"الأقطاب الثلاثة".. العراق في مهمة إعادة التوازن وإنهاء مأساة الخليج

"الأقطاب الثلاثة".. العراق في مهمة إعادة التوازن وإنهاء مأساة الخليج
2021-04-24T17:23:45+00:00

شفق نيوز/ اعتبر "معهد بروكينغر" الاميركي ان منطقة الخليج ينظر اليها كثيرون على انها "ثنائية القطبية" لكنها في الواقع "ثلاثية القطبية" وتضم العراق وايران والسعودية، مضيفا ان بامكان بغداد ان تجلب التوازن الاقليمي بين طهران والرياض، مثلما كانت السعودية تفعل فيما مضى عندما كانت الطرف الاضعف الواقع بين قوتي ايران الشاه وايران الثورة الاسلامية، وبين عراق صدم حسين. 

وفي تقرير كتبه الباحثان البارزان بروس ريدل وكاثرين هارفي، اشار "معهد بروكينغز" الى الزيارة الاخيرة لرئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي الى السعوية وتحسن العلاقات، مضيفا انه بعد عشرة ايام على هذه الزيارة، تحدثت تقارير عن استضافة العراق لمفاوضات سعودية-ايرانية. 

واشار تقرير المعهد الى ان الملك سلمان بن عبدالعزيز ونجله الامير محمد، هما الاكثر عداء لايران في تاريخ المملكة السعودية، ولهذا فان قرارهما فتح حوار مع ايران، يمثل خطوة كبيرة. 

ونقل التقرير عن مسؤول عراقي معلقا على المفاوضات السعودية-الايرانية، ان الكاظمي "متحمس جدا" لان يلعب العراق دور "الجسر" بين جاريه اللدودين. 

ولاحظ التقرير ان المفاوضات التي استضافها العراق، شكلت بداية دينامية جديدة في العلاقات بين ايران والعراق والسعودية، اللاعبون الثلاثة الكبار في الخليج، والتي ظلت قائمة منذ عقود عديدة. 

واوضح التقرير انه منذ العام 2003، كثيرا ما نظر المحللون الى الخليج على انه نظام "ثنائي القطبية" تشكل من خلال الخصومة بين ايران والسعودية. 

لكن الشرق الاوسط المعاصر كان دائما متعدد الاقطاب، ومن منظور تاريخي، فان منطقة الخليج، يمكن فهمها من خلال نظامها الثلاثي القطبية. ومنذ بداية السبعينيات، عندما انسحبت بريطانيا من المنطقة، جرى تنافس بين ايران والعراق والسعودية من اجل الهيمنة. وكان ايران خلال حكم الشاه، اللاعب الاكبر والكثر قوة بكثير بين الاعبين الثلاثة وحاولت تأكيد سيطرتها على المنطقة كلها. اما العراق خلال العهد البعثي، فكان القوة الثانية بين اللاعبين الثلاثة، وحاول بسط هيمنته على الطرف العربي من الخليج وخاصة الممالك الخليجية بما في ذلك السعودية. 

اما السعوديون فكانوا القوة الاصغر، وبالكاد لديهم قوة عسكرية يمكن الاعتداد بها، وكان الاضعف بين اللاعبين الثلاثة. وكانت السعودية تستهدف احباط مغامرات السيطرة التي يقوم بها جاراها الاكبر (ايران والعراق)، فيما تسعى الرياض في الوقت نفسه الى بسط نفوذها الخاص على الامارات الاصغر في الخليج. 

وفي هذا الاطار، فان السعودية يمكن اعتبارها بانها "الممسكة" بالتوازن الخليجي، وهدفها تحقيق التوازن بين محاور متنافسة، وتتأرجح الى الامام والى الخلف مثلما يتطلب الوضع. ومن أجل ان تلعب دور محقق التوازن، فان ذلك يتطلب منها ان تكون على علاقة جيدة مع اللاعبين الآخرين (ايران والعراق). وصحيح ان السعودية كانت متوجسة من طموحات الشاه التوسعية، لكن ايران وقتها كانت مثل السعودية، يحكمها نظام ملكي مدعوم من الاميركيين. وايضا، فان السعوديين لم يثقوا بعراق صدام حسين، لكن على الاقل كان بالنسبة اليهم، دولة عربية سنية. وعندما كان الشاه او صدام حسين ينفذ سياسة اقليمية لا يؤيدها السعوديون، كانت الرياض تلجأ الى اللاعب الآخر، لاحباط المبادرة التي لا ترضيها. 

وأخلت الثورة الاسلامية التي نجحت في ايران بالتوازن الدقيق الذي تمارسه السعودية التي اعتبرتها بمثابة خطر كبير، وانحازت الى العراق في الحرب. وبرغم ان العديد من النقاد يعتبرون ان ذلك هو بمثابة اللحظة التي بدأت فيها الخصومة السعودية-الايرانية، فان هدف السعودية في ذلك الوقت كان في الواقع محاولة اعادة تحقيق التوازن بين اللاعبين الخليجيين الاكبر منها. 

وظلت السعودية على انحيازها الى جاب العراق طالما كانت ايران الطرف الذي يرفض انهاء الحرب. لكن السعودية ظلت تمد يدها الى ايران. وعلى سبيل المثال، فان وزير الخارجية السعودية السابق سعود الفيصل قام بزيارة طهران في العام 1985 في عز احتدام الحرب. لكن علاقة السعودية بايران تدهورت بعد حادثة مقتل مئات الحجاج الايرانيين في مكة العام 1987. لكن الملك فهد في العام التالي، قام بمبادرة حسن نية ازاء الايرانيين، واعرب عن اسفه لغياب الحجاج الايرانيين، لكن ذلك تزامن ايضا مع نهاية الحرب في العام 1988.  وكان هدف السعودية وقتها اعادة انشاء علاقات فاعلة مع ايران باعتبار انه ما ان تنتهي الحرب، فبمقدورهم عندها اعادة تحقيق التوازن الخليجي مجددا. 

وحتى الغزو الاميركي في العام 2003، كان السعوديون لا يزالون يمارسون دور اللاعب الذي يتمتع بالعلاقات الجيدة مع اللاعبين الاخرين، لكن السعوديين خسروا هذا الدور عندما وصل الشيعة العراقيون الى الحكم في بغداد. 

لكن التقرير اعتبر ان العراق بطبقة حكام تهيمن عليها الشيعة والعرب، من المرجح غالبا ان يقيم علاقات طيبة مع كل من ايران والسعودية افضل مما يمكن لطهران والرياض ان تتمتعا به من علاقات. وبينما كانت السعودية تحظى بفرصة القيام بدور التأجرح ما بين جاريها القويين في الخليج، فان هذا الدور ذهب الان الى العراق. وفي الواقع، فان العراق الذي تعثر بسبب عقود من الحروب، هو اليوم اللاعب الاضعف بين اللاعبين الثلاثة في الخليج. وباختصار، فانه يحتل دور محقق التوازن الذي كانت السعودية تقوم به في السابق. 

وفي السنوات الماضية، سعى العراق الى اتباع سياسة خارجية تعتمد عدم الانحياز، وبعلاقات متوازنة مع كل من ايران والسعودية. وغالبا ما نظم رؤساء الحكومات في العراق زيارات الى طهران والرياض في الوقت نفسه لاظهار هذا التوازن. وعندما كان حيدر العبادي رئيسا للحكومة في العام 2017، قال ان العراقيين "يرفضون ان يكونوا جزءا من سياسة المحاور" مشيرا الى ان العراق كان دائما "ضحية" الصراعات الاقليمية. 

ومثلما كانت تفعل السعودية في السابق بالدور الوسطي بين جاريها الخليجيين، فان بامكان العراق ان يؤدي الدور نفسه اذا ظل متبعا سياسة عدم الانحياز. وبامكانه ايضا ان يلعب دور الجسر بين ايران والسعودية مثلما يبدو ان الكاظمي يحاول ان يفعل الان. 

وذكر التقرير ان العراق يشكل الساحة الطبيعية لايران والسعودية لتسوية خلافاتهما، والعراق يريد ان يردم هوة الانقسام الايراني-السعودي. وقال مسؤول عراقي انه من مصلحة العراق ان يلعب هذا الدور. فكلما ازدادت المواجهة في المنطقة، كلما ظهرت آثارها في العراق. وانفراج سعودي-ايراني، يعني هدوء اقليمي اكبر، وعراق أكثر هدوءا. 

وخلص التقرير الى القول ان مفاوضات سعودية-ايرانية كالتي استضافها العراق، تشكل دينامية ستتبلور بالكامل في المستقبل القريب. وباختصار، فان منطقة الخليج ليست ثنائية القطبية، وانما ثلاثية. وبامكان العراق ان يخفف التوتر بين البلدين، وعلى الولايات المتحدة ان تدعم بهدوء الجهد العراقي، فمن مصلحة واشنطن ان تخفف التوتر الطائفي في المنطقة، والرئيس الاميركي جو بايدن جعل من انهاء حرب اليمن اولوية بالنسبة اليه. واضاف ان المساعدة التي تقدمها بغداد ستكون في صالح الجميع لانهاء هذه المأساة.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon