"الغاز الوطني".. كلمة المرور لإنهاء معضلة الكهرباء في العراق
شفق نيوز/ يشكو أهالي بغداد والمحافظات الوسطى والفرات الأوسط من تراجع ساعات تجهيز الكهرباء الوطنية منذ نحو شهر، فيما تزامن هذا الانقطاع مع بدء موجبات البرد ليفاقم من معاناة المواطنين في البلاد.
وتقول المواطنة أم عليا من محافظة كربلاء، بنبرة منزعجة بسبب تكرار انقطاع المنظومة الوطنية: "مع بدء موجات البرد منذ أكثر من شهر، يلاحظ انخفاضاً حاداً في ساعات تجهيز الكهرباء الوطنية، لذلك بدلاً من تشغيل السخانات وأجهزة التدفئة الكهربائية، عدنا إلى العصر الحجري بتسخين الماء على النار والجلوس حولها للتدفئة".
وتدعو السيدة خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، الحكومة إلى ضرورة "تحمل المسؤولية وتوفير الكهرباء خاصة مع موجبات البرد الحالية التي تشهدها البلاد".
توقف إمدادات الغاز الإيراني
وتعزو وزارة الكهرباء العراقية، تراجع تجهيز الكهرباء عن محافظة بغداد ومحافظات الفرات الأوسط والمناطق الوسطى إلى "توقف إمدادات الغاز الإيراني، وهو ما تسبب بتوقف بعض الوحدات التوليدية وتسبب بتحديد أحمال محطات الإنتاج، الأمر الذي أفقد المنظومة أكثر من 6 آلاف ميغاواط".
ويوضح المتحدث باسم الوزارة، أحمد موسى، لوكالة شفق نيوز، أن "توقف إمدادات الغاز الإيراني يعود لوجود أعمال صيانة لديهم، وهذه الأعمال تستمر لمدة 15 يوماً، وباكتمال الصيانة سيعاود ضخ الغاز وفق الكميات المتفق عليها"، مؤكداً أن "المحطات العراقية جاهزة للعمل بطاقتها الكاملة حال ضخ الغاز والوقود الكافي لها".
وعن أسباب الاعتماد على الغاز المستورد، يقول موسى إن "الغاز الوطني غير كافي ولا يسد حاجة الكهرباء، لذلك هناك حاجة مُلحّة للغاز المستورد لإدامة محطات الإنتاج".
ويؤكد، أن "الحل الجذري لمعالجة هذه المشكلة هو بالاعتماد على الغاز الوطني، وأن الحكومة متمثلة بوزارة النفط تعمل - على عكس الحكومات السابقة - بخطى سريعة لاستغلال الغاز الوطني، وهناك حقول غاز وطنية وضعت في جولات التراخيص الخامسة وجاري العمل حالياً على استغلالها، كما هناك جولة سادسة تضمنت حقول غاز، لكن استغلال الغاز الوطني يحتاج من 3 إلى 5 سنوات حتى يسد حاجة الكهرباء، وبما أن الغاز الوطني لم يكتمل حتى الآن للاستفادة منه، فإن الحاجة تبقى إلى المستورد".
وفي 19 تشرين الأول الماضي، وقع العراق اتفاقية وعقد توريد الغاز التركمانستاني، وتنص بنود الإتفاقية على تزويد العراق بـ 20 مليون متر مكعب يومياً من الغاز التركمانستاني، فيما تتولى شركة (Loxstone Energy) السويسرية، مسؤولية إيصال الغاز التركمانستاني إلى العراق، عبر استخدام شبكة أنابيب إيران، معتمدين على آلية التبادل (Swap).
وتعليقاً على هذه الاتفاقية، يقول موسى، إن "تفعيل هذه الاتفاقية مع الجانب التركمانستاني تحتاج إلى جملة من الإجراءات الواجبة الاكتمال، منها ما هو متعلق بفتح الاعتماد لشركة الغاز التركمانستانية لدى غرف التجارة العراقية، وكذلك وضع الدفعة المالية المسبقة لصندوق الاعتماد لدى الـ(تي بي آي) لصالح الجانب التركمانستاني، وأن هذه الإجراءات تعمل عليها حالياً وزارة الكهرباء مع وزارة المالية والمصرف التجاري العراقي لاستكمالها والوصول إلى مرحلة توريد الغاز التركمانستاني".
من جهته، يرى عضو لجنة النفط والغاز في مجلس النواب العراقي، باسم الغريباوي، أن "مشكلة الكهرباء في العراق متراكمة، وتتمثل بوجود محطات كهربائية تعمل على الغاز فقط أو الكاز فقط، والاثنان فيهما شحة في البلاد، وكان من المفترض أن تكون هذه المحطات تعمل على أنواع مختلفة من الوقود".
ويلفت الغريباوي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "الانقطاع الحالي للكهرباء سببه توقف الغاز الإيراني، ولتجنب هذه الأزمة مستقبلاً يتم العمل حالياً على تعدد منافذ الاستيراد".
أزمة الكهرباء هي في مفاصلها الأساسية
بدوره، يقول الخبير بشؤون الطاقة، كوفند شيرواني، أن "أزمة الكهرباء هي في المفاصل الثلاثة الأساسية، حيث هناك نقص في التوليد الذي هو حالياً بحدود 27 ألف ميغاواط حسب وزارة الكهرباء، لكن الأحمال في فترة الذروة تصل إلى حدود 45 ألف ميغاواط، وهذا يعني وجود حوالي 17 إلى 18 ألف عجز".
ويضيف لوكالة شفق نيوز، أن "الخلل الآخر هو في النقل والتوزيع، حيث هناك ضائعات في شبكة النقل والتوزيع، وبالتالي العجز الموجود سيكون أكثر، ورغم جهود وزارة الكهرباء في حل العوارض والتوقفات والعطلات، إلا أن الفرق الكبير بين التوليد والطلب يخلق عجزاً كبيراً، وحاولت وزارة الكهرباء تغطيته باستيراد الغاز الإيراني بحدود 50 مليون متر مكعب يومياً، وفق عقد مدته 5 سنوات، ومؤخراً حاولت الحكومة استيراد الغاز من تركمانستان، لكن كل هذا الغاز المستورد لا يوفر إلا 10 آلاف ميغاواط، وبقى العجز موجوداً، لأن الضائعات في التوليد والنقل والتوزيع يجعل العجز أكبر مما يمكن تغطيته، حتى مع هذه العلاجات".
ويبين شيرواني، أن "أحمال الذروة تزداد في فترة الصيف، وكذلك في فترة الشتاء حيث الحاجة العالية إلى وسائل التدفئة والهيترات وغيرها، وبالتالي سيكون هناك طلباً أكثر والعجز سيكون كبيراً، لذلك على وزارة الكهرباء العمل على مسارين".
وفيما يخص المسار الأول يقول شيرواني: "ينبغي العمل على إصلاح شبكات النقل والتوزيع، وكذلك تأهيل المحطات وإنشاء محطات جديدة بالتنسيق مع وزارة النفط، لتوفير الوقود لها خاصة الغاز الطبيعي".
ويوضح، أن "الغاز الطبيعي يمثل الوقود الأمثل لمحطات الكهرباء، كونه أرخص كلفة وأكثر كفاءة وأقل تلوثاً للبيئة، والأهم هناك احتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي في العراق تقارب 143 تريليون قدم مكعب، لكن المستثمر منها لا يتجاوز 65 بالمائة".
ويشير إلى أن "هناك نسبة عالية من الغاز تحرق خاصة الغاز المصاحب للنفط، وهذا لو كان تم استثماره بالكامل فإنه كان سيحل أزمة الغاز ويوفر الوقود اللازم لكل محطات الطاقة الكهربائية، وكان سيغطي جزءاً كبيراً من العجز الموجود حالياً".
وعن المسار الثاني، يشدد شيرواني، أن "على وزارة الكهرباء والحكومة العمل على إنشاء محطات للطاقة النظيفة (الطاقة الشمسية)، فهذه كلفتها غير مرتفعة ويمكن إنشاء عدة محطات كبيرة كل واحدة منها ألف ميغاواط تغطي أكثر من ثلث العجز الموجود وبفترة قياسية لا تتجاوز السنة، لأن هذه المحطات فترة إنشائها سريعة ولا تحتاج إلى صيانة ووقود، بل أن تبنى في الأماكن المناسبة لها فقط، على أن تُعشق إنتاجها من الكهرباء مع الشبكة الوطنية، وهذا الإجراء تقوم به حتى الدول المكتفية من الطاقة الكهربائية على سبيل المثال الإمارات والسعودية اللتين أصبحت لديهما فوائض بالطاقة الكهربائية يمكن تصديرها إلى البلدان المجاورة".
