وسط خلاف "حشدي": الكاظمي "الغاضب" يتسلم رسالة "ملغمة" عبر مطار أربيل
شفق نيوز/ من الصعب أن تكون الصدفة البحتة هي التي جعلت منفذي هجوم مطار اربيل ليل الأربعاء ينفذونه في هذا التوقيت، وأن الرهان على الحصاد السياسي هو الأساس من الهجوم بطائرة "الدرون"، أكثر من الحصاد العسكري.
فقصف الأربعاء الذي استهدف موقعاً للتحالف الدولي في مطار أربيل، تم عبر طائرة مسيرة تحمل متفجرات، في تحول نوعي بآلية الهجمات.
وتعرض المطار لقصف بعدة صواريخ في