"السعادة والرعب".. حكايات يهود من العراق والمنطقة
شفق نيوز/ أعادت صحيفة "جيروزاليم بوست" الاسرائيلية تسليط الضوء على قضية اليهود العرب الذي خرجوا او اجبروا على الخروج من بلادهم الأصلية في العالم العربي، وذلك من خلال كتاب جديد تحت عنوان "أصوات السفارديم: الطرد غير المروي لليهود من الاراضي العربية"، بما في ذلك من العراق ومصر ولبنان وغيرها، وكيف نشأ التمييز الطائفي بينهم وبين اليهود الاشكناز الآتين من أوروبا، وكيف ساهمت اسرائيل نفسها في تأجيج مشاعر الخوف بينهم ودفعهم إلى مغادرة بلدانهم العربية.
واعتبرت الصحيفة الاسرائيلية، في تقرير لها، ترجمته وكالة شفق نيوز، ان الكتاب الجديد ينقل أصوات جزء من المليون يهودي من السفارديم الذين عاشوا في وئام في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، الا انهم تركوا كل شيء خلفهم بعد تفجر معاداة السامية.
ولفت التقرير إلى أن عمليات الاستطلاع الاستكشافية تظهر الكثير، من أنقاض كنيس في صنعاء، والمقابر اليهودية المتصدعة في القاهرة، والتي تشهد على المجتمعات التي كانت حافلة بالحياة وتعيش بوئام الى جانب الاصدقاء والجيران المسلمين، الى ان تغير كل شي في العام 1948 ومع إنشاء "دولة اسرائيل"، التي اعتبرها جيرانها العرب بمثابة كيان مغتصب ودخيل في العالم الاسلامي تسبب تأسيسه في تهجير الفلسطينيين الذين يعيشون هناك.
وذكر التقرير أن الدول العربية وشعوبها "ينظرون الآن بكراهية الى مجتمعاتهم اليهودية التي كانت تتمتع بالتقدير فيما مضى، ويحملونها مسؤولية انشاء اسرائيل ويتهمونهم بالولاء للدولة اليهودية الوليدة بدلا من وطنهم الأصلي".
واعتبر التقرير أنه في حين احتضن العالم اللاجئين الفلسطينيين، فقد نشأ جدار دولي من الصمت يتعلق محنة اليهود الذين اضطروا الى على مغادرة الدول التي كانوا قد يطلقون عليها اسم الوطن منذ قرون.
ولفت التقرير إلى أن الكتاب الجديد "اصوات السفارديم" وهو من تأليف هنري غرين وريتشارد ستراسبرغ، يسعى الى ابراز هذه القصص اليهودية بشكل اكبر، ورواية أحداث المرحلة الأخيرة من تاريخ الشرق الأوسط واليهودي من خلال عيون الذين عايشوها.
ونقل التقرير عن جرين، وهو يهودي اشكنازي، وكندي الجنسية، أنه وشريكه المؤلف ستراسبرغ، دفعهما الجهل بتاريخ اليهود فيما بعد طرد اليهود من أسبانيا العام 1492، هو ما دفعهما إلى إصدار الكتاب، بالاضافة إلى محاولة التعرف على اليهود الذين يشكلون اسرائيل الان.
وأشار التقرير إلى أن جرين، بصفته مدير الدراسات اليهودية في جامعة ميامي الأمريكية، سعى الى تعميق وتطوير ابحاثه حول هذه القضية لانتاج كتاب "أصوات السفارديم" لتوحيد تاريخ نحو مليون يهودي كانوا يقيمون فيما مضى ما بين المحيط الأطلسي وبلاد نهر دجلة، الا ان وجودهم كاد يختفي خلال جيل واحد.
ونقل التقرير عن جرين قوله إن "إسرائيل في مرحلة الجيل الاول كانت تحاول أن تبقى على قيد الحياة فقط، ولم تكن تتوفر لها، والولايات المتحدة لم تكن تقدم مساعدات عسكرية واقتصادية لها حتى العام 1968، مشيرا الى أن اسرائيل اعتمدت من اجل بقائها حتى ذلك الوقت على الدعم من الشتات اليهودي.
واوضح جرين ان اسرائيل كانت بحاجة في ذلك الوقت الى مهاجرين وعندما كانوا يأتون بهم، لم تكن لديهم موارد كافية، ولم يكونوا يتكلمون اللغة العبرية، وانما العربية أو لغة اللادينو (الإسبانية اليهودية) او لغات اخرى، بينما كان اليهود الذين أتوا من الهولوكوست (في أوروبا) كانوا يتحدثون الألمانية.
وبالاضافة الى ذلك، فان اليهود الذين أتوا من أوروبا كان يتمتعون بقدر اعلى من التعليم، و يتمتعون بالمهارات التي تحتاجها دولة اسرائيل المحاصرة والمحاطة بالأعداء و الحديثة النشأة، من اجل توحيدها وتوسيعها، مضيفا أن ما بدا كأنه في صالح اسرائيل، بهذه الهجرة، فإن جرين يتحدث عن ظهور "التمييز المؤسسي" حيث كان اليهود الأشكناز هم بمثابة النخبة وكان السفارديم يتم النظر اليهم على انهم من الطبقة الأدنى.
الى جانب ذلك، فإنه مما زاد الطين بلة، كان هناك الخوف من أولئك (السفارديم) الذين يشبهون ويتحدثون بلغة مثل اعداء اسرائيل الذين اقسموا على تدميرها.
واوضح جرين أن "من جاءوا من العالم الأوروبي، بدوا من البيض، إلا أن الذين جاءوا من العالم العربي، يبدون ساميين ويتحدثون العربية، وهو ما خلق نوعا آخر من الخوف منهم.
يهود المنطقة
وقال جرين إن قصص يهود الشرق الاوسط وشمال افريقيا، كانت متشابهة في الشكل، لكن التجارب الفردية كانت متمايزة، بينما وجد يهود المنطقة انفسهم مضطهدين بدرجات متفاوتة، وبأشكال مختلفة وباطر زمنية مختلفة، مشيرا بذلك إلى أن منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا "ليست متجانسة"، وأن سلب اليهود حقوقهم كان يتم بمرور الوقت بطرق مختلفة.
يهود العراق
ولفت جرين الى مثال العراق، الذي انضم إلى مصر وسوريا ولبنان والاردن في إعلان الحرب على إسرائيل مع اعلان نشأتها مباشرة في العام 1948، موضحا ان "العراق اتخذ موقفا بأن اليهود كانوا يلحقون الاذى بالبلد، ولهذا قاموا بنزع الجنسية عنهم، وسلب ممتلكاتهم، فيما قتل العديد من اليهود وجعلوا حياتهم غير قابلة للاحتمال".
وبالاضافة الى ذلك، يقول جرين ان "الحكومة الاسرائيلية قامت بعمليات سرية لتعزيز الخوف من اليهود هناك لانهم كانوا بحاجة الى مهاجرين لإسرائيل"، مضيفا ان وقد ادى هذا الخليط الى مغادرة 150 الف عراقي بين عامي 1950-1951.
كما يتحدث جرين عن التفجيرات التي استهدفت يهود بغداد في تلك السنوات والتي حمل البعض مسؤوليتها الى اسرائيل من اجل ان تحفز اليهود على الهجرة إلى إسرائيل، برغم أن السلطات الإسرائيلية نفت باستمرار تورطها بمثل هذه الهجمات.
ولفت الى ان هذه التفجيرات سبقها مباشرة عملية اسرائيلية لنقل يهود العراق جوا شملت حوالي 130 ألف يهودي عراقي الى عبر إيران وقبرص.
ويتناول التقرير قصة البريطاني ديفيد دانغور الذي ولد عام 1948، وكان يعيش مع عائلته في بغداد حتى انتقل بهم والده السير نعيم دنغور الى بريطانيا في العام 1959، مشيرا الى ان نسب هذه العائلة يمتد لقرون لكن ذلك لم يمنع تعرضهم للاضطهاد فيما بعد انشاء اسرائيل.
ونقل التقرير عن ديفيد دانغور قوله إنه كان "لدى أبي سجلات تتعلق بثمانية اجيال على الاقل، تعود الى نسيم دانغور المولود في حوالي العام 1700"، مشيرا الى ان والده، كان رجل اعمال مشهورا في وطنه الاصلي وثاني أكبر رجل يحصل على لقب فارس في بريطانيا، وكان حفيد الحاخام الاكبر في بغداد عازار روبن دانغور وابن الياهو دانغور، الذي كان في وقت من الاوقات أبرز حاخام في العالم والذي يقوم بطباعة الكتب باللغة العربية.
وأشار ديفيد داغور الى ان والده بعد خروجهم من العراق حاول الاستمرار بأعماله في العراق لكن ذلك كان مستحيلا بحلول العام 1963 حيث خسر جنسيته وصودرت جميع أعماله لصالح الحكومة العراقية.
إلا أن ديفيد دانغور، المقيم حاليا في لندن، يقول إنه لا يكن أي عداء تجاه شعب العراق، مشيرا إلى انهم عانوا من تاريخهم المضطرب. واوضح "اشعر بنوايا طيبة تجاه الشعب العراقي واتمنى ان يجدوا السلام والاستقرار، وأن يعترفوا بمواطنيهم اليهود السابقين".
