "اتفاق النظام السابق (صدام حسين) والأحزاب الحالية في زيادة الحالات العشائرية السلبية"، مبينا أن "رئيس النظام السابق صدام حسين وبعد أحداث عام 1991 كان يستقبل رؤساء العشائر ويقسمهم إلى ثلاثة أقسام وهي فئة الشيخ العام ويطلق عليها فئة (أ) وفئة شيخ الفخذ (ب) والوجه يرمز له بالرمز (ج)، وهو ما لم يكن موجوداً في مجتمعنا، إذ كنا نعرف فقط الشيخ العام وشيخ الفخذ، والان كل حزب سياسي أصبح لديه مكتب عشائري في كل ناحية وشارع تحت مسمى الديوان العشائري الفلاني، ويصدرون لهؤلاء هويات بـ25 او 50 الف دينار وبالتالي فان هذه الأحزاب أسهمت في خراب المجتمع العراقي عبر هذه التصرفات".

ويدعو الشيخ السوره ميري الى تفعيل مديرية شؤون العشائر المرتبطة بوزارة الداخلية وإثبات ذلك عبر المستمسكات الرسمية التي تثبت الانتماء والهوية العشائرية والعراقية"، داعياً مجلس الوزراء ووزارة الداخلية الى التدخل للحد من ظاهرة الفصول العشائرية المبالغ بها".                 

الدكة العشائرية

ويدعو الشيخ البهادلي الى "تطبيق إجراءات أخرى في ملف (الدكة العشائرية) منها سحب سلاح الشخص أو الأشخاص الذين قاموا بالدكة ويكون لدى الدولة حصراً، وغرامة مليونين او اكثر وسجن لا يقل عن شهر لتأديب من يقومون بهذه الأمور"، مبينا أن "عشيرته اتخذت اجراء خاصا بها وهو تحميل المسؤولية القانونية والعشائرية لكل شخص من افراد عشيرتي يعمد الى الدكة العشائرية من دون استئذان ونسلم سلاحه إلى الدولة، أما إذا اعتدى شخص علينا من عشيرة فإننا نقوم بأخذ سلاحه وتسليمه الى الدولة أيضاً، وسلمنا شخصياً أكثر من 5 مرات أسلحة للدولة بحضور قادة امنيين، وبالتالي شهدنا انخفاضا في حالة الدكة العشائرية".           

و“الدگة” هي اللفظ العراقي لمصطلح الدقة، أي الهجوم على أحدهم باللغة الدارجة، وقد باتت مقرونة في العراق بالعشائر ونزاعاتها الداخلية، وتعني أن تقوم مجموعة من عشيرة معينة بإلقاء القنابل والرصاص على بيت أحدهم من العشيرة المقابلة ليتم تحذيره بما سيحدث لو لم يتم التوصل لاتفاق يرضي العشيرة المُهدِّدة. 

الحقيقة الكاملة "منقوصة"

ويقول الشيخ أحمد عبد الزهرة گباشي السوداني، شيخ عام عشيرة البو ضاحي قبيلة السودان في حديث لوكالة شفق نيوز إن "طبيعة المجتمع العراقي تميل بصورة عامة الى الطابع القبلي، اذ تسيطر عليه العادات والتقاليد الاجتماعية بصفاتها المتوارثة وفي الوقت نفسه لايمكن إنكار الدور الريادي الذي لعبته العشائر العراقية في مختلف الأزمنة، أبرزها ثورة العشرين وماتمخض عنها من تأسيس دولة العراق الحديثة، كذلك لعبت العشائر دوراً كبيراً على صعيد حفظ أمن البلاد ومقارعة قوى الظلام الإرهابية لاسيما تنظيم (داعش) الارهابي عام 2014".

ويضيف الشيخ السوداني "لكن وبالرغم من ذلك فأن هنالك معادلة معروفة للجميع وهي عندما تضعف منظومة الدولة تقوى منظومة العشيرة والعكس صحيح، وهذا ماسارت عليه هذه المعادلة على مر تأريخ العراق المعاصر،وبالرغم من تأشير العديد من الحالات التي مثلت خرقاً للقواعد العشائرية الأصيلة، إلا إنه لايمكن إنكار الدور الإصلاحي الذي تقوم به العشائر لاسيما إصلاح ذات البين وفض المنازعات وغيرها من الحالات التي تعتبر مؤشراً إيجابياً يحسب لها".

