سوريا نحو النظام الديمقراطي وتحديات الإسلام السياسي
عبدالرحمن حبش
ان النظام الديمقراطي من أهم القضايا المطروحة على الساحة السورية حاليا التي يتبناها أغلب مكوناتها وقواها السياسية واطرها الفاعلة ، لكن هناك مجموعة من القوى الإسلامية المتطرفة والمتعصبة تعرقل تبني وتطبيق النظام الديمقراطي في سوريا وتستميت بفرض أجنداتها المتخلفة حضاريا عن طريق الحروب والصراعات والاحداث الساخنة وأنكار حقوق القوميات والأديان الغير العربية السنية ، التي تقع في جوهرها في خدمة الأجندات السياسية الخارجية باسم الإسلام وضرب مشروع النظام الديمقراطي في المنطقة ، بمقاومة التغيرات الجارية دينيا بعد فشل المشروع القومي العنصري في المنطقة .
فالديمقراطية تبدو شعارا رائجا لكثير من القوى السياسية وبعض الأحزاب المعارضة السورية و في بعض البلدان العربية التي تعزو فيها المعارضة تدهور الامور الى غياب الوضع الديمقراطي أصلا ، وهي رؤية صحيحة وواقع لا يمكن ابدا تجاهله أبدا ، ولكن دعونا نرى كيف يتم طرح موضوع الديمقراطية من وجهة نظر سياسية بحتة ، بعيدة تماما عن طابعها الثقافي وارتباطها بالذهنية والتصور والمفاهيم السائدة .
فالديمقراطية في الأحزاب المعارضة السورية " حتى الآن " هي مفهوم مطروح كنقيض للسلطة الحاكمة ، وهي لا تتعدى هذه الرؤية أساسا ، لانه بمجرد الاستيلاء على السلطة ، سيبقى مضمون الحكم هو نفسه ، ويبقى جوهر التحكم بالسلطة واسلوب استخدامها هو نفسه ، حتى ان الثقافة لدى المعارضة المنادية بالديمقراطية ، هي ايديولوجيا وانتاج موجّه ومسيطر عليه تراعي الشروط الذاتية لتلك الحركات والأحزاب .
وهنا ينكشف تمسك بعض الأطراف والقوى السياسية السورية ظاهريا بهذه الديمقراطية المزيفة بسبب انكارهم بنفس الوقت حقوق الانسان وحقوق باقي القوميات والأديان الأخرى" الانظمة السياسية الشوفينية العنصرية تنكر وجود هوية الشعب الكردي و القوميات الاخرى في سوريا" .
تثبت متابعة تحركات تيار الاسلام السياسي المتطرف ارتهاناتها المأجورة لقوى الاحتلال في مناطق سيطرتها ونفوذها وتعاونها الفج المرفوض وطنيا تنفيذا للأجندات التوسعية الخارجية في المنطقة .
نرى من جهة اولى ، قوى وحركات سورية تستميت بسياستها ونضالها قولا وفعلا لتطبيق النظام الديمقراطي في سوريا في برامجها وأهدافها نظرا لتطور وتقدم نظم الحكم الغربية والتي تفتقدها البلاد العربية عامة وسوريا خاصة ، ونرى من جهة أخرى مجموعة قوى سياسية تدرك جيدأ الواقع السياسي في سوريا حيث يرتئي الاكتفاء بمكتسبات ظاهرية بسيطة " الحصول على بعض الحقوق خير من لاشيء " فهي ترحب بالتغيير نظرا لتأزم الوضع الراهن في سوريا ، ومنها قوى مهزومة داخليا تنفذ ما تطلبه الدولة التركية اوغيرها من الدول من أحلام الوصول الى السلطة دون أدنى معرفة بتحليل الوقائع والحقائق السورية العميقة والسعي الوطني الجاد الى تحديد بوصلة النظام الجديد وتحديد المنظومة القانونية لضمان حقوق كافة مكونات الشعب السوري .
كما ذكرنا هذه القوى مرتبطة ومنقادة حتى اعماقها بالأجندات الاقليمية من أجل تحقيق مصالحها للوصول الى السلطة والحكم ، فالمهم هو أن تنعم بالعيش الآمن ولو تحت سيطرة الأجندات الخارجية سواء أكان الحكم اسلاميا او علمانيا او قوميا ، فلا تهمها حقوق ومصالح مكونات الشعب السوري من قريب أو بعيد .
حقيقة لا تخشى القوى الديمقراطية من تمتع الإنسان بحقوقه المشروعة ، لكن تتخوف الدول الأقليمية من مشروع النظام الديمقراطي في سوريا بتدخلاتها السافرة والتي تريد عبرها تفصيل ثوب محدّد وفق مقاساتها ومصالحها التي ترتئيه في الشأن السوري ، فهي تريد تسويق وفرض نظم ديمقراطية شكلية ذات مضامين قومية دينية دوغمائية لتحقيق مصالحها التوسعية على حساب الشعب السوري ، وبالطبع هذا ليس من أجل تطبيق النظام الديمقراطي الحقيقي في سوريا وانما هو تضليل وترويج ومراوغة واستخفاف بعقول الشعب السوري.
ان الظلم والاضطهاد والحرمان والإستبداد الذي عانى منه الشعب السوري لعقود سيجعله متمسكا أكثر بأسس النظام الديمقراطي كأرضية لحلول المشاكل البنيوية التي عانى منها سنينا طويلة " الديمقراطية التعددية البرلمانية والاعتراف بحقوق كافة مكونات الشعب السوري وفي مقدمتها الشعب الكوردي والانتقال السياسي والتداول السلمي للسلطة نحو سوريا ديمقراطية حرة لأنه الحل الأنسب في حل الازمة السورية كخيار أساسي لا مفر منه أمام الشعب السوري " .
عندما نفكر في الأقليات تواجهنا صعوبات جمّة وهي ليست بالضرورة صعوبات معرفية ، بل هي صعوبات ذات طبيعة سياسية، فمع إنشاء الدول الحديثة كانت مسألة السيادة والوحدة هي الهاجس الأول وأي حديث عن أقليات داخل سوريا كان يُنظَر له بحذر بل بشبهة على أنه دعوة انفصالية أو تهديد للوحدة السورية ، وحتى في الدول العريقة في تقاليدها الديمقراطية في أوربا الغربية.
ففي النظام الديمقراطي يكون البشر أحرارًا، من حيث المبدأ، في التعبير عن آرائهم وتوجهاتهم المختلفة، ولهذا يبدو الاختلاف في الدولة الديمقراطية أكبر وأعمق من ذلك الموجود أو الظاهر في الدولة غير الديمقراطية، حيث يسود نمط التوحيد القسري وقمع الاختلافات وكبتها لصالح سيادة رأيٍّ أو اتجاهٍ واحدٍ.
وَهناك ظاهرة خطيرة جدا في بعض تيارات الإسلام السياسي قبولها بالديمقراطية شكلا ورغبتها في الانخراط في الحياة السياسية في النظام الديمقراطي ، وينبع هذا الارتياب من التخوف من كون هذا القبول مجرد قبولٍ تكتيكيٍّ ، يهدف الإسلام السياسي من ورائه إلى الوصول إلى السلطة ، لتحويلها لاحقًا إلى سلطةٍ إسلاميةٍ تحكم باسم الإسلام ، وتتخذ شكل دولة الخلافة الإسلامية غير الديمقراطية ولا العلمانية أو المضادة للديمقراطية والعلمانية " الاخوان المسلمون في مصر ، انقلابات الاسلام السياسي بشقيه السني والشيعي بالعنف في مناطق عديدة من العالم العربي والاسلامي " .
لا يبدو أن الديمقراطية تتناقض بالضرورة مع تسييس الدين أو مع الإسلام السياسي، ولا يبدو، في المقابل، أن الأيديولوجيا الدينية في السياسة مضادةٌ للديمقراطية والعلمانية بالضرورة ، فمن الواجب الاعتراف بوجود صيغٍ من الفكر الإسلامي الذي يقبل بالديمقراطية ولا يرى فيها تناقضًا مع مبادئ دينه وقيمه وغاياته، وإذا انطلقنا من فكرة أن الإسلام الشعبي العام ليس مضادًّا للديمقراطية عمومًا أو من حيث المبدأ، ولا سببًا يمكن أن يحول دون تحققها، فإن العقبة الفكرية الأساسية، في هذا الإطار، تتمثل في ذهنية التكفير الملازمة غالبًا للفكر الديني الأيديولوجي؛ فبدون التخلص من هذه الذهنية لا يمكن ولا ينبغي دخول عالم السياسة المؤسس على المساواة ، من جهةٍ ، وعلى القبول بمشروعية اختلاف الآخر وبأحقيته في التعبير عن هذا الاختلاف ، من جهةٍ أخرى.
في انتظار حصول هذا الجدل المنتج بين النظام الديمقراطي والإسلام السياسي، من الضروري التشديد على أن المعركة الأساسية، في سوريا عمومًا، ليست بين العلمانيين والإسلاميين أو الإسلامويين – كما يقول كثيرون، بحسن نيةٍ أو بسوء نيةٍ – وإنما بين الاتجاه الديمقراطي (الذي يضم إسلاميين أيضًا) والاتجاه المضاد للديمقراطية والذي يضم كثيرًا من العلمانيين المصابين بالإسلاموفوبيا ، أوالمنزلقين إلى انتماءاتٍ طائفيةٍ ضيقةٍ وبغيضةٍ ، أوالقوميين الذين يرون أنّ المعركة مع التوجه الديمقراطي الحقيقي في سوريا تقتضي تعليق معركة الحرية والديمقراطية في البلاد .
ما نحتاج إليه اليوم فصل الدين عن السلطة وليس عن المجتمع، حقوق الإنسان، الحريات العامة، الديمقراطية، الفصل بين السلطات، استقلال القضاء، أن يكون هناك رأي ورأي آخر.
أي خطوة في اتجاه مستقبل سوريا لا بدّ أن تنطلق من احترام حق الشعب السوري في الاختيار الحرِّ، وأنّ الإصرار على تسويق أي خيار استباقي بالقوة والإكراه في توقيت مقصود هو انتهاك لحق الشعب السوري في تقرير مصيره ومستقبله، كما أنه محاولة واضحة للالتفاف على نضال السوريين الطويل في سبيل الحرية والكرامة .