وتابع قائلا ان "العديد من العراقيين، وخصوصا الاكثر تعليما واصحاب الميول الغربية، يعبرون بشكل دائم عن مشاعر حنين تجاه اليهود الذين يشعرون بأن العراق خسرهم".
وبحسب ديفيد، فان الجوانب الثقافية العراقية ما زالت موجودة في حياته، وهي صفات نقلها الى الاجيال الشابة المتمثلة بأهمية الاسرة والمجتمع والتقاليد.
كل شيء تغير
وذكر التقرير انه اليهود في مصر شعروا أيضا بوجود الكراهية ضد إسرائيل بين المصريين خاصة بعد تجريدهم من حقوقهم. واعتبر جرين أن الأمور تدهورت اكثر بعد تولي جمال عبدالناصر الحكم 1956 حيث "تغير كل شيء".
وتناول التقرير قصة اليهودي من أصول مصرية ديفيد شامة الذي في القاهرة في العام 1945 وترعرع في الاسكندرية، حيث يقول إن عائلته كانت جزءا من النخبة المصرية بعاداتها الغربية، إلا أن المكانة الرفيعة لم تنقذ عائلة شامة من الاضطهاد.
ولم يعد ديفيد شامة، المقيم حاليا في كندا، يحب مصر والمصريين، ويقول ان احدا لم يقف الى جانبهم عندما تم اعتقال والده واتهامه بالتجسس لصالح اسرائيل وانجلترا، مضيفا انه جرى سلبهم كل ما يملكونه، وسجن كجاسوس بريطاني واسرائيلي، وتعرض للتعذيب بينما كان هو وامه واخته محتجزين في منزلهم في الاسكندرية تحت الإقامة الجبرية.
بيروت
وذكر التقرير بانه بخلاف دانغور وشامة، فإن ايدي كوهين حلال، والذي ولد في بيروت، فلم يغادر لبنان سوى في العام 1990 عن عمر يناهز 17 عاما، أي بعد مرور عقود على إنشاء إسرائيل، وهي الدولة التي يعيش فيها حاليا. لكن جذور عائلته في لبنان يمتد لاجيال.
وقال حلال "كنا موجودين في لبنان لما لا يقل عن 120 عاما، ونتحدث العربية في المنزل، وأنا نشأت في بلد عربي، وذهبت الى مدرسة عربية، وتحدثت العربية مع اصدقائي وجيراني".
ولانه من مواليد العام 1990، فإن حلال لم يعايش الحرب الاهلية عندما كان لبنان يدمر نفسه بنفسه، كما لم يكن يعيش في لبنان عندما كان يوصف بأنه سويسرا الشرق الاوسط، الا ان عائلته ظلت هناك حتى ظهور حزب الله، الذي اصبح الان احد اقوى الكيانات السياسية في لبنان، والذي وضع أنظاره على والده.
وبحسب حلال فإن الطائفة اليهودية عانت من معاداة السامية، وفي العام 1985 بدأ حزب الله في القيام بعمليات خطف طالت اليهود ومن بينهم والده، مشيرا الى ان الحزب قتل 11 يهوديا لبنانيا بما في ذلك والده،. وقال "هي اللحظة التي شعرنا فيها بضرورة الرحيل. لا يمكنك البقاء في بلد تتعرض فيه للاضطهاد".
ومع ذلك، فإن حلال يشير الى ان ذكريات طفولته باقية، لكنه يأسف لان زيارته الى البلد الذي ولد فيه صعبة التحقق بسبب الصراع المستمر مع إسرائيل. وقال ان "لبنان سيظل خطرا على اليهود".
ويلخص حلال ما جرى مع يهود المنطقة بعد انشاء دولة اسرائيل، بانه "تطهير عرقي حيث كان من المستحيل ان تكون يهوديا في بلد مسلم خلال القرن العشرين". الا ان حلال لا يتراجع عن وصف نفسه بأنه يهودي عربي، على عكس بعض الذين ولدوا في الدول العربية و اجبروا على الفرار منها. وأوضح حلال "لسنا مسلمين، لكننا يهود من أصول عربية". "هناك أشخاص لا يحبذون هذا المصطلح، لكني اشعر بالراحة تجاهه لانها الحقيقة من وجهة نظري".
وختم التقرير بالاشارة الى انه في منطقة بلغ فيها عدد اليوم نحو مليون إنسان، فان الارقام الاكثر تفاؤلا تتحدث عن استمرار وجود 23 ألف يهودي فقط.