مفارقات من الوحي الانتخابي
جوتيار تمر
-الصراعات الحزبية في حملاتها الدعائية لم تزل خلاقة بعيدة عن الاشتباكات الحقيقية ماعدا بعض الخروقات التي طالت بعض المرشحين والتي لاتعد موقفاً من الاحزاب، انما هي تصرفات شخصية، وكي لاننسى الواقع الاجتماعي في المنطقة فاننا شعوب شرقية وبالاخص شرق اوسطية حيث لم تزل النعرة القبلية فعالة حتى في ايديولوجياتنا.. وما يناقض هذه الصراعات ان جميع الاحزاب بلا استثناء لم يراعوا في حملتهم الدعائية اسس المجتمعات المتحضرة، لاسيما فيما يتعلق بنشر صورهم واماكن نشرها حيث طالت هذه الصور الارصفة والاماكن الحكومية التي لاتعد ملكاً لحزب دون اخر.
- التجمعات الجماهيرية كانت غير مقيدة، فعلى الرغم من ظن الجميع بان الاحزاب الحاكمة ستعيق تلك التجمعات الا انها سارت بشكل حضاري، وتحت حماية قوات الشرطة ومتابعة جدية من قوات الامن، فلم تحدث خروقات، ولم يحدث ما يشوبها.
- في كوردستان برزت ظاهرة ربما تكن موجودة من قبل، وهي الرفض الشعبي للخروقات المتعلقة باماكن تعليق الصور ووضعها، حيث خرج اكثر من شخص وبشكل مباشر صور قيامه بازاحة تلك الصور ولم ينظر هولاء الى مسألة الانتماءات الحزبية، انما فقط الى توعية المرشحين اولا والبلدية ثانيا بان الارضفة هي من حق المواطن وليس من حق صور المرشحين.
-ومن ضمن ما جذب انتباه الشارع الكوردي، هو التواصل الذي تم بين الشباب الكورد ذو الانتماء الديني الاسلامي، مع احدى المرشحات المسيحيات، وليس الامر هنا متعلق بامر لااخلاقي او تجاوز على المرشحة انما هو التواصل كان ضمن حوارات منشورة على الفيس والانتسغرام ، حيث كسر من خلالها بعض القيود التي ظلت تتحكم بالعلاقات الاسلامية المسيحية، لاسيما مع تحفظ المسيحين في التعامل المباشر مع المسلمين، فقد اظهرت احدى المرشحات جرأة واضحة في التواصل والتعامل وقالت في اكثر من مرة للشباب المسلم المتواصل معها بانها اختهم وابنتهم وابنة هذه الارض، وهذا ما لقي استحسانا كبيرا لدى الاوساط الثقافية، بالطبع بعيداً عن التحزب ، وهذا ما يمكن ان نعده من ايجابيات الانتخابات في المناطق الكوردستانية لكونها خلقت جواً مغايراً بعيداً عن النعرات القومية والحمية العصبية القبلية والدينية، طبعاً بغض النظر عن التحزب والصراعات الحزبية التي لايمكن الحد من انتهاكاتها في اي مجتمع شرق اوسطي بما فيه المجتمع الكوردستاني، لقد استطاعت الانتخابات ان تكسر حاجز التواصل بين المكونات الكوردستانية بما فيها الاشورية والكلدانية والمكونات الاخرى داخل كوردستان من العرب والتركمان وحتى الاطياف الكوردية المنوعة من الايزيدية والشبك والفيلية والكاكائية.
-بقيت التوقعات متأرجحة بين الاحزاب الشابة الفتية التي تأسست حديثاً وبين الاحزاب المعارضة للحكومة وبين الاحزاب اصحاب النضال الطويل، ولم يكن مخفياً على احد بان الصراعات الحزبية ستكون هي الفيصل في النتائج، ولكن ان يحصل حزب كوردي في مدينة الموصل على الاغلبية هذا ما يعد من احدى اهم المفارقات الانتخابية في العراق.
- اعتمدت الاحزاب وليدة الاحداث الاخيرة في كوردستان والعراق على الارقام الاعلامية وحسب استفتاءات غير رسيمة سواء من خلال قنواتهم الفضائية او من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، مما جعلها تعيش حلماً بعيداً عن الواقع الملموس حيث القاعدة الجماهيرية هي التي تتحكم بنتائج الانتخابات وليس المتابعين لشبكات التواصل الاجتماعي.
-في كوردستان كان متوقعا فوز الحزب الديمقراطي الكوردستاني ليس لانه صاحب قاعدة جماهيرية عريضة فحسب، انما لانه كان صاحب مشروع الاستفتاء والاستقلال، وهذا ما اعتمده قادة هذا الحزب في الكسب والفوز، بعكس الاتحاد الوطني الكوردستاني المتهم بخيانة 16 اكتوبر، والذي وكما ذكرت القنوات الاعلامية لست (6) احزاب مشاركة في الانتخابات في مدينة السليمانية بان حزب الاتحاد مارس الارهاب الفكري وانه اكثر حزب اعتمد على التزوير كي يظهر للشارع الكوردي بانه ليس خائن ولكن ذلك لم يمنع ابداً من تقديم العشرات من الشكاوي للاحزاب الاخرى للمفوضية العليا للانتخابات بالخروقات في المناطق التي يسيطر عليها ذلك الحزب.
- تعود الانسان منذ القدم على توجيه اللوم للسلطة اثناء فشله في الوصول الى مبتغاه، فحتى في الرياضة دائما نجد الخاسر يلوم التحكيم او اي شيء اخر يبرر به فشله، وفي الانتخابات العراقية 2018 برزت هذه الظاهرة التي هي ليست وليدة اليوم كما قلت، فبعد فشل العديد من الاحزاب التي راهنت على الفوز بدعم خارجي او فرض ايديولوجية محددة، لجأت الى رشق السلطات بالاتهامات والتزوير، ومع ان بعضها جاء من منطق وواقع ملموس وادلة واضحة الا انه في الاجمال يبقى الانسان يرفض الفشل ويبرر كي ينجي بعنقه من الغرق، ففي بغداد كانت الاتهامات كلها موجهة لائتلاف النصر" العبادي " ، وفي كوردستان غالبية التهم وجهت لحزب الاتحاد الوطني الكوردستاني، وضمن مناطقه، فضلاً عن ان ذلك الحزب نفسه اتهم الاحزاب الاخرى بالتزوير ووصل الامر بالاتحاد الكوردستاني الى استخدام العنف ضد حركة التغيير في السيلمانية.
- راهن في كوردستان الاحزاب كلها على فشل الديمقراطي الكوردستاني لكونهم كانوا اصحاب مشروع الاستفتاء والاستقلال مما يعني وبحسب اراء بعض القيادات الفتية ان هذا الحزب سبب في قطع الميزانية والظروف التي تمر بها كوردستان، كما ان هذه القيادات ركزت على مسألة الاستفتاء للتقرب الى بغداد والجماهير العربية الرافضة لاستقلال كوردستان، ولكن جاءت الرياح بما لاتطيقه السفن، حيث كان للصوت الحر صداه، فحصل الديمقراطي الكوردستاني على الاغلبية في كوردستان ويحتمل ان يكون رابع اكبر كتلة في البرلمان العراقي.
-كان الخطاب التبريري لقيادات الاتحاد الوطني الكوردستاني الرافض لتهمة التزوير مزدرياً بنظر الكثير من الساسة، فاتباع لغة التهديد والترهيب " قطع يد من يتهمهم" دليلاً قاطعاً على ان ما ذكرته الاحزاب الاخرى حول تعرضهم للارهاب الفكري حتى اثناء التصويت صحيح، وبالمقابل جاء خطاب الديمقراطي الكوردستاني مرناً بل متماشياً مع خطاب الاغلبية السياسية.
-اعتمدت بعض التيارات في بغداد والمدن العراقية على الدعم الخارجي وفتاوي المرجعيات لتحسين وضعيتهم الانتخابية، ولكن هذا لم يفدهم بشيء وذلك لعمق الفساد الاداري والمالي في ضمائرهم قبل افعالهم، لذا وجدنا تحالفاً شيعياً شيوعياً ييرز على حساب تلك التيارات الاخرى التي كانت في الفترات البرلمانية السابقة ليس لها الا الصراخ واثارة النعرات القومية والطائفية.