هل هناك جديد في "إعلان بكين" قد يحقق المصالحة الفلسطينية على أرض الواقع؟

Sat, 27 Jul 2024 07:50:22 GMT
bbc news arabic header storypage

اتفاق جديد للمصالحة الفلسطينية وقع عليه أربعة عشر فصيلاً في العاصمة الصينية بكين برعاية الدولة المضيفة وهو الاتفاق رقم ثلاثة عشر الذي يتم الإعلان عنه بين الخصمين الفلسطينيين الأبرز، وهما حركتا فتح وحماس بمشاركة فصائل منظمة التحرير، والذي يأتي في خضم اشتداد الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل الذي بلغ مداه قيام الأخيرة بما يصفوه بحرب إبادة جماعية في قطاع غزة ردا على الهجوم الذي نفذته حركة حماس في غلاف غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، علاوة على تفاقم الأوضاع الأمنية والسياسية أيضا في الضفة الغربية والقدس.

ما هي أهم بنود إعلان بكين؟

اتفقت الفصائل وفقا لإعلان بكين على ثماني نقاط وأبرزها الوصول إلى وحدة وطنية فلسطينية شاملة تضم القوى والفصائل الفلسطينية كافة في إطار منظمة التحرير والالتزام بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس طبقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وعلى حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وإنهائه وفق القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة، وأن يتم تشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة بتوافق الفصائل وبقرار من الرئيس الفلسطيني.

ورفضت الفصائل ما وصفته بكل أشكال الوصاية ومحاولات سلب الشعب الفلسطيني حقه في تمثيل نفسه أو مصادرة قراره الوطني المستقل، في إشارة إلى ما يشاع عن خطط أمريكية وإسرائيلية لإدارة غزة بعد الحرب بقوات دولية وعربية.

فما هي فرص هذا الاتفاق الذي تم بلا جدول زمني في النجاح؟

قال الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني لبي بي سي إن "حالة التشاؤم عالية جدا في الأوساط الفلسطينية، وذلك بسبب فشل ١٣ اتفاق و١٣ وثيقة كانت تتضمن الكثير من النصوص والمواد الجيدة التي انتظرها الشعب الفلسطيني من أجل توحيد صفوفه ومؤسساته". وأشار إلى أن "ما يجعل هذا الاتفاق يختلف عن سابقاته هو أنه جاء في ظل وجود حرب إبادة جماعية في قطاع غزة وعقب قرار الكنيست الإسرائيلي الرافض لحل الدولتين وفي ظل التوجهات الإسرائيلية الواضحة ضد الرئيس عباس وضد السلطة الفلسطينية ورفضهم لأن يقوم بإدارة شؤون غزة او حتى التواجد فيها".

وعن السلبيات التي تحيط بإعلان بكين يضيف الدجني بأن نصوصه تحتوي على مواد متناقضة وفيها مواد للعلاقات العامة، وهناك إشكالية كبيرة في الجدول الزمني وكان من المفترض أن يتم وضعه في ملحق خاص ببنود الاتفاق.

واستمر: "أشعر أن الجدول الزمني هو الفخ، بمعنى أنه سيكون نقطة الهروب لأي طرف من الأطراف، وهناك أيضا حاجة لمراسيم رئاسية بهذا الشأن وهي تعود للرئيس محمود عباس ومرسوم الانتخابات ومرسوم حكومة الوفاق ومرسوم منظمة التحرير وعقد الإطار القيادي للفصائل" متسائلا أيضا هل الجدول الزمني سيعلن ومتى نراه وهل يحتاج لتسعة شهور؟".

ما أهمية الإعلان للفلسطينيين؟

أكد نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جميل مزهر أن "إعلان بكين الذي تم التوصل إليه برعايةٍ وجهود صينية يُعد خطوة متقدمة لترتيب البيت الفلسطيني، ويمكن أن يُشكّل مرحلةً جديدة؛ فالهدف المطلوب الآن هو البناء عليه بإجراءات عملية وتنفيذية".

وقال مزهر في بيان له "هذه المرة لمسنا إصراراً وجدية للوصول إلى اتفاق وتذليل العقبات من جميع الأطراف، في ضوء استمرار حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة، والتحديات الخطيرة التي تواجه القضية الفلسطينية، والإجراءات التصعيدية الصهيونية على الأرض في الضفة والقدس".

وأوضح القيادي الفلسطيني وهو أحد الموقعين على الإعلان بأنهم استطاعوا الوصول إلى اتفاق يساهم في ترتيب البيت الفلسطيني، وتشكيل حكومة توافق وطني مهمتها إعادة إعمار غزة والتمهيد لانتخابات شاملة، مستدركاً " لكن قبل كل ذلك، أكد الجميع في موقفٍ وطني موحد على التمسك بوقف العدوان بشكلٍ كامل وانسحاب شامل من قطاع غزة، وإعادة الإعمار وعودة النازحين دون قيد أو شرط، بالإضافة إلى التحرك على كافة المستويات لإنهاء معاناة الأسرى التي تصاعدت بعد السابع من أكتوبر".

لكن أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس والقيادي في حركة فتح، قال لبي بي سي: "لست متفائلاً حيال هذا الإعلان لأنها ليست المرة الأولى التي يتم الاتفاق فيها على المصالحة بين الفصائل الفلسطينية. ولو راجعنا محاضر جلسات المصالحة لاكتشفنا أن هناك الكثير من الفقرات المتكررة منذ بدء المساعي التي تستهدف إحداث التقارب بين الفصائل".

وأضاف: "تنعقد اجتماعات المصالحة منذ 2005 – في اليمن والسعودية ومصر ودول أخرى – وسبق للفصائل أن وقعت اتفاقات ورفعت أيديها لأعلى كأنها حققت انتصارات كبيرة، لكن ذلك لم يسفر في النهاية عن أي مصالحة فيما بينها".

وأعرب الكاتب والمحلل السياسي الدجني عن أمله في أن يتم تحديد الجدول الزمني قريبا ليدخل الاتفاق حيز التنفيذ نظرا لأهميته البالغة لأنه حسب وجهة نظره سوف يساهم في قتل أو إنهاء فكرة سيناريو اليوم التالي للحرب المصمم والمهندس أمريكيا إسرائيليا، على حد تعبيره.

هل يحمل إعلان بكين أي جديد؟

رغم وصفه لاجتماع بكين بأنه "بارد" وأنه لم يحظ باهتمام إعلامي كبير، يرى الرقب أن هناك احتمالات لأن ينطوي هذا الإعلان على فروق تميزه عن غيره من الاتفاقات السابقة التي لم تُترجم إلى واقع على الأرض.

كما أكد أن هناك مخرجات هامة من الإعلان يمكن أن تتحول إلى فروق بين هذا الاتفاق والاتفاقات السابقة؛ وهي "تشكيل حكومة وفاق وطني. فإذا وافق رئيس السلطة الفلسطينية على تشكيل هذه الحكومة دون شروط، وإذا بدأ هذا التشكيل بالفعل فسوف يكون هناك أمل في أن يحقق مشروع المصالحة الغرض منه".

وأضاف أن من أهم المدخلات أيضاً "تشكيل إطار قيادي لمنظمة التحرير الفلسطيني، وهو أحد أهم محاور الاتفاق لأنه من أهم الخطوات التي من شأنها تحقيق نجاح مشروع المصالحة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية".

وقال صادق أبو عامر، رئيس مجموعة الحوار الفلسطيني، لبي بي سي إن هناك فروق بين الاجتماع الذي أسفر عن "إعلان بكين" والمساعي السابقة في اتجاه المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، والتي تتمثل في أنها المرة الأولى التي ينعقد فيها اجتماع من هذا النوع خارج المنطقة العربية.

وأضاف: "الفرق الثاني هو الواقع الجديد الذي فرضته الحرب على غزة، إذ سطر الصراع واقعاً جديدا على الأرض جعل حماس في حاجة إلى مظلة الشرعية في حين تحتاج السلطة الفلسطينية إلى قوة حماس، وهو ما قد يجعلهما أكثر حرصاً على تنفيذ اتفاق المصالحة".

وتابع: "نص الإعلان أيضاً على ما من شأنه أن يعزز شرعية منظمة التحرير الفلسطينية كممثل للفلسطينيين. كما رسخ لزيادة أهمية الدور الفلسطيني في المعادلة في المنطقة بصفة عامة، سواء مع إسرائيل أو أي أطراف مهتمة ولها مصالح في الشرق الأوسط، وهو ما جاء نتيجة للآثار التي خلفتها الحرب على المنطقة".

كيف استقبل سكان غزة الإعلان؟

في قطاع غزة الذي يشهد حربا غير مسبوقة منذ قرابة عشرة أشهر تسببت في حالة من الدمار الواسع وفي مقتل وإصابة عشرات الآلاف وتشريد قرابة مليون وتسعمئة ألف شخص داخل القطاع وفقا للأونروا، لا أحد يلقي بالا لحوارات الفصائل الخاصة بموضوع المصالحة، بل ذهب عدد منهم لتوجيه الاتهامات لممثلي الفصائل بانهم يشاركون في جولات الحوار فقط كنوع من الترفيه والتنزه ومضيعة الوقت في ظل "استمرار أزمات الشعب الفلسطيني المتصاعدة،" لكن في المقابل تتجه انظارهم الي ما يتعلق بمباحثات محاولات التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار ويأملون في كل لحظة ان يستمعوا إلى هذا الإعلان الذي من شأنه أن يضع حدا لمعاناتهم الصعبة والتي تتفاقم يوميا.

بعض النشطاء والمتابعين للمشهد السياسي الفلسطيني وحتى بعض السكان الذين تمكنوا من الوصول الى شبكات الانترنت في غزة انبروا في تناول خبر إعلان اتفاق بكين بكثير من الاستهزاء والسخرية وحتى أنهم عبروا عن تشاؤمهم من الجولات المتكررة التي لا تسفر عن اية إنجازات عملية على الأرض.

وقال أحد النشطاء في تعليقه على إعلان بكين في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إنه "يتحدى قادة ال١٤ فصيلا بأن يتمكنوا من إدخال عبوة شامبو واحدة له في غزة"، بينما قالت متابعة ثانية في منشور آخر "قادة الفصائل لم يتفقوا سابقا في مكة المكرمة بما تمثله من قدسية عالية للمسلمين، فهل سيتفقون في الصين ".

دور بكين

قال صادق أبو عامر، رئيس مجموعة الحوار الفلسطيني "بالتأكيد، تتمتع هذه المحاولة من محاولات المصالحة بين الفصائل الفلسطينية بخصوصية ترجع إلى طبيعية راعي هذه المساعي، ووزن بكين وجدية توجهها ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما قد يسفر عن نتائج جديدة قد نراها تتحقق على أرض الواقع".

واعتبرت صحيفة غلوبال تايمز شبه الرسمية الصينية أن "يوم الثلاثاء الموافق للثالث والعشرين من يوليو 2024، يمثل يوماً أصبحت فيه بكين نقطة محورية للدبلوماسية العالمية".

وتشير الصحيفة إلى أن إعلان بكين "يُعد خطوة حاسمة باتجاه حل القضية الفلسطينية والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، فهي المرة الأولى التي تُنظّم فيها وثيقة مصالحة فلسطينية داخلية من قبل دولة خارج المنطقة العربي".

اليوم التالي للحرب

نقل موقع "والاه" العبري عن اثنين من كبار المسؤولين الإسرائيليين، لم يسمهما، قولهما إن إسرائيل والإمارات والولايات المتحدة عقدت لقاء سرياً في أبو ظبي الخميس الماضي لبحث "اليوم التالي" في قطاع غزة.

وأشار الموقع إلى أن الاجتماع عقد بمشاركة وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، ووزير الخارجية الإماراتي ونائب رئيس مجلس الوزراء، عبد الله بن زايد ومستشار الرئيس الأميركي جو بايدن للشرق الأوسط بريت ماكغورك، ولفت الموقع نقلاً عن مصادر، بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرغب بدور إماراتي في قطاع غزة بعد الحرب.

وقال الموقع، إن نتنياهو يريد من الإمارات أن ترسل جنودًا إلى غزة وتمويل إعادة الإعمار وتغيّر مناهج التعليم في القطاع.

ويبدو أن الفصائل الفلسطينية تداعت إلى اجتماع بكين وذلك في خطوة استباقية لما قد يحدث في غزة فيما يعرف باليوم التالي للحرب وخشيتهم مما يصفوه بالخطط الأمريكية الإسرائيلية لتحديد من سيتولى إدارة القطاع وهم بذلك أرادوا إيصال رسالة واضحة بان الإدارة في غزة هي شأن فلسطيني داخلي، ولكن كما يبدوا وبناء على التجارب السابقة الفاشلة لحوارات المصالحة لا أفق واضح ولا أمل أيضا في نجاح الاتفاق الأخير أيضا.

ضمانات المصالحة

مع توافر النوايا الحسنة لدى جميع أطراف إعلان بكين، ليست هناك أي ضمانات لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بينها في ضوء العديد من التجارب السابقة التي وقعت فيها الفصائل الفلسطينية اتفاقات عدة في إطار مساعي لتحقيق المصالحة الوطنية.

ويرى رئيس مجموعة الحوار الفلسطيني أبو عامر أن "الضمانة الوحيدة لتنفيذ الاتفاق تتمثل في رعاية القوى الهامة في المنطقة، في مقدمتها مصر، للاتفاق علاوة على تحييد الفيتو الأمريكي الذي يستخدم لصالح إسرائيل، ومنع نتنياهو بشتى الطرق من استثمار الانقسام بين الفصائل الفلسطينية".

وأشار إلى أن "تعزيز دور المنظمة كممثل للفلسطينيين يسير في الاتجاه المعاكس لما كان يروج له رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من وجود فراغ أمني وسياسي في غزة بعد الحرب".

وقال: "بالتأكيد، اختلفت قراءة حماس للملف بعد الحرب، وهي تتوقع أن يكون ’اليوم التالي‘ للحرب فلسطينياً، وهو ما يزيد من إمكانية فرض واقع فلسطيني على الموقف. كما يرد التفاهم المحتمل بين الحركة وباقي الفصائل الفلسطينية على الرفض الذي أعلنه نتنياهو من قبل لأن يكون حكم غزة في يد حماس".

وحذر أيمن الرقب من أن عدم تشكيل حكومة وفاق وطني فلسطينية ووضع إطار قيادي جديد واضح لمنظمة التحرير الفلسطينية، سوف يعني تحول جميع ما جاء في اتفاق بكين إلى "مجرد دعاية" دون أمل في ترجمة أي من البنود التي جاءت فيه إلى واضع على الأرض.

bbc footer storypage
Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon