الإنسان العراقي.. حروب وأزمات مستمرة تدخله مرحلة "الانفجار النفسي"

الإنسان العراقي.. حروب وأزمات مستمرة تدخله مرحلة "الانفجار النفسي"
2025-03-31 08:29

شفق نيوز/ يُعاني الإنسان العراقي من حروب وأزمات دائمة، فلا يمرّ يوم إلا ويسمع خبراً سيئاً، سواءً على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الدولي لكن تداعياته قد تطال العراق أيضاً بطريقة أو بأخرى، ما يؤثر على حياته اليومية.

وفي ظل الحروب والأزمات، تعرض الإنسان العراقي لضغوطات نفسية واقتصادية واجتماعية، حيث يعاني من الفقر والبطالة، ويخاف من عدم الاستقرار الأمني، كما يعاني من مشاكل صحية ناتجة عن سوء الظروف المعيشية والبيئية.

حروب وأزمات متتالية

وخاض العراق على مرّ تاريخه الموغل في القِدم العديد من الحروب والمعارك، فيما شارك جيشه على مدار تاريخه البالغ نحو مئة عام منذ تأسيسه سنة 1921، في خمس حروب نظامية كبرى، فيما تسببت الحرب الأخيرة عام 2003 بانهيار أمني وانتشار الإرهاب. 

كما أن الأزمات الداخلية لها تأثيرات نفسية على الإنسان العراقي، وتعتبر البطالة والفقر والفساد من أكثر التحديات الاقتصادية إلحاحاً، ما تجعله يعاني من الشعور باليأس والاكتئاب، ويخاف من المستقبل، كما يعاني من مشاكل في العلاقات الاجتماعية ناتجة عن التوترات والخلافات السياسية والدينية.

وبنظرة سريعة على الأزمات الحالية، يلاحظ بروز تحديات كثيرة داخلية وخارجية، بينها المخاوف من الصيف المقبل واحتمالية تفجر قلّة تجهيز الكهرباء أزمة في البلاد، وتراجع أسعار النفط ما يهدد تأمين رواتب الموظفين، فضلاً عن الجانب الأمني الممثلة بالمخاوف من عودة داعش وتعرض البلاد لقصف إسرائيلي وغير ذلك. 

"ما تجعل الإنسان العراقي يمر بحالة نفسية صعبة في ظل هذه الظروف، وإلى جانب قلّة الخدمات والتعليم والصحة وغيرها أمور كثيرة، يظهر واضحاً تخوفه مما تخبئه له الأيام المقبلة والمستقبل، بحسب المحلل السياسي"، عبدالله الكناني.

"خاصة مع التهديدات الأمريكية المتصاعدة لإيران، أو داعش في سوريا، وحتى ما يحدث في اليمن، فهو يؤثر على العراق وسط محاولات لجرّه في الصراعات الإقليمية"، وفق ما يقوله الكناني لوكالة شفق نيوز.

ويشير إلى أن "العراق محاط بدول غير مستقرة بشكل كامل، ما يثير قلقه، ففي سوريا هناك توترات كثيرة، وإيران تواجه تصعيداً مع أمريكا، فيما تسببت هتافات الجمهور الأردني مؤخراً بشبه مشكلة مع العراق، وكل ذلك لها تأثيرات نفسية على الإنسان العراقي، فضلاً عن التأثيرات القديمة التي يحملها وخاصة من الحروب السابقة".

ويشرح الكناني، أن العراق خاض حروب كثيرة من حرب فلسطين عام 1948، وحرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 عندما أوقف العراقيون الهجوم الإسرائيلي على دمشق، إلى المشاركة بالحرب الأهلية في لبنان عام 1976، والحرب العراقية - الإيرانية عام 1980، وغزو صدام للكويت عام 1990 وعملية عاصفة الصحراء التي تلته، والحرب الأمريكية عام 2003، ومحاربة تنظيم داعش عام 2014.

وإلى جانب تلك الحروب، يضيف الكناني، أن النظام السابق شن حملات ضد الكورد في إقليم كوردستان واستهدف حلبجة ومناطق عديدة بهجماته وارتكب عمليات قتل جماعية تسببت مع تلك الحروب السابقة بخلق أجيال يعانون من فقد عائلاتهم.

ورغم أن تلك الأجيال كانت متعبة ومرهقة، يؤكد الكناني، أنها لم تفقد الأمل بمحاولة النهوض من جديد، لكن الظروف القاسية اللاحقة كان لها رأي آخر، ما جعل الإنسان العراقي يصل أحياناً إلى مرحلة "الانفجار النفسي" لعدم قدرته على التحمل أكثر.

الصدمات النفسية

وهذا ما توضحه أخصائية الصحة النفسية، الدكتورة سوزان حسين، بأن آثار الحروب والصراعات المسلحة لا تقتصر على القتلى والجرحى فحسب، بل تمتد حتى على الناجين الأسوياء من تلك الحروب، ومن مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية.

وتشرح حسين لوكالة شفق نيوز، أن الحروب تعتبر نوعاً من الضغوط النفسية التي يتكبدها الفرد، وتتشكل بهيئة صدمات نفسية تخزن في اللاشعور بعد تجاوز تلك الضغوط ومرور الوقت عليها، وهي ما يعرف باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).

وتعتبر الصدمات النفسية - وفق حسين - هي المولد الرئيس لكثير من الاضطرابات والمشكلات النفسية والأمراض الجسدية التي تتشكل جراء ذلك الضغط والصدمة المتمثلة بالحزن والأسى النفسي.

وتؤكد، أن الفقد والقلق والخوف الذي تتعرض لها الشعوب تترك آثاراً سلبية على الفرد والمجتمع، فتولد ثقافات سيئة كالانسحاب الاجتماعي والحزن والشعور بالوحدة والاكتئاب النفسي الناتج عن الفقد والتهجير والتجويع والانقسامات الديموغرافية التي يشهدها المجتمع الذي تعرض للعنف والتعسف.

وتبين حسين، أن الشعوب التي تتعرض للتجويع مثلاً، تكون أرضاً خصبة لنشوء ظواهر اجتماعية كالسرقة والرشوة والفساد الإداري جراء العوز المادي، كما أن الأسر التي تعرضت للفقد لاسيما الأبوين تُمسي ربما أسراً غير ناجحة جرّاء غياب دور المسؤول والقائد فيها. 

وتؤكد الدراسات النفسية، ما طرحته حسين، بأن التعرض المستمر للصراعات المسلحة يُسهم في ارتفاع معدلات الاكتئاب، والقلق، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وهي اضطرابات لا تقتصر آثارها على الأفراد فقط، بل تمتد إلى النسيج الاجتماعي ككل، بحسب أستاذ التاريخ في الجامعة المستنصرية، محمد جاسم العبيدي.

معالجة التداعيات

ولمعالجة هذه التداعيات، يؤكد العبيدي لوكالة شفق نيوز، على أهمية اعتماد استراتيجيات متعددة المستويات تشمل التدخلات النفسية الفردية، إضافة إلى التدخلات الجماعية تقوم بها المؤسسات التعليمية، كما أن تعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي يُعدّ عاملاً جوهرياً في تخفيف الآثار السلبية للحروب. 

"حيث تُشير الأدبيات البحثية، إلى أن التنمية المستدامة والاستقرار السياسي يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بتحسن الصحة النفسية للمجتمعات المتأثرة بالنزاعات"، يقول العبيدي.

وبناءً على ذلك، فإن معالجة آثار الحرب تتطلب مقاربة شمولية تجمع بين الأبعاد النفسية والاجتماعية والسياسية، من أجل الحد من التأثيرات السلبية للحروب وإعادة بناء مجتمع أكثر استقراراً ومرونة في مواجهة الأزمات المستقبلية.

وهذا ما يسعى إليه العراق في الوقت الحاضر، "خاصة في الموقف الحكومي إزاء الاضطرابات الإقليمية الحالية التي عبّر فيها عن رؤية متزنة إلى حد ما، بعدم الانخراط والانجرار مع أي طرف، والحفاظ على المصلحة الوطنية أولاً"، وفق الباحث والأكاديمي، عبد الستار جبار.

ويؤكد جبار لوكالة شفق نيوز، أن "الموقف العراقي هذا نابع من التجربة المريرة التي شهدها العراق بعد التغيير في مواجهته للتحديات الإرهابية والطائفية، وبالتالي فأن هذا الرهان على حكمة التجربة الواقعية هو الذي ينبغي الالتزام به من قبل الحكومة والطبقة السياسية والرأي العام الوطني".

00:00
00:00
Shafaq Live
Radio radio icon