ويتابع الشيخ إن "مايطرح في وسائل الاعلام حول مسألة الفصول العشائرية ليس حقيقة كاملة لأنه يتم التركيز ومن مساحة ضيقة على بداية النقاش والاستغناء عن النتيجة النهائية لهذا النقاش، وبالتالي فإن جل ما يمكن قوله بأن مسألة الفصول العشائرية ليست حكراً على عشائر الجنوب فقط بل يحدث في كل مناطق العراق، ويمكن القول بأن مسألة الفصول العشائرية تتكرر كل يوم سواء وما ساعد على انتشارها وتفشيها في المجتمع هي ثقافة المجتمع الذي بات يلوذ بالعشيرة في كل صغيرة وكبيرة دون اللجوء إلى قوانين الدولة".

ويحدد الشيخ أحمد گباشي السوداني، ضرورة مواجهة الحالات السلبية في النزاعات العشائرية بالقول إنه "لابد من وضع الحلول والمعالجات التي تحول دون تفشي مسألة الفصول العشائرية سلباً وذلك عن طريق تظافر جهود رجالات الدين في تحريم السلوكيات العشائرية الهوجاء ونشر الوعي الثقافي في المجتمع حول مخاطر النزاعات العشائرية والعمل على إعادة ثقة المواطن بالدولة وقوانينها وضرورة محاسبة من يستغل اسم العشيرة سلباً لغرض فرض ارادته أو ترويع الآخرين سواء كان مواطناً عادياًأو مسؤولاً في الدولة، وهذا ما لمسناه في الوقت الحاضر حيث عملت الحكومة الحالية على تشخيص الممارسات الخاطئة التي يتخذها البعض بإسم العشيرة (كالهجوم على الآخرين بالأسلحة) وإدراجها ضمن المادة 4 إرهاب وهذا ما أدى الى تعزيز ثقة المواطن بالدولة والقانون وتراجع حدة النزاعات العشائرية".

البرلمان يدخل على الخط 

وتقول النائبة عن لجنة العشائر النيابية نهال الشمري في حديث لوكالة شفق نيوز إن "بغياب القانون والدولة فان العشائر تصدرت المشهد"، مبينة ان "بعض ممن يدّعون المشيخة العشائرية أصبح عملهم اثارة المشاكل وجمع (الديات) الفصول العشائرية".

وتضيف النائبة الشمري، وهي تنتمي لاحد القبائل العراقية المعروفة، إن "العشيرة في السابق كانت تحل المشاكل، ولكن الآن أصبح البعض من رؤسائها يثير هذه المشاكل للأسف". 

وتبين النائبة أن "لجنة العشائر النيابية تناقش مقترح قانون يحد من موضوع استغلال الناس باسم الفصل العشائري وامور أخرى متعلقة بهذا الشأن".

قانون "عشائري" متوقف 

ويقول الخبير القانوني علي التميمي في حديث لوكالة شفق نيوز إن "المادة الخامسة والأربعين من الدستور الفقرة (2) أوضحت أن الدولة تعمل على النهوض بالقبائل والعشائر وتهتم بشؤونها وتطوير المجتمع، وتفرض المادة الدستورية منع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان".

ويضيف التميمي أن "من المفترض ومنذ عام 2010 تشريع قانون يسمى المجلس الأعلى للعشائر والقبائل العربية يتولى شؤون العشائر ويناقش مسائل الفصول وغيرها، ولكن لم يتم تشريعه لحد الآن، ولهذا تخضع الفصول العشائرية الاجتهادات والآراء الشخصية وبعضها يخالف حقوق الإنسان".

ويتابع أن "تشريع قانون بهذا الشأن أصبح مهم جداً للحد من الفصول المرتفعة كما هو الحال في التعامل مع (الدكات العشائرية) والتي تحولت قانونياً إلى التعامل معها كجريمة إرهابية ولهذا قلت بنسبة كبيرة". 

ويوضح التميمي أن" للحكومة إمكانية لتشريع قانون وترسله للبرلمان لإقراره لتحديد خطوات وإمكانية إقامة مجلس خاص بالعشائر العراقية وبرأيي هذا الحل الأفضل".  

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon