حرب 1958: قوات المارينز في شوارع بيروت

حرب 1958: قوات المارينز في شوارع بيروت
Mon, 15 Jul 2024 11:53:57 GMT
bbc news arabic header storypage
قطع الطرقات خلال احتجاجات ضد السلطة في بيروت عام 1958
Getty Images

قبل حرب لبنان الأهلية الشهيرة التي دامت نحو 15 عاماً، شهد البلد حرباً أهلية "مصغرة" دامت ثلاثة أشهر.

كان ذلك عام 1958، بعد نحو 11 عاماً على نيل لبنان استقلاله من الانتداب الفرنسي، وفي ظلّ عهد رئيس الجمهورية كميل شمعون.

قُطعت الطرقات، ونصبت المتاريس وظهر المسلحون في شوارع المدن وساحات القرى اللبنانية.

وكما يحدث عند كلّ أزمة سياسية كبرى في لبنان، تدخلت أطراف خارجية، ووصل الأمر حدّ قدوم قوات المارينز إلى بيروت بطلب من الرئيس شمعون.

أُطلقت أسماء عديدة على تلك الأحداث: البعض يطلق عليها اسم حرب 1958، وآخرون يصفونها بـ"الأزمة". لكن معسكر شمعون يصفها بـ"انقلاب عام 1958"، بينما يطلق عليها خصومه اسم "ثورة 1958".

فماذا حدث عام 1958 في لبنان؟

كميل شمعون رئيس الجمهورية اللبنانية من 1952 إلى 1958
Getty Images
كميل شمعون رئيس الجمهورية اللبنانية من 1952 إلى 1958

اشتدت المعارضة تدريجياً لحكم كميل شمعون، بدءاً من الطلاق السياسي بينه وبين حليفه السابق، زعيم الحزب الاشتراكي التقدمي وزعيم طائفة الدروز الموحدين في لبنان كمال جنبلاط.

وتوسعت جبهة المعارضة لاحقاً بانضمام شخصيات بارزة وزعماء محليين مثل صائب سلام ورشيد كرامي.

وشكّل السقوط المفاجئ لأبرز خصوم كميل شمعون في انتخابات عام 1956، جدلاً وتصاعداً في لهجة المعارضة.

كذلك انتشرت مزاعم عن نية شمعون التمديد لنفسه ولاية جديدة، إذ كان عام 1958 المتمّم لولاية رئاسية من ست سنوات، وهي المدة القانونية في لبنان لولاية رئيس الجمهورية.

ولم ينف شمعون علناً تلك المزاعم، مما زاد من شكوك المعارضة وزاد الاحتقان في الشارع.

كمال جنبلاط
Getty Images
كمال جنبلاط مؤسس وزعيم الحزب الاشتراكي التقدمي

الحرب الباردة وصعود نجم عبد الناصر

الرئيس المصري جمال عبد الناصر برفقة الرئيس السوري شكري القوتلي في دمشق
Getty Images
الرئيس المصري جمال عبد الناصر برفقة الرئيس السوري شكري القوتلي في دمشق

إلى جانب الأسباب الداخلية، كانت الظروف السياسية الإقليمية في المنطقة على مدى سنوات، قد ساهمت في تأجيج الخلاف السياسي في لبنان.

انقسم اللبنانيون خلال تلك السنوات إلى معسكرين، أحدهما مؤيد للرئيس المصري جمال عبد الناصر والآخر مناهض لسياساته في المنطقة.

وشكّل ازدياد نفوذ عبد الناصر السياسي في لبنان وتصاعد شعبيته انزعاجاً للمعسكر الغربي، لا سيما وأنّ تلك الحقبة كانت تشهد ما سمّي بسنوات "الحرب الباردة" بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.

وأُنشأ عام 1955 تحالف سمّي "حلف بغداد"، ضمّ بريطانيا والعراق وباكستان وإيران، بهدف الوقوف ضدّ المدّ الشيوعي في المنطقة، وتعهدت الولايات المتحدة بدعم دول هذا التحالف اقتصاديا وعسكرياً متى دعت الحاجة.

وأيّد الرئيس شمعون آنذاك، الحلف من دون أن ينضم لبنان إلى عضويته. وكان شمعون على علاقة جيدة مع الملك فيصل في العراق والشاه محمد رضا بهلوي في إيران.

ووصف عبد الناصر حينها حلف بغداد بأنه تهديد للقومية العربية.

وجاءت أزمة السويس وحرب 1956، التي شنّتها إسرائيل وفرنسا وبريطانيا على مصر، لتؤجج الخلاف بين شمعون وخصومه.

وطالبت المعارضة الرئيس شمعون بقطع العلاقات مع الدول الغربية التي هاجمت مصر. لكنّ شمعون رفض. فقدّم الوزير حينها صائب سلام استقالته.

وتسارعت الأحداث في المنطقة مع حلول عام 1958.

وسبق ذلك الإعلان عن "مبدأ (أو عقيدة)" أيزنهاور، بعد إلقاء الرئيس الأمريكي في بداية عام 1957، رسالة خاصة إلى الكونغرس حول الوضع في الشرق الأوسط.

وبحسب أيزنهاور، تستطيع أي دولة أن تطلب المساعدة الاقتصادية أو العسكرية من الولايات المتحدة، إذا ما تعرضّت لتهديد، وكان يقصد بذلك التهديد السوفييتي.

