الإلهام من نون النسوة.. قصص نجاح ودور قيادي لنساء العراق
شفق نيوز/ رغم التحديات التي تواجه تبوء المرأة العراقية مواقع قيادية، إلا أنها استطاعت تمثيل مناصب قيادية عليا كانت حكراً على الرجال لعقود من الزمن، وما أوصلها إلى هذه المواقع إلا إصرارها على تحقيق النجاح وتجاوز المعوقات الثقافية والمجتمعية السائدة.
والعراق مجتمع ذكوري، يعطي الحق في القيادة للرجل أكثر من المرأة، فضلا عن الانطباعات السلبية التي يملكها قسم كبير من البشر حول إمكانية المرأة للقيادة، ولطالما سمعنا كلاما مثل: "لا تليق القيادة إلَّا بالرجال"، و"المرأة كائن عاطفي لا يمكنه إصدار قرارات حازمة"، و"لا تستطيع المرأة الفصل ما بين عملها ومنزلها"، وغيرها الكثير من الجمل التي تحجّم من طاقات المرأة وتحدها، ولا تعترف بما تمتلكه من ملكات ومهارات إنسانية.
ذلك، بالرغم من أن العراق سابقاً سجل مثلاً أول قاضية من المنطقة العربية، للكوردية الفيلية زكية اسماعيل حقي، وأول وزيرة لنزيهة الدليمي.
ويعزو مختصون إلى انخفاض تولّي المرأة للمناصب القيادية، إلى التمثيل غير المتكافئ للمرأة في المراكز الإدارية العليا، وضعف الآليات اللازم توافرها لتمكين دورها القيادي في بناء المجتمع، كما أن المنطقة العربية عامة والعراق خصوصا تعد الأقل في العالم بمجال مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية، ولكن هذا الأمر لا يمنع وجود نساء عراقيات قياديات ناجحات، استطعن إثبات انفسهن وقدراتهن أمام المجتمع.
وللتعرف أكثر على قصص نجاح ملهمة لعراقيات أحرزن تقدما في مجتمعهن، أجرت وكالة شفق نيوز حوارات مع ثلاث شخصيات نسوية من محافظات مختلفة، شاركن قصة نجاحهن والطريق الذي سلكنه في سبيل تحقيق ذلك بعد سلسلة من المعوقات والكثير من الصعاب.
سروة محمد رشيد
كارثة عائلية
سروة محمد رشيد، (41 عاما) من محافظة السليمانية/ قضاء كلار، متزوجة وأم لثلاثة أولاد، حاليا عضوة مجلس النواب العراقي عن كتلة الاتحاد الوطني الكوردستاني، مرّت سروة في فترة طفولتها بظروف عصيبة، حيث استشهد والدها عام 1984 في منطقة حلبجة، وكانت حينها تبلغ من العمر 6 سنوات، وبعد تلك الكارثة العائلية عادت إلى كلار وتوارت مع عائلتها المكونة من (أم و5 أطفال) عن الأنظار حتى انتفاضة 1991.
سروة تحدثت لوكالة شفق نيوز، عن مرحلة دراستها وعملها بعد حرمانها من أبيها والذي لا يزال لم ينشئ له قبراً حتى الآن لرفض النظام السابق تسليم جثمانه إليهم.
وبعد الانتفاضة، أشارت سروة، إلى أنها "أكملت دراستها وحصلت على درجة البكالوريوس في القانون بفضل أمّها، وعيّنت معاون قضائي في محكمة بداءة كلار لمدة 3 سنوات ونصف السنة، بعدها محققة في المحاكم، ثم طلب منها الحزب أن تكون مديرة ناحية كلار (رئيسة وحدة إدارية) في عام 2005، وكانت حينها أول مديرة ناحية بمحافظة السليمانية.
"الرجل لم يستطع أن يفعل شيئا فكيف بامرأة!"، هذا ما كنت اسمعه عند تسنمي للمنصب تقول سروة، وتضيف "لكني بذلت جهودا كبيرة حتى أثبت أن المرأة ناجحة في الإدارة، واستمر عملي حتى عام 2019، وفي الانتخابات الأخيرة حصلت على أكثر الأصوات في حزبي كامرأة، فلم أصل إلى البرلمان بالكوتا، بل كان صوتي كصوت الرجال".
ووفقا للكوتا، فإن حصة النساء هي 83 مقعدا من المجموع الكلي لمقاعد البرلمان البالغة 329، إلا أن طبيعة قانون الانتخابات الذي قسّم العراق إلى دوائر انتخابية متعددة، واشترط أن تفوز في كل دائرة امرأة واحدة على الأقل، زاد من حظوظ النساء اللواتي حصلن على أكثر من 29 بالمائة من عدد المقاعد الكلي.
وتوصلت دراسة استطلاعية - مكونة من 47 رجلا قياديا في مؤسسات الدولة - أجريت عام 2013 للتعرف على التحديات التي تواجه تبوء المرأة العراقية في المواقع القيادية من وجهة نظر أصحاب القرار السياسي، إلى اتفاق ما يقارب نصف عينة الدراسة على أن المجال الذي أبدعت فيه المرأة العراقية هو المجال الأسري بنسبة 40% والاقتصادي بنسبة 38% والاجتماعي 21%.
وبلغت إجابات 57% من العينة المبحوثة بأنهم غير مقتنعين بنسبة تمثيل المرأة في البرلمان والبالغة 25%، بينما أيد 21% من العينة هذه النسبة، في ما شكلت ثقافة المجتمع بنسبة 68% أهم التحديات التي تواجه تبوء المرأة في المواقع القيادية ثم تحدي الوضع الأمني بنسبة 51% والحافز المجتمعي 44% ثم الحافز الأسري بنسبة 42%.
محاربة مجتمعياً
وتطالب ناشطات في حقوق المرأة بضرورة منح المرأة مناصب قيادية في الحكومة المقبلة، والعمل على تجاوز المعوقات التي تحد من قدرتها على قيادة العمل والمشاركة في بناء المجتمع.
وفي هذا الجانب، ذكرت الباحثة الاجتماعية، وسن محمد، أن "المجتمع يحارب المرأة ويرفض فكرة أن تتبوأ منصبا قياديا، على اعتبار أنها ضعيفة تحكمها عاطفتها، وهذا ما نلاحظه بشكل خاص في المناطق الوسطى والجنوبية، على خلاف المناطق الشمالية التي فيها فسحة أكبر في قيادة العمل".
وروت وسن، لوكالة شفق نيوز، عن تجربة شخصية خاضتها بالقول "كنت أعمل في مجال الإعلام في إحدى المحافظات الوسطى، وعرض عليّ منصب مديرة لإحدى الإذاعات المحلية، لكن عائلتي رفضت ذلك بسبب الأعراف والتقاليد المجتمعية"، معربة عن تمنيها بأن تتغير نظرة المجتمع الحالية إلى نظرة ايجابية تمكّن المرأة في مجال العمل.
ويبلغ عدد النساء العراقيات في مواقع اتخاذ القرار في عام 2000 حوالي 400 امرأة من مجموع 4102 موقع قيادي يشكل نسبة 98% مقارنة بالمواقع القيادية التي يشغلها الرجل، بحسب دراسة بعنوان (المرأة القيادية ودورها في بناء المجتمع)، وأشارت الدراسة إلى أن هذه النسبة بدأت تتصاعد مع مرور السنوات وأصبحت المرأة تشكل الدور الأساسي في قيادة المناصب الإدارية والمشاركة في بناء المجتمع.
وبينّت أن نجاح كفاءة المرأة في تولي المناصب الادارية يعتمد على أهمية الادارة الفعالة بنجاح أو فشل المؤسسة في تحقيق أهدافها، وأن نجاح القائد بالقيام بالدور القيادي يتوقف على قناعة ورضى الأفراد الذي يمارس قيادته عليهم، وذلك وفق الأسلوب الديمقراطي المتاح له.
وفي هذا المجال، يؤكد علماء النفس والإدارة أن مبدأ التعامل الايجابي مع الآخرين هو أحد مقومات نجاح النساء في عملهن وتفوقهن الوظيفي، وأن النجاح في العمل ووصول المرأة القيادية يرتكز على أساسين هما الوعي الذاتي وقوة الشخصية.
