كيف قرّبت الحرب والاستثمارات الرؤى بين مصر والسعودية؟

كيف قرّبت الحرب والاستثمارات الرؤى بين مصر والسعودية؟
Thu, 17 Oct 2024 12:09:59 GMT
bbc news arabic header storypage

بعد أكثر من عامين على زيارته الأخيرة للقاهرة، جاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى مصر، الثلاثاء، في ظل تصاعد التوتر الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، ووسط أنباء حول استثمارات جديدة للمملكة في مصر.

وبعد استقبال وُصف بالمهيب، شهد الزعيمان التوقيع على تشكيل مجلس التنسيق الأعلى المصري السعودي، واتفاقية لتشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة بين البلدين.

ويُنظر إلى تلك الزيارة باعتبارها تقارباً، بعد ما وُصف قبل عامين بـ"جفوة" بين الجانبين.

وقد مرت العلاقات المصرية السعودية بمحطات من المد والجزر، على مدار تاريخها الحديث، وكانت تتوقف الزيارات الرسمية مؤقتاً، بالرغم من الترديد الدائم للمسؤولين في البلدين بأن العلاقات السعودية المصرية تنطلق من "أسس أخوية راسخة".

كيف تطورت العلاقات بين الجانبين خلال العقد الماضي؟

عقب إزاحة نظام جماعة الإخوان المسلمين في العام 2013، سارعت الرياض إلى تقديم مساعدات سخيّة لدعم السلطة المصرية الجديدة، وكانت مساعدات غير مشروطة وقتئذٍ، إذ مُنِحت القاهرة في عام 2013، مساعدات بقيمة 5 مليارات دولار، مقسمة ما بين؛ منتجات نفطية وغاز، وديعة في البنك المركزي، ومساعدة نقدية.

وطفت الخلافات على السطح، في مارس/ آذار من العام 2015، بين النظامين، بسبب انسحاب مصر من التحالف الذي تقوده السعودية ضد جماعة الحوثي في اليمن، فيما عُرف بـ"عاصفة الحزم".

وفي الثامن من أبريل/ نيسان 2016، أبرمت القاهرة والرياض اتفاقية لترسيم الحدود نصت على "انتقال تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية" بعد جدل قانوني واسع في مصر وغضب وتظاهرات احتجاجية صغيرة.

وتيران وصنافير جزيرتان تقعان في مدخل مضيق تيران الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر. وكانت الجزيرتان الشرارة التي أشعلت ما يُعرف بـ"الحرب العربية-الإسرائيلية" في 1967، عندما أعلنت مصر نشر قواتها فيهما وإغلاق مضيق تيران.

و في يناير/ كانون الثاني 2023، بدا أن سياسة الرياض قد تغيرت في دعم القاهرة، بعد تصريح نُسب لوزير المالية السعودي، محمد الجدعان، خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في "دافوس" بسويسرا، قال خلاله إنه قد حان وقت إنهاء الإعانات غير المشروطة، وهو ما فُسر على أنه يقصد القاهرة.

عقب هذا التصريح، سادت حرب كلامية ومشادات بين أطراف إعلامية سعودية ومصرية، سرعان ما انطفأت. حيث أكد الرئيس السيسي عدم حدوث أية خلافات بين البلدين، وأن ما يحدث ليس سوى فتنة مؤقتة.

من جهة أخرى، أرجع البعض الخلاف "المكتوم" بين البلدين إلى أنه بسبب تأخر الجانب المصري في تسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية. وتعزو القاهرة ذلك التأخير إلى أسباب فنية تتعلق بتفاصيل وإجراءات عملية التسليم، بحسب ما ذكره تقرير لموقع أكسيوس الأمريكي.

وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في لقاء بالعاصمة السعودية عن ضخ استثمارات سعودية بقيمة 5 مليارات دولار في مصر، منفصلة عن وديعة المملكة في البنك المركزي للبلاد، بتوجيه من ولي العهد السعودي، ووصفها بأنها "مرحلة أولى".

وأوضح أن حكومته نجحت في إنهاء 90 في المئة من مشكلات المستثمرين السعوديين في مصر.

"التحديات المشتركة تقربهما أكثر من أي وقت مضى"

وصف السفير فوزي العشماوي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، العلاقات المصرية السعودية بـ"رمانة الميزان للإقليم العربي" في ضوء التطورات في المنطقة.

وتتقارب الرؤى المصرية السعودية بشأن الحرب في المنطقة، فلا يخفى توتر العلاقات المصرية الإسرائيلية على إثر استمرار الحرب في غزة، وسيطرة إسرائيل على المنطقة العازلة بغزة المتاخمة للحدود المصرية والمعروفة بمحور فيلادلفيا.

وأعلن مسؤولون سعوديون، بعد اندلاع الحرب في غزة، أن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية، رغم ما أثير عن بوادر للتقارب بين الجانبين.

يعدد العشماوي، في مقابلة مع بي بي سي عربي، الملفات المشتركة التي تتقارب فيها وجهات النظر المصرية، "وهي التنسيق من أجل اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة، بالإضافة إلى مصلحتهم في عودة القوة والسيادة للدولة اللبنانية، ونزع سلاح حزب الله، فضلا عن إنهاء الصراع في السودان".

وبحسب العشماوي، تخشى السعودية أن تنزلق المنطقة إلى حرب شاملة قد تؤدي إلى توقف إمدادات النفط، وربما أعمال عدائية في مضيق هرمز إذا تصاعد "الصراع الإيراني الإسرائيلي".

وعلى الجانب الاقتصادي يتوقع السفير السابق، أن السعودية لا تريد لعلاقتها مع مصر أن تقل متانة وقوة عن نظيرتها الإماراتية.

ويرى العشماوي، أن سبب اهتمام السعودية بدعم مصر المادي، هو عدم رغبة الرياض في أن تكون مصر دولة "مأزومة"، قائلاً "السعودية لا يمكن أن تخاطر بوجود أزمة اقتصادية في مصر، قد تتسبب في توترات أو أي نوع من الأنواع التي قد تؤدى إلى موجات من الهجرة أو العنف مثل ما حدث في ثورة يناير، أو ما حدث في دول عربية مثل ليبيا أو العراق أو السودان".

"تجمع الرياض والقاهرة في الوقت الراهن مصادر اهتمام وتحديات مشتركة تجعلهما أقرب إلى بعضهما من أي وقت مضى". كما يقول سليمان العقيلي، الكاتب السياسي السعودي، لبي بي سي عربي.

ويحدد العقيلي ثلاثة تهديدات، الأول "الوضع الخطير لأمن البحر الأحمر" الذي تسبب بانخفاض واردات قناة السويس إلى النصف، ويعطل النمو المرسوم للموانئ السعودية على البحر الأحمر، بالإضافة إلى المخاطر الأمنية.

التهديد المشترك الثاني، "الحرب الأهلية في السودان، وهو ما قدد يهدد أمنهما الاستراتيجي".

والتهديد الأخير كما يرى العقيلي أن كلا البلدين يشتركان في التخوف من التحركات الإثيوبية في القرن الإفريقي، وهو ما قد "يجعلها لاعباً رئيسياً في خليج عدن وباب المندب، ويهدد أمن الحدود البحرية السعودية، ويجعل أمن القاهرة المائي بقبضة أديس أبابا".

ويقول العقيلي في حديثه مع بي بي سي، من أجل التهديدات السابقة اشترك الجانبان في ثلاث مناورات عسكرية، بالإضافة إلى مناوراتهما المشتركة مع قوات أخرى، لا تخلو من رسائل إقليمية ودولية.

ماذا ينتظر المستثمرون من الحكومتين؟

وقال رئيس مجلس الأعمال السعودي المصري، بندر العامري، بعد توقيع اتفاقية حماية الاستثمارات السعودية في مصر، إن التعاون بين القطاع الخاص في السعودية ومصر نتج عنه اتفاقيات لضخ استثمارات بقيمة إجمالية 15 مليار دولار في مصر، تشمل قطاعات الطاقة المتجددة والصناعة والتطوير العقاري والسياحة، إضافة إلى استثمارات في القطاع التقني، بحسب ما نقلت عنه وسائل إعلام سعودية.

