الزراعة "تتغنى" بنقاط إيجابية في عملها وخبراء يردون بـ 3 نقاط سلبية: الموسم المقبل سيكون الحكم
شفق نيوز/ أعلنت وزارة الزراعة العراقية، اليوم الجمعة، تصاعد عمليات إنتاج المحاصيل الزراعية وتصدير بعضها للخارج رغم أزمة الشح المائي الذي يشكل "التحدي الأول" لإدامة واستمرار وتطوير الواقع الزراعي في العراق، وفيما تبين أن أبرز ما قامت به هو التوجه نحو الصحراء واستغلال المياه الجوفية واعتماد الري بالتنقيط وزراعة الرز العنبر، يؤكد خبراء زراعيون أن "القطاع الزراعي يعاني تدهوراً كبيراً والجفاف يهدد الموسم المقبل".
وأصبح العراق خلال السنوات القليلة الماضية من أكثر خمس دول تأثراً بتغير المناخ في العالم، ما أدى إلى جفاف 70% من الأراضي الزراعية، ونزوح سكانها إلى مناطق حضرية للعيش، كما جفت الأهوار وتراجعت مناسيب الأمطار.
رافق ذلك سوء إدارة الحكومات المتعاقبة لأزمة المياه، وعدم اتخاذ إجراءات تتصدى لإنشاء دول المنبع، مثل تركيا وإيران، سدوداً أثرت بشكل واضح في الخزين المائي، ومن ثم في الخطة الزراعية التي تعتمد جذرياً على الوفرة المائية.
وأكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في شهر آذار/مارس 2023، أن سبعة ملايين عراقي تضرروا بسبب التغير المناخي.
معالجات للتعامل مع الشح المائي
يقول المتحدث باسم وزارة الزراعة، محمد الخزاعي، لوكالة شفق نيوز، إن "الوزارة وضعت معالجات عدة للتعامل مع أزمة الشح المائي الذي يشكل التحدي الأول والأكبر لإدامة واستمرار وتطوير الواقع الزراعي في العراق".
ومن هذه المعالجات يذكر الخزاعي لوكالة شفق نيوز، "التحول نحو الأراضي الصحراوية التي يتم الاعتماد فيها على المياه الجوفية، وكانت خطط الدعم لخطة الاستزراع الشتوي الخاصة بالحنطة 4 ملايين دونم، وهي مساحات كبيرة لتعويض المساحات التي تروى سيحاً بشكل مباشر من مياه الأنهار".
ويضيف الخزاعي، "كما أن مشروع الوزارة الأول ومشروع الحكومة الأهم هو التحول نحو تقنيات الري الحديثة، وتم اتخاذ خطوات على أرض الواقع، منها تخصيصات مالية كبيرة لشراء المرشات، حيث بلغت التعاقدات مع وزارة الصناعة 133 مليار دينار، و250 مليار دينار إعلان 9 مناقصات لتجهيز وزارة الزراعة بالمرشات، وبحدود 300 مليون يورو قرض مقدم من شركة باور النمساوية لشراء أكثر من 6 آلاف مرشة محورية".
و"بدأت وزارة الزراعة بموجب العقد مع وزارة الصناعة بالتجهيز عن طريق القرعة في عدة محافظات منها نينوى والأنبار والنجف وكربلاء وديالى وكركوك، وأن المشروع مستمر ويتصاعد حسب نسب التجهيز للوزارة"، بحسب الخزاعي.
وكانت وزارة الزراعة أعلنت في حزيران/يونيو 2023، عن توفير قروض معفاة من الأرباح والفوائد تمتد فترة تسديدها إلى 5 سنوات، مخصصة للفلاحين الراغبين بشراء منظومات ري حديثة لأراضيهم الزراعية.
وعن إنتاج المحاصيل الزراعية، يوضح الخزاعي أن "الكثير من المحاصيل تم الاكتفاء منها وأصبح فيها فائض، وتم تصديرها إلى الخارج منها الطماطم والخيار والبطاطا والبصل - في وقت الذروة - والتمور والأعلاف".
ويتابع، "كما هناك زيادة في إنتاج محاصيل أخرى ساهمت في تقليل الاستيراد حتى في مجال الفواكه، وهذا يدل على تصاعد عمليات الإنتاج نتيجة الجهود التي تبذلها وزارة الزراعة والدوائر المرتبطة بها وجهود الفلاح والمزارع العراقي".
وفيما يتعلق بزراعة الرز العنبر، يبيّن الخزاعي، أن "محطة أبحاث المشخاب نجحت في استزراع هذا الصنف المهم واستنباط صنفين جديدين رز الغري والياسمين عبر زراعتهما بطرق الري الحديثة باستخدام المرشات، ما يفتح الباب لتعميم هذه التجربة في الموسم المقبل، وإعادة زراعة هذا الصنف على شكل واسع في محافظات النجف والديوانية والمثنى".
وكان وزير الزراعة، عباس جبر المالكي، أعلن في 5 كانون الثاني الجاري، نجاح زراعة الأرز صنف "الغري" باستخدام نظام السقي بالمرشات في قضاء المشخاب أو ما تُسمى بـ"مدينة العنبر" ضمن محافظة النجف.
وكانت وزارة الزراعة العراقية قد اتخذت قراراً بمنع زراعة الأرز في موسمي 2022 و2023 على التوالي بسبب أزمة المياه التي نتجت عن قلة الإمدادات المائية الواردات إلى نهري دجلة والفرات وتراجع سقوط الأمطار بسبب أزمة الجفاف التي تمر بها المنطقة والعراق على وجه الخصوص.
وأقرّت وزارتا الزراعة والموارد المائية، خطة زراعية للموسم الشتوي، تعتبر هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد، عبر الاعتماد على المياه الجوفية بشكل رئيسي في تأمين مياه السقي، وسط تحديات كبيرة تتعلق بإمكانية الدولة تأمين منظومات السقي الحديثة التي باتت تبيعها للفلاحين بأسعار مدعومة، وفقاً لخطة تهدف إلى تقليل استهلاك المياه ومغادرة طريق الري القديمة.
وحسب بيانات رسمية حديثة، فإن خطة الموسم الزراعي في عموم مدن العراق للموسم الشتوي 2023/ 2024، تعتمد على زراعة 5.5 ملايين دونم فقط، وستكون مساحة الزراعة بالاعتماد على المياه السطحية (نهري دجلة والفرات) بمقدار 1.5 مليون دونم، بينما ستكون المساحة المزروعة بالمياه الجوفية، نحو 4 ملايين دونم.
ويمتلك العراق 5 ملايين متر مكعب من المياه الجوفية المتجددة أي التي يمكن تعويضها من الأمطار، فضلاً عن الخزين الاستراتيجي غير المعلوم الكمية إلا أنه عند استخدامه لا يمكن تعويضه.
3 أسباب للتدهور الزراعي
من جهته، يشير الخبير الزراعي، عادل المختار، إلى أن "القطاع الزراعي العراقي يعاني من تدهور كبير وصل إلى مرحلة خطرة في ظل الظروف الحالية من أزمة المياه، وتكلفة الإنتاج العالية التي لا تنافس المستورد، والتسويق الزراعي".
ويوضح المختار لوكالة شفق نيوز، كما أن "الطرق التي يعتمدها العراق منذ سنوات من دعم الفلاحين والمزارعين ومنع الاستيراد، هي طرق عديمة الفائدة، لأن أي متغير في السوق سوف يتسبب بالخسارة للقطاع الزراعي".
ويتابع، "ونتيجة لهذه العوامل الثلاثة، هناك تدهور لقطاعات كثيرة، منها توقف تربية الأبقار، وتعثر الزراعة وعدم توسعها بسب التسويق الزراعي، وأيضاً تعطل الطائرات الزراعية منذ سنوات، وتعثر الإرشاد الزراعي وعدم ممارسة دوره الحقيقي، كما أن البساتين تعاني من وضع متردي خاصة البساتين القديمة التي تعتمد على طرق الري التقليدية في ظل أزمة المياه".
ويحذّر المختار، بأن "الجفاف قد يستمر لسنوات مقبلة في ظل توقعات تشير إلى أن الصيف المقبل هو الأسوأ في تاريخ العراق، ما سيلقي بظلاله على القطاع الزراعي وسيؤدي إلى هجرة الريف نحو المدينة".
وأجبرت "حرب المياه" التي تشنها "الطبيعة" ودول المنبع التي تزود العراق بمصادر المياه، على مغادرة آلاف العوائل مناطق سكناها والنزوح نحو المدن للعمل في مهن أخرى غير الزراعة وتربية الحيوانات بسبب الجفاف وندرة المياه.
وكان المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين، علي عباس جهانكير أوضح، في تشرين الثاني 2023، إن "العراق ضمن الدول التي تأثرت بظاهرة التصحر، فضلاً عن قلّة الموارد المائية من دول الجوار لحوضي نهري دجلة والفرات، وكان الضرر الأكبر من نصيب المناطق الجنوبية وبعض مناطق الفرات الأوسط".
وأوضح جهاكير لوكالة شفق نيوز، أن "ظاهرة التصحر نتج عنها نزوح أعداداً كبيرة من العوائل التي كانت تعتاش على الزراعة والرعي، وما مُسجّل في قاعدة البيانات من أسماء يتجاوز 7 آلاف عائلة من محافظات (البصرة، وذي قار، وميسان)، وهؤلاء نزحوا مضطرين إلى مناطق قريبة من المدن".