رسمية عريبي
أول مديرة مستشفى
رسمية عريبي، طبيبة استشارية لأمراض النسائية والتوليد، بدأت العمل في مستشفى الزبير كطبيبة اختصاص في عام 1991، ثم تدرجت في العمل الوظيفي داخل المستشفى من مديرة القسم الفني إلى معاونة مدير الأجنحة الخاصة ثم رئيسة قسم ومعاون مدير، وفي سنة 2015 أصبحت مديرة مستشفى ابن غزوان لأمراض النسائية والتوليد في البصرة ولا تزال حتى هذا اليوم.
"العمل في مستشفى ابن غزوان أصعب حتى من المستشفى التعليمي والجمهورية"، تقول رسمية لوكالة شفق نيوز، وتعزو ذلك إلى أن "أغلب كوادر المستشفى من النساء، وكذلك معظم المراجعات هن من النساء والأطفال ويعانون من أمراض خطيرة، كما أن المستشفى يتميز عن باقي المستشفيات بأنه طوارئ من باب الدخول إليه وصولا إلى صالة العمليات والخدج".
وأضافت: "نتيجة لخبرتي الإدارية أعلم كل نقاط الضعف والقوة في المستشفى، واحاول ضبط سياقات العمل من لحظة دخول المريض وكيفية التعامل معه بدبلوماسية وحكمة حتى خروجه من المستشفى معافى"، مشيرة إلى أن "البصرة لم تشهد منذ 40 - 50 سنة مديرة مستشفى لحد تسنمي الإدارة عام 2015 وإلى الآن، وأن مستشفى ابن غزوان يعد الأول من بين المستشفيات بناء على تقييم العمل فيه، ولذلك رشحت سابقا لمنصب مديرة عام صحة البصرة".
ويحدد مختصون صفات المرأة القيادية، بأنها تلك التي تمتلك رغبة كبيرة في التغيير، كما أثبتت الدراسات تفوُّق المرأة على الرجل من الناحية الإبداعية، وأنها أكثر إيجابية وقدرة على البحث عن أدق التفاصيل، وكذلك اهتمامها بمشاعر الآخرين حيث تتعاطف مع من تشعر أنه بحاجة إليها وخصوصا في الحالات الطارئة كالمرض أو الوفاة أو أي ظروف قاسية يمر بها أي من العاملين تحت إدارتها وإشرافها.
نوخشه ناصح
حاكمة حلبجة
أما نوخشه ناصح، من مواليد حلبجة (منطقة هورامان)، متزوجة ولديها ابنتان 20 سنة و18 سنة، تحدثت نوخشه للوكالة، عن كيفية اختيارها لمنصب قائمقام حلبجة بالقول: "تخرجت من كلية قانون وتوظفت في مديرية الاسايش العامة في محافظة السليمانية عام 1997، بعدها دخلت الكلية العسكرية، ثم احببت تغيير عملي لذلك قدمت طلبا في عام 2008 لأصبح مديرة ناحية بيارة - على الحدود العراقية الإيرانية - وبالفعل تمكنت من الحصول على المنصب رغم المنافسة الشديدة عليه، وبقيت في المنصب من 2008 إلى 2012 رغم التعجب الذي كنت الاحظه من الرجال لخطورة المكان الذي كنت أعمل فيه".
وتابعت: "بعدها احببت أن اكون قائمقام حلبجة كونها مدينة الشهداء، وكان هناك رجال منافسون على المنصب أيضا، لكن تم اختياري وأصبحت قائمقام حلبجة منذ 2016 ولغاية الآن"، مشيرة إلى أن "مجتمع حلبجة متقبل أن تحكمه امرأة، وذلك لأن حلبجة قبل 100 سنة كانت تحكمها امرأة أيضا تدعى عديلة خانم، لذلك هناك خلفية لحكم المرأة في حلبجة ولم يكن غريبا عليهم، لكن هناك صعوبات بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسية في البلاد، ونسعى إلى تخطيها".
واقتصر تمثيل المرأة في الحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي، التي تشكلت في مايو/ أيار 2020، على وزارتين هما الهجرة والمهجرين التي تشغلها إيفان فائق عن المكون المسيحي، ووزارة الإعمار والإسكان التي تشغلها نازنين محمد من الحزب الديمقراطي الكوردستاني.