وتعد السعودية ثاني أكبر شريك تجاري لمصر، حيث يقارب التبادل التجاري بين البلدين 12.8 مليار دولار في 2023.

ويقول دكتور وليد جمال الدين، وعضو مجلس الأعمال المصري السعودي، في اتصال مع بي بي سي عربي، إن السعودية هي المستثمر الأكبر في مصر، ولكن الظروف السياسية التي مرت بها مصر من 2011 وحتى 2013 أدت إلى تخوف بعض المستثمرين السعوديين، لذا طالبوا بشروط لحماية الاستثمارات.

ويتوقع مدحت نافع، خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل، أن توفر الاتفاقية لمصر السبيل الأفضل والأكثر استدامة من الاقتراض من المنظمات الدولية.

ويقول في اتصال لبي بي سي عربي، "الاستثمار السعودي في مصر قد يجعلها تحقق معدل نمو يفوق الـ6 في المئة".

أما عن العائد الذي سيعود على الجانب السعودي، يقول نافع، "السعودية في سبيل تحقيقها لرؤية 2030، تُنوّع الادخار بعيداً عن الإنتاج الكربوني، لذلك ستكون حريصة على التوسع شرقاً وغرباً، والتوسع في أسواق كثيفة العمالة وفي الوقت نفسه كثيفة الاستهلاك".

وتدلل الأرقام على خطة السعودية، حيث حقق القطاع الترفيهي معدل نمو خلال 2021 بنسبة 101 في المئة. وساهم القطاع غير النفطي خلال عام 2023 بنسبة تقارب 50 في المئة، ومن المتوقع أن تزيد إلى نسبة 65 في المئة في نهاية العقد، بحسب نافع.

ولا يعتبر نافع الاتفاقية نوعاً جديداً من العلاقات بين الدول، رغم أنها الأولى من نوعها بين البلدين، وقد أبرم كلاهما بالفعل اتفاقيات مماثلة مع عشرات الدول طوال العقود السابقة.

وتضمن اتفاقيات حماية الاستثمارات الالتزام بمعاملة "منصفة وعادلة" للاستثمارات، وتقليص متطلبات إنشاء وتوسعة وصيانة الاستثمارات، وضمان الاستثمارات في حالات الحرب أو النزاع أو الثورة أو حالات الطوارئ والاضطرابات. كما تضمن حماية الاستثمارات من أي إجراء يمس ملكيتها أو تجريد مستثمريها كلياً أو جزئياً من بعض حقوقهم مع منع تأميم أو نزع الملكية أو إخضاعها لأشخاص وجهات أخرى.

يتوقع مدحت نافع أن تشهد الفترة المقبلة استثمارات سعودية في مصر في مجالات، "السياحة، التطوير العقاري، مجال الطاقة، البتروكيماويات، قطاعات الشحن والتفريغ واللوجستيات، والقطاع الزراعي الذي يمكن أن يحقق للسعودية اكتفاءً ذاتياً من بعض المحاصيل التي تصعب زراعتها في الداخل السعودي. ويكتسب هذا القطاع ميزة نسبية بسبب القرب المكاني مع مصر بدلاً من الزراعة في أفريقيا، لأنه كان مستهدفاً من قبل شركة المملكة الاستثمار في توشكي أيام الرئيس مبارك".

وتفاقمت الأزمة الاقتصادية في مصر، خلال العامين الماضيين، بعدما سجل معدل التضخم مستوى قياسياً عند 36% مدفوعاً بتراجع قيمة الجنيه ونقص الاحتياطي الأجنبي في بلد يستورد معظم حاجاته الغذائية. وزادت الديون الخارجية أكثر من ثلاثة أضعاف في العقد الأخير، وهو ما دفع الحكومة المصرية لتنفيذ ما يُعرف ببرنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي الذي يقرض مصر 8 مليارات دولار.

وأشارت تقارير إعلامية، في وقت سابق، إلى أن مصر تسعى لشراكة جديدة مع السعودية للاستثمار في منطقة رأس جميلة ذات الموقع الاستراتيجي على البحر الأحمر، على غرار مشروع منطقة رأس الحكمة الواقعة على البحر المتوسط والذي تطوره الإمارات.

bbc footer storypage
Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon