هكذا أرى قانون "الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية"
شوان زنكَنة
قرّرَ مجلس الوزراء في جلسته الاعتيادية التاسعة المنعقِدَة في 8/3/2022 ما يلي: الموافقة على مشروع قانون "الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية"، وإحالته إلى مجلس النواب، استنادًا إلى أحكام المادتين: 61/ البند أولا، و80/ البند ثانيا، من الدستور العراقي.
تمهيد
يبدو أن ارتفاع أسعار النفط الذي سيتسبّب بمكاسب غير متوقَّعة تبلغ 25 مليار دولار خلال الستة أشهر القادمة على حدّ قول السيد وزير المالية العراقي، قد نزلَ كالغيث على حكومة تصريف الأعمال الحالية، بعد تأخّرِ تشكيل الحكومة الجديدة نتيجة الانسداد السياسي، والتي تعاني من عدم وجود موازنَة مصادَقة من مجلس النواب، فتحفزت لإصدار قانون يؤهّلها التصرف بفروقات النفط غير المحسوبة في الموازنة العامة، إضافة إلى تخويلها الاقتراض وقبول الهبات والإعانات، وغيرها، وذلك كرديفٍ مؤقتٍ للموازنة العامة القادمة.
وأيّا كان الدافع لدى حكومة تصريف الأعمال في اتخاذ قرار بهذا الشكل، فإن الواقع يفرض نفسه عليها، فهي من جهة تعاني من أزمة إنفاق، ومن جهة أخرى وَردتْها مكاسب من فروقات أسعار النفط، فهي مُضطرّة إلى أن تتصرّفَ، وهي على المِحَكِّ الآن، هل تحسنُ التصرفَ أم تُسيئ؟
القانون كما أرى
بغضِّ النظر عن الأسباب المُوجِبَةِ لاتّخاذ هذا القرار، فهو حقًّا قرارٌ مثير للجدل، ويوحي بأنه قد صدر على عجَل ولغاية تكتيكية، مما يجعل الشبهات تحوم حوله، وليس هذا موضوع مقالي، وإنما سأتناولُ الموضوع من الناحية الاقتصادية البحتة، البعيدة عن السياسة وتناقضاتها، وسأحصر رأيي أساسًا في بنود القرار، وكما يلي:
1- يجبُ فصل هذا القانون ومحتوياته عن الموازنة العامة، واعتباره دائما ومستقلَّا وليس مؤقتا ورديفا للموازنة العامة، وذلك لأهميته وشدّة الحاجة إليه في ظل الأزمات الاقتصادية الحالية.
2- إنشاءُ حساب خاص ومستقل من قبل وزارة المالية باسم: "دعم الأمن الغذائي والتنمية والتحوط المالي وتخفيف الفقر"، خطوة في غاية الأهمية، وهي ضرورية ومنسجِمة مع التطورات الاقتصادية العالمية، إذ يجب على الحكومات العراقية أن تضع خططا حقيقية وفعّالة لتحقيق الأمن الغذائي ومحاربة الجوع، وهذه الخطوة هي أولى الخطوات الصائبة بهذا الاتجاه (المادة 1 من القرار).
3- حدّدَ القرار طرق تمويل هذا الحساب، وهي تلك الطرق التقليدية المعروفة، والمذكورة في (المادة2 من هذا القرار)، وهي: الأموال الزائدة عن إجمالي النفقات، والمنح والإعانات والمساعدات، والقروض، وأرى هنا أنه يجب إضافة طرق تمويلية غير تقليدية إلى هذا الحساب، والتي تتشكّل، حسب منظوري مما يلي:
أ- تحويلُ أذونات وسندات الخزانة الأمريكية التي يملكها العراق والتي تفوق 20 مليار دولار إلى سبائك ذهبية وخزنها لدى البنك المركزي بعد قيدها في هذا الحساب ليتمَّ صرفُها ضمن هذا القانون عند الضرورة الملحّة.
ب- سحبُ كلِّ الأصول والأموال العراقية المستثمَرة في الخارج، أو المُودَعَةِ لدى البنوك العالمية، وتصفيةُ كلِّ المشاريع الاستثمارية العراقية في الخارج، وتحويلُ هذه الأموال إلى سبائك ذهبية، وخزنها في البنك المركزي العراقي، وقيدها في هذا الحساب، وجعلُها تحت تصرف السيادة الوطنية، تحوُّطًا من احتمالية حجزها أو صعوبة سحبها في حال تأزّمِ الأوضاع.
ج- تأسيسُ نافذة خاصة في هذا الحساب، مهمّتُها جمعُ أموالِ الزكاة، والصدقات المحلية والعالمية، وأموالِ الأوقاف، على أن تتشكّلَ لجنةٌ شرعيةٌ تشرِفُ على أعمال هذه النافذة، وتتابعُ صرف مواردِها في وجوهِها الشرعيةِ.
4- في المادة 3 من القانون، حدّدَ القانونُ أوجهَ صرف أموال هذا الحساب، ويبدو أنّ أوجهَ الصرف هذه توحي باستغلال الحكومة لهذا الحساب في تمويل الموازنة أكثر من استخدامها في الأمن الغذائي، وأرى أن تمويل الموازنة من هذا الحساب ليس بالخيار الكفوء، ناهيك عن أنه سيفتح بابًا شاسِعًا للفساد، لذلك، يجب حصرُ أوجهِ الصرف في تأمين الغذاء وحماية المواطن من الغلاء والجوع فقط، وإلغاءُ كلِّ أوجهِ الصرف الأخرى المذكورَة في القانون.
وأقترح أن تكون أوجهُ الصرف من هذا الحساب كما يلي:
أ- الصّرفُ في تحسين وتنويع وزيادة كميات البطاقة التموينية وبالتعاون مع وزارة التجارة، بحيث تَتوفَّرُ الحدُّ الأدنى للعائلة الواحدة، وسينعكس هذا التحسين على تخفيض الطلب في الأسواق، وبالتالي تخفيف وطأة التضخّم وإيقاف سرعته، كما ويجب حذفُ مادة الطحين من البطاقة التموينية، وذلك لعدم جدواها، والتعويض عنها بوجه الصّرف المذكور في الفقرة ب من هذه المقترحات.
ب- إلغاءُ مادة الطحين من البطاقة كليًّا، والتعويضُ عنها من خلال توزيع كميات الطحين هذه على الأفران بأسعار رمزية، وذلك لتخفيض سعر الخبز إلى المستويات الدنيا التي تتناسب مع مستوى دخل العوائل الفقيرة، وكذلك تأسيسُ خطِّ إنتاجٍ للخبز من خلال تشغيل النساء في البيوت لإنتاج الخبز من الطحين المُسَلَّمِ إليهن واستلامِ الخبز وبيعِه في الأسواق، أو بأيِّ أسلوب آخر يمكن أن يؤدّي إلى توفير الخبز الرخيص وتوظيف العمالة النسوية العاطلة، وسوف يكون لهذا الأسلوب تأثير مباشر على التضخّم والعمالة والتنمية.
ج- شراءُ مفردات الحصة التموينية من داخل العراق، ما أمكن ذلك، وتشجيعُ الإنتاج المحلي من خلال الدّعمِ بالمنح والقروض، والتعهّدِ بالشراء لتغطية البطاقة التموينية بسعر مناسبٍ للمُنتِجِ، وسيترتّبُ على هذا الإجراء آثار إيجابية على التضخّم والعمالة وتحقيق الأمن الغذائي الذاتي من خلال تطوير الزراعة والصناعات القائمة عليها.
د- عدمُ صرف أيّة مبالغ نقدية من هذا الحساب للعوائل الفقيرة، لأنها ستكون حتما مبالغ صغيرة جدا وغير مجدية لتلك العوائل، بينما لو تمَّ صرفها وفق الفقرات أعلاه فسيكون أكثر كفاءة ونفعا، ناهيك عن أن مقترح الصرف النقدي، مقترح سياسي يهدف إلى تحقيق أغراض سياسية، ولا علاقة له بالاقتصاد والتنمية ومعالجة الفقر.
5- يقومُ مجلسُ النواب بدعم هذا الحساب، من خلال مراقبته له، ومتابعة عمليات التمويل والصرف فيه، وإصدار القوانين الخاصة بتسهيل أنشطته إذا تطلب الأمر ذلك.
الخاتمة
هذه هي خلاصة منظوري الاقتصادي، المهني والموضوعي، في هذا القانون: إنّ صدورَه في هذا الظرف الاقتصادي العصيب الذي يجتاح العراق والعالم صائبٌ وضروريٌّ، على أن يكون الحسابُ الخاص بالأمن الغذائي المُؤسَّسُ وفق هذا القانون حسابًا دائمًا ومستقلًّا عن الموازنة العامة، وتكون مهمّتُه معالجةَ الفقر وتحقيقَ الأمن الغذائي والمساهمةَ في التنمية الوطنية، ويتمُّ تشغيلُه بشكل مهني رزين بعيدا عن التأثيرات السياسية، الداخلية والخارجية، ويكون تحت الرقابة البرلمانية.