"يحتضر منذ 35 عاماً".. عراق "الهلال الخصيب" يسقط في الجفاف الأسوأ
شفق نيوز/ رسمت وكالة "رويترز" صورة قاتمة حول ظاهرة الجفاف حول "الهلال الخصيب" الذي يشمل العراق، قائلة إنه يحتضر منذ 35 سنة بعدما تسبب المزيج من مشاريع السدود والجفاف في تقليص منسوب نهري دجلة والفرات إلى خمس المستويات السابقة، فيما يتفاقم التوتر الاجتماعي والصراعات خاصة في جنوب العراق بين المجتمعات الزراعية.
وتستهل "رويترز" تقريرها الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ بالاشارة الى قصة المزارع عباس علوان الذي كان يحفر البئر تلو الاخرى في محاولته البائسة من أجل استخراج المياه لري مزارع عائلته في الديوانية في الجنوب. بعدما فشل في محاولة سابقة خلال شهر آب/ أغسطس الماضي.
وتابع التقرير؛ أن علوان أخذ مسدسا من مطبخ منزلهم واختفى في ظلمة الليل، لتعثر عليه زوجته حكمة متعب في اليوم التالي مصابا بطلق ناري في الرأس في قناة ري جافة بالقرب من الأرض القاحلة التي كانت تنتج ما يكفي من القمح والشعير لاعالة العائلة.
ونقل التقرير عن علي، شقيق عباس، (56 عاما) قوله ان "هذا كان الأمل الأخير له ولم يكن هناك ماء".
وربطت "رويترز" بين قصة عباس علوان وبين اجتماع قادة العالم في شرم الشيخ في مصر في إطار قمة المناخ، للبحث في قضايا تشمل المياه والأمن الغذائي، مشيرة الى أن مأساة علوان تسلط الضوء على الازمة التي يواجهها العراق ودول الشرق الاوسط الاخرى والتي يمكن أن تفاقم الاضطرابات حيث تتقاتل المجتمعات على موارد المياه المتراجعة.
ولفتت الوكالة الاخبارية الدولية الى انها اجرت مقابلات مع أكثر من عشرين شخصا في خمس محافظات في انحاء العراق، وقالوا إن الجفاف المتفاقم، يعرقل حياة الناس، فيما يعاني المزارعون في الجارتين في سوريا وتركيا من انخفاض هطول الأمطار.
وكانت بعثة الأمم المتحدة في العراق اعلنت ان "التغيير المناخي حقيقة ملموسة في العراق"، وان العراق يأتي في المرتبة الخامسة في العالم كأكثر الدول تعرضا لتداعيات الاحتباس الحراري بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار والتملح والعواصف الرملية.
واوضح التقرير؛ ان "الهلال الخصيب" عبارة عن قوس يمتد من البحر الابيض المتوسط الى الخليج العربي وشهد تطورا للزراعة منذ أكثر من 10 آلاف عام، مضيفا أن العراق تلقى ضربة ثلاثية تتمثل في تراجع تساقط الأمطار، والعقود من الصراعات بالإضافة إلى انخفاض تدفق المياه من خلال دجلة والفرات.
وذكر التقرير بما قاله الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد خلال قمة المناخ مؤخرا بان "التصحر يهدد الآن ما يقرب من 40 % من مساحة بلدنا الذي كان في يوم من الايام احد اكثر الدول خصوبة وإنتاجية في المنطقة".
ونقل التقرير عن الأستاذ في جامعة لوليا السويدية للتكنولوجيا نذير الأنصاري، قوله ان سقوط الامطار في العراق انخفض بنسبة 30 % خلال العقود الثلاثة الماضية، مع تسجيل التساقط الادنى للامطار خلال العامين الماضيين. وتابع قائلا ان "ما كان يعرف في السابق باسم الهلال الخصيب، بدأ يحتضر منذ حوالي 35 عاما".
أما خبير الطاقة والمياه المستقل في واشنطن والباحث في "معهد الطاقة العراقي" هاري استيبانيان فقد اشار الى ان تراجع المياه المتدفقة من تركيا عبر نهري دجلة والفرات اللذين يعتمد عليهما العراق أكثر من غيرهما في الري، قد جعل العراق أكثر انكشافا عندما تقلصت الأمطار. واضاف ان "تساقط الأمطار، والمياه الجوفية، اصبحا مهمين للغاية" بالنسبة الى العراقيين.
وبينما تؤكد بغداد ان السدود المقامة في اعالى منابع الانهار خاصة في تركيا، تتسبب في افراغ أنهارها، فان تركيا تقول انها لم تعمد الى تغيير مجاري الانهار او تقطع المياه، في حين أشار السفير التركي لدى بغداد في يوليو/تموز الماضي إلى أن تركيا ضربها الجفاف ايضا، وان على بغداد بدل أن تطالب بالمزيد من التدفقات المائية، ان تقوم بإدارة مواردها المائية بكفاءة أكبر.
ولفتت "رويترز" إلى أن بيانات وكالة الارصاد الجوية التركية تظهر أنه في مناطق جنوب شرق تركيا، حيث يتدفق منهما نهرا دجلة والفرات، فإن هطول الأمطار خلال السنة حتى سبتمبر/أيلول، كان أقل بنسبة 29 % من متوسط العقود الثلاثة السابقة ، وكان الأسوأ في العام 2021.
وبحسب الخبير المائي استيبانيان فان المزيج ما بين السدود والجفاف، تسبب بتقلص مياه النهرين اللذين يتدفقان إلى العراق هذا العام إلى خمس المستويات السابقة فقط. لكنه اشار ايضا الى عدم الاستغلال الجيد للمياه التي يحصل عليها العراق، بسبب سوء الادارة والسيطرة غير القانوني على الامدادات وبنى تحتية قديمة القديمة بعد عقود من الحرب، وهو ما يجتمع مع عامل التزايد السكاني السريع.
وبعدما ذكر التقرير؛ أن منظمة الأمم المتحدة للاغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة تشير الى أن نحو 90 % من محاصيل القمح والشعير، فشلت هذا الموسم، وان العراق كان بامكانه قبل العام 2002، انتاج نحو 5.5 مليون طن من القمح، نقل عن ممثل الفاو في العراق صلاح الحاج حسن قوله ان الحكومة العراقية تلقت العام الماضي 2.1 مليون طن فقط.
وعادت "رويترز" الى قصة عباس علوان في مزرعته في الديوانية، مشيرة الى انه كان تلقى بطاقة يحصل بموجبها شهريا على دعم قيمته 200 دولار أمريكي، إلا أنه مع تدهور المحاصيل وارتفاع أسعار المواد الغذائية، فإنه دخل في الديون. وفي محاولة يائسة منه، حاول عباس الذي كان يبلغ من العمر 62 عاما عندما انتحر، حفر المزيد الآبار حتى يتمكن من زراعة الخضار، لكن حفر كل بئر يعادل ما يقدم له من دعم شهريا، ولم يكن المياه المستخرجة تكفي سوى لبضعة ايام قبل ان تجف.
وفي قرية البوزيات، ذكر التقرير ان كثيرين نزحوا الى المدن او المحافظات الاخرى بحثا عن وظائف، بعدما جفت قنواتها المائية بالكامل. ونقل التقرير عن هادية عودة وهي من سكان القرية، قولها، إن "القرية فارغة"، مشيرة إلى أنها وزوجها توقفا عن زراعة القمح والشعير منذ ثلاث أعوام بسبب شح المياه ، وقاما ببيع مواشيهما واجبرا على السفر لمسافة 60 كيلومترا مرتين في الشهر من أجل شراء مياه الشرب.
وتابعت "رويترز" أنها عندما عادت الى قريتهما في تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، كان الزوجان قد غادرا ايضا، بينما قال رئيس بلدية المنطقة التي تقع فيها مزرعة علوان، أن "800 عائلة غادرت القرى" في المنطقة.
وفي اقليم كوردستان، ذكر التقرير أن إنتاج القمح انخفض بنسبة 70 % هذا العام الى 300 الف طن، بحسب المدير العام للموارد المائية في وزارة الزراعة في الإقليم كروان صباح صالح، ما اجبر كثيرين على حفر الآبار، لكنه اضاف ان "حفر الآبار ليس حلا استراتيجيا إلا أنه ما من بديل سريع لدينا".
وفي الجهة المقابلة في سوريا، نقل التقرير عن المزارع احمد حمود قوله وهو يقف بجوار ضفاف نهر الفرات، "توقفت عن الزراعة لأنه كان من المستحيل ري الأراضي الزراعية".
وختم التقرير بالاشارة الى ان الحرب الاهلية السورية المستمرة منذ فترة طويلة كانت نتيجة عن الاحتجاجات المعارضة للحكومة في العام 2011 والتي جاءت بعد فترة الجفاف الطويل الذي ضرب المحاصيل الزراعية والماشية، ودفع الناس إلى النزوح نحو المدن. كما نقل عن لجنة علوم المناخ التابعة للأمم المتحدة في ابريل / نيسان الماضي قولها إن الاضطرابات الشعبية التي حصلت كانت مرتبطة بشكل مباشر بالجفاف.
وفي جنوب العراق ايضا، ذكر التقرير أن التنافس على موارد المياه يتسبب بتأجيج الخلافات والصراع بين المجتمعات الزراعية، وفقا لمقابلات أجرتها "رويترز" مع 7 من زعماء العشائر والمسؤولين العراقيين.
ترجمة: وكالة شفق نيوز