في شباط/فبراير أعلنت كلّ من مصر وسوريا عن تأسيس "الجمهورية العربية المتحدة". ورحبت المعارضة ضدّ شمعون بهذا الإعلان.

وعلى عكس علاقات كميل شمعون، كان أبرز معارضيه كمال جنبلاط على علاقة جيّدة بعبد الناصر والاتحاد السوفييتي.

تشييع الصحافي المعارض للرئيس شمعون نسيب المتني
Getty Images
شكّل اغتيال الصحافي المعارض نسيب المتني الشرارة الأولى لاندلاع الاحتجاجات ضدّ السلطة

الشرارة الأولى

كان نسيب المتني رئيس تحرير ومؤسس جريدة "التلغراف"، وعضواً في "الحزب التقدمي الاشتراكي" الذي يترأسه كمال جنبلاط. كما كان قد شغل منصب نقيب المحررين في السابق.

وعُرف المتني بمعارضته لعهد الرئيس كميل شمعون ولا سيما لفكرة تمديد ولايته.

اغتيل المتني برصاص مجهولين أمام منزله ليلاً، في 8 أيار/مايو 1958، لتندلع الشرارة الأولى للاقتتال.

خرج أنصار المعارضة إلى الشارع وبدأت الاحتجاجات المطالبة باستقالة شمعون.

لاحقاً، نصبت المتاريس بين أنصار المعارضة وأنصار الحكومة، وتوسعت رقعة الاشتباكات.

ورفض قائد الجيش آنذاك فؤاد شهاب مساندة القوات المسلحة لأي من الطرفين، نظراً لحساسية التوزيع الطائفي داخل المؤسسة العسكرية.

أنصار المعارضة في بيروت خلال حرب عام 1958
Getty Images
أنصار المعارضة في بيروت وخلفهم صورة عبد الناصر والبطريرك الماروني بولس المعوشي الذي كان مؤيدا للقومية العربية
أنصار كمال جنبلاط على مدخل قصر "المختارة" عام 1958 في جبل لبنان
Getty Images
أنصار كمال جنبلاط على مدخل قصر "المختارة"

اتّهم كميل شمعون عبد الناصر وسوريا بتسليح ودعم المعارضة في لبنان.

أرسلت الأمم المتحدة فريقاً من المراقبين في يونيو/حزيران، للتحقيق في مزاعم تدخل عربي لصالح المعارضة ضدّ حكم شمعون. وخلصت اللجنة في تقريرها إلى أنّ لا دليل على تلك المزاعم.

بعثة فريق المراقبين من الأمم المتحدة تصل إلى الحدود السورية اللبنانية بعد تلقيها شكوى بتسليح المعارضة من الخارج
Getty Images
بعثة فريق المراقبين من الأمم المتحدة تصل إلى الحدود السورية اللبنانية بعد تلقيها شكوى بتسليح المعارضة من الخارج

انقلاب في بغداد وقوات أمريكية في بيروت

الرئيس اللبناني كميل شمعون إلى جانب ملك العراق فيصل الثاني
Getty Images
كميل شمعون إلى جانب ملك العراق فيصل الثاني قبل الإطاحة في انقلاب تموز/يوليو 1958

وفي 14 تموز/يوليو عام 1958، أطاحت مجموعة من الضباط العسكريين بالحكم الملكي في العراق، ممّا زاد من التوتر في المنطقة، ودفع بالولايات المتحدة إلى إرسال قواتها إلى الأردن بهدف تعزيز نفوذ حلفائها.

وعملاً بمبدأ "أيزنهاور"، طلب عندها الرئيس شمعون من الولايات المتحدة التدخل "لإنقاذ الشرعية".

في الخامس عشر من تموز/يوليو 1958، وصلت قوات المارينز إلى بيروت عبر المرفأ في عملية حملت اسم "الخفاش الأزرق" (Blue Bat).

وقالت الولايات المتحدة إنّ الهدف من التدخل هو وقف النزاع، ومنع إراقة الدماء في لبنان.

قوات المارينز تنزل على شاطئ بيروت في 15 تموز/يوليو 1958
Getty Images
قوات المارينز تنزل على شاطئ بيروت في 15 تموز/يوليو 1958
قوات المارينز في شوارع بيروت عام 1958
Getty Images
قوات المارينز في شوارع بيروت

لا غالب ولا مغلوب: لا استقالة ولا تمديد

قائد الجيش فؤاد شهاب (في الوسط) بعد انتخابه رئيساً للبنان عام 1958
Getty Images
قائد الجيش فؤاد شهاب (في الوسط) بعد جلسة انتخابه رئيساً كمخرج للأزمة، وعلى يساره كميل شمعون

إلى جانب التدخل العسكري، أرسلت الولايات المتحدة المبعوث روبرت مورفي بهدف إيجاد تسوية سلمية للأزمة.

وانتهت الأزمة، بعدم تمديد ولاية شمعون وعدم ترشحه لولاية أخرى، لكنه بقي في منصبه حتى موعد انتهاء عهده رسمياً.

وانتُخب قائد الجيش فؤاد شهاب خلفاً له.

وظهر شعار "لا غالب ولا مغلوب" للمرة الأولى في لبنان على لسان رئيس الحكومة السابق صائب سلام، وذلك كي لا يشعر أي طرف بأنه منتصر أو خاسر.

العبارة ذاتها تكررت بعد انتهاء الحرب الأهلية الثانية الطويلة التي اندلعت بعد أقل من 20 عاماً (1975 – 1990).

bbc footer storypage
Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon