العراق.. مخاوف من "قنبلة" تهدد الزعامات قبيل الانتخابات

شفق نيوز/ مع تحديد مجلس الوزراء العراقي يوم 11 من شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2025 موعداً لإجراء الانتخابات التشريعية، برزت مجموعة من التحديات لنجاح إجراء الانتخابات.
وتنوعت هذه التحديات بحسب ما تحدث به أربعة أعضاء حاليين في مجلس النواب العراقي، وعضو خامس عن الدورة السابقة لوكالة شفق نيوز، بين العزوف الكبير عن المشاركة في الانتخابات خاصة مع استمرار مقاطعة "التيار الوطني الشيعي" - التيار الصدري سابقاً - وغياب الثقة الشعبية في العملية السياسية.
ومن التحديات أيضاً بحسب النواب، هي ما قد تواجهه مفوضية الانتخابات نفسها بسبب انخفاض أسعار النفط وانعكاسها على الموازنة لتأمين متطلبات الانتخابات الفنية واللوجستية، فضلاً عن ضمان بيئة انتخابية عادلة لجميع المرشحين بما فيهم المستقلين، في ظل وجود مساعٍ لتعديل القوانين الانتخابية بما يخدم مصالح "الأحزاب الكلاسيكية".
عزوف كبير
ويعد التحدي الأكبر لنجاح إجراء الانتخابات هو "توقع حصول عزوف كبير خصوصاً إذا ما استمر التيار الصدري بالمقاطعة وإعلان بعض التربويين المقاطعة أيضاً في حال عدم تعديل سلم الرواتب، وربما تتوسع هذه المقاطعة لتشمل فئات الموظفين الآخرين أصحاب الرواتب الضعيفة"، وفق النائب في البرلمان العراقي، والأمين العام لحزب "البواسل"، محمد قتيبة.
وشهدت الساحة العراقية في الأيام الماضية، تظاهرات للكوادر التعليمية وموظفي التربية، في بغداد وعدد من محافظات الوسط والجنوب، وحصل فيها تصاعد كبير، خاصة في محافظة ذي قار التي شهدت صدامات بين المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب، التي قامت بدورها باستخدام العنف ضد المتظاهرين، حسب ما نقل مراقبين للوضع في المحافظة.
من جانب آخر، أعلن زعيم التيار الوطني الشيعي (التيار الصدري)، مقتدى الصدر، أواخر شهر آذار/ مارس الماضي، عدم مشاركته في الانتخابات المقبلة، قائلاً: "ليكن في علم الجميع، ما دام الفساد موجوداً فلن أشارك في أي عملية انتخابية عرجاء، لا هم لها إلا المصالح الطائفية والحزبية".
وغادر الصدر العملية السياسية، في حزيران/يونيو 2022، بعدما سحب نوابه من البرلمان، وقرر حينها عدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة حتى لا يشترك مع من سماهم بـ"الساسة الفاسدين".
وبالإضافة إلى ما سبق، أشار قتيبة، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "الوضع المالي الذي يشهده العراق حالياً سيؤثر سلباً على بعض النشاطات الاقتصادية المهمة لبعض فئات المجتمع ما يؤدي إلى عزوفهم أيضاً، لذلك العزوف هو أكبر تحدي لنجاح الانتخابات المقبلة".
ضرورة حتمية
لكن رغم ذلك، تبقى العملية الانتخابية هي "الطريق الوحيد للتداول السلمي للسلطة بما يحفظ حقوق الجميع"، بحسب عارف الحمامي، النائب عن ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، داعياً "جميع المواطنين والكتل السياسية للاشتراك في الانتخابات المقبلة".
واعتبر الحمامي، خلال حديثه للوكالة، أن "التحدي الأكبر للانتخابات هم الذين يتاجرون بدماء العراقيين وبالمطالب الحقة لبعض الشرائح و(يركبون الموجة)، لذلك في الوقت الذي نعلن فيه التضامن مع المطالب الحقة للتربويين، نخشى من المتسلقين الذين يعتاشون على التلاعب بمشاعر الآخرين والتسلق غير المشروع".
كما وكشف الحمامي، أن "هناك مسموعات على وجود نفس من البعض داخل أو خارج العراق يدعون إلى حكومة طوارئ وإلغاء الانتخابات، وهذا عبارة عن عملية جس نبض، ونعلن رفضنا لهذه الدعوات، فالعراق قادر على تجاوز كل التحديات".
وكان زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، حذر في (7 نيسان/أبريل الجاري)، من أي تأجيل أو إلغاء للانتخابات، مؤكداً هذا الأمر يعني سقوط البرلمان ووضع العراق على منصة "التقسيم والفتنة".
وقال المالكي، خلال كلمة له في مهرجان وفاء الدم أصابع بنفسجية، وحضره مراسل وكالة شفق نيوز، إن "هذه الأيام نسمع كلمات تطلق من البعض، بشأن تأجيل أو إلغاء الانتخابات، لكنها واجب شرعي وإنساني وأخلاقي، وأن الأمة هي من تسيطر من خلال الانتخابات".
يذكر أن الإطار التنسيقي، الجامع للقوى الشيعية، أكد في (7 نيسان/أبريل الجاري)، إصراره على إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة في موعدها المحدد، مشيراً إلى عدم وجود حق لأي جهة في تأجيل الانتخابات أو إلغاء التوقيتات الزمنية لها.
إلى ذلك، كشف مصدر من داخل الإطار التنسيقي لوكالة شفق نيوز وقتها، أن ائتلاف دولة القانون تمسك في الاجتماع بمطالبته في تغيير قانون الانتخابات، وانقسمت قوى الإطار بين مؤيد ورافض، وعمدت إلى الاحتكام للتصويت على التغيير من عدمه، وبالتالي رجحت كفة الرافضين لتغيير القانون.
جملة تحديات
ولا يقتصر تأييد إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة في موعدها المحدد على الإطار التنسيقي فقط، فقد أعلن النائب عن حركة "امتداد"، ضياء الهندي، "الدعم الكامل لإجراء الانتخابات في وقتها المحدد، باعتبارها استحقاقاً دستورياً ومساراً ديمقراطياً لا يمكن التفريط به".
ونبه الهندي، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "التحدي الأكبر لإجراء الانتخابات هو محاولة بعض الأطراف الالتفاف على إرادة الشعب من خلال الطعن بشرعية موعدها، أو السعي لتعديل القوانين الانتخابية بما يخدم مصالحها الضيقة، وليس المصلحة الوطنية".
ورأى أن "ضمان نزاهة الانتخابات، ومنع استخدام المال السياسي، وتأمين بيئة انتخابية عادلة لجميع المرشحين، تمثل تحديات حقيقية يجب أن نكون على أهبة الاستعداد لمواجهتها"، على حد تعبيره.
واتفق النائب المستقل، جواد اليساري، مع ما طرحه الهندي بضرورة ضمان بيئة انتخابية عادلة لجميع المرشحين، حيث قال إن "ما يعيق فرص المستقلين والكتل والأحزاب والقوائم الناشئة هو جعل المحافظة دائرة واحدة وخاضعة لقانون سانت ليغو، ما يمثل هذا التحدي الأكبر لهم، لعدم وجود فرصة إلا في حال المشاركة مع كيانات أو أحزاب أخرى".
وعن تحديات الحكومة في إنجاح العملية الانتخابية، أوضح اليساري، خلال حديثه للوكالة، أن "التحدي الأبرز للحكومة حالياً هو انخفاض أسعار النفط إلى مستوى أدنى ما تم تحديده في الموازنة وهو 70 دولاراً للبرميل، ما يتطلب إعادة كتابة الموازنة بما يتماشى مع الانخفاض الحالي، وهذا ما قد يعرض الموازنة إلى مزيد من التأخير".
"مفاجآت" الزعامات
وفي ظل هذه التحديات، تبرز الصراعات بين الكتل السياسية وسباقها لحصد أكثر الأصوات في الانتخابات، "متناسين أن النتائج تحسمها قناعة الشارع بهم، بحسب القيادي في كتلة "مبادرة"، النائب السابق، كامل نواف الغريري.
ولفت الغريري، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى وجود "رفض من قِبل الشارع لبعض الكتل السياسية التي فشلت في الفترات الماضية، لذلك من المتوقع حصول مفاجآت لبعض الزعامات السنية والشيعية، وسيكون صاحب الحظ الأوفر في الانتخابات لمن كان في خدمة المواطنين".
ورغم معرفة القوى السياسية بهذا، لكن "لا تزال بعض القوى السياسية، تستغل الانقسامات الطائفية والعرقية لتعبئة قواعدها الانتخابية بدل تقديم برامج إصلاحية شاملة"، وفق المحلل السياسي، علي الحبيب، مبيناً أن "هذه الانقسامات تعزز الاستقطاب لهذه الأحزاب الكلاسيكية المهيمنة منذ عام 2003 وإلى اليوم، ما يجعل من الصعوبة تشكيل حكومة توافقية بعد الانتخابات".
ورأى الحبيب، خلال حديثه للوكالة، أن "هذا يجعل غياب الثقة الشعبية في العملية السياسية التحدي الأبرز للانتخابات، وهذا ما تجلى بانخفاض نسب المشاركة في الانتخابات السابقة، لأن الكثير من الناخبين يشعرون أن الانتخابات لا تعكس الإرادة الحقيقية لهم، بل هي عبارة عن تسويات بين الطبقات السياسية".
أما التحدي الآخر لإجراء الانتخابات، فهو - بحسب الحبيب - يتمثل بـ"المفوضية نفسها، منها ضغوط لوجستية وفنية بقضية تحديث سجلات الناخبين، وضمان نزاهة الاقتراع الإلكتروني في ظل وجود تجارب سابقة والجدل حول مصداقية النتائج، والخروقات التي تحصل في العملية الانتخابية".
وزاد بالقول: "كما يرافق هذه التحديات عدم تحديد قانون للانتخابات لغاية الآن، وسط مطالبات من الأحزاب الكبيرة والكلاسيكية بتعديل القانون الحالي، فيما تطالب الأحزاب الصغيرة والناشئة بالإبقاء على القانون، وكل جهة تطالب بما ينسجم مع مصلحتها".
وشهد العراق تشريع ستة قوانين انتخابية منذ عام 2003، آخرها عام 2023 بتصويت البرلمان على قانون "التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم (12) لعام 2018".
وشملت التعديلات الأخيرة إلغاء النظام المعمول به في انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر 2021، واعتمد بموجب النظام الانتخابي الجديد نظام الدوائر المتعددة وقسم البلاد جغرافياً إلى 83 دائرة بدل النظام القديم الذي حدد أن كل محافظة تمثل دائرة انتخابية واحدة.
وأعلنت المفوضية العليا للانتخابات العراقية، الشهر الماضي، انطلاق عملية تحديث سجل الناخبين، فيما أشارت إلى أن عملية التحديث ستستمر لمدة شهر واحد.
وقالت المفوضية على لسان المتحدثة باسمها، جمانة الغلاي، يوم (26 من شهر آذار/مارس الماضي)، إن قرابة 30 مليون شخص يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وكان مجلس النواب العراقي، صوت خلال جلسته الاعتيادية في 13 كانون الثاني/ يناير الماضي، على تمديد عمل مجلس المفوضين في مفوضية الانتخابات، وذلك بعد أن قرر القضاء العراقي، تمديد مدة ولاية أعضاء مجلس المفوضية الدورة الحالية لمدة سنتين.