ويؤكد شيرواني في نهاية حديثه، أن "في حال استثمار الغاز بشكل جيد فأنه سيساهم في رفد محطات الكهرباء والاستغناء عن استيراد الغاز من الخارج وصرف مليارات الدولارات، وأيضاً إنشاء محطات جديدة في حال توفر الغاز بكميات أكثر، وبالتالي تسد جزءاً كبيراً من العجز الموجود حالياً، الذي يتجاوز 15 ألف ميغاواط من الطاقة الكهربائية".
وأمس الأحد، أكد مسؤول حكومي عراقي، أن قرار تقليص إمدادات الغاز الإيراني "أحادي الجانب" وجرى بشكل مفاجئ ومخالف للعقد المبرم بين البلدين، فيما أشار إلى أن وزارة الكهرباء تحتفظ بكامل حقوقها التعاقدية، وطالبت الجانب الإيراني بـ"الالتزام الفوري" بتلك البنود.
وقال المسؤول، في تصريح سابق لوكالة شفق نيوز، إن "وزارة الكهرباء وعلى الرغم من مسعاها المتواصل للنهوض بقطاع الطاقة الكهربائية وتنويع مصادره، إلا أن المنظومة الوطنية تتعرض خلال موجة البرد الحالية، إلى تحديات خارجة عن إرادتها، نتيجة إجراءات أحادية من الجانب الإيراني".
وأضاف أن "الجانب الإيراني قام مؤخراً بتخفيض إمدادات الغاز المشغل للمحطات الغازية من (25) مليون متر مكعب يومياً إلى (6) ملايين متر مكعب فقط، رغم أن العقد المبرم بين الطرفين يلزم وزارة الطاقة الايرانية بتوريد (50) مليون متر مكعب يومياً إلى العراق في فترات الذروة الشتوية والصيفية، ولمدة خمس سنوات، لكن هذا الإجراء المفاجئ أدى إلى فقدان ما يقارب (6000) ميغاواط من الشبكة الوطنية".
وأشار المسؤول الحكومي، إلى أن وزارة الكهرباء، إذ تحتفظ بكامل حقوقها التعاقدية، تؤكد أنها تواصل اتصالاتها المكثفة مع الجانب الإيراني وتطالبه بالالتزام الفوري ببنود العقد المبرم وضمان إيصال الكميات المتعاقد عليها لضمان تشغيل المحطات الكهربائية وتوفير ساعات تجهيز موثوقة للمواطنين".
ولفت إلى أن "وزارة الكهرباء اتخذت إجراءاتها العاجلة التي تضمنت التنسيق العالي مع وزارة النفط لضخ كميات إضافية من الوقود البديل، والإسراع في إنجاز مشاريع استثمار الغاز الوطني وتفعيل خطط الطوارئ للحفاظ على استقرار المنظومة الكهربائية".
وكانت وزارة الكهرباء العراقية قد أعلنت، الشهر الماضي، توقف إمدادات الغاز المورد الإيراني بالكامل لأغراض الصيانة لمدة 15 يوما عن بغداد والمحافظات الوسطى والفرات الأوسط مما تسبب بفقدان منظومة الكهرباء الوطنية 5500 ميغاواط.
وما يزال العراق منذ تسعينيات القرن الماضي يعتمد نظام القطع المبرمج للطاقة الكهربائية جراء تدني مستويات إنتاج الطاقة الكهربائية ويعتمد الأهالي على المولدات الأهلية لسد النقص.
ولسد هذا الفراغ يستورد العراق الكهرباء والغاز من إيران بما يتراوح بين ثلث و40% من احتياجاته من الطاقة، لكنه يواجه صعوبة في سداد ثمن تلك الواردات بسبب العقوبات الأمريكية التي تسمح لإيران فقط بالحصول على الأموال لشراء السلع غير الخاضعة للعقوبات؛ مثل الغذاء والدواء.
وبموازاة ذلك تعول بغداد على مشاريع الربط الكهربائي مع دول الجوار من أجل تأمين إمدادات مستقرة من الطاقة دون الحاجة للوقود لتشغيل المحطات، في ظل عدم استقرار إمدادات الغاز الإيرانية والتي تسببت مؤخراً بفقدان بغداد أكثر من 4 آلاف ميغاواط بسبب شح الغاز وتوقف خطوط الربط مع إيران.
وتضغط الولايات المتحدة على العراق -ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك- لخفض اعتماده على الغاز الإيراني.
ولإيجاد خط بديل أعلن العراق في آب/ أغسطس 2023 عن توقيع اتفاق مبدئي مع تركمانستان لاستيراد الغاز منها لتلبية جزء من احتياجات محطات الطاقة الكهربية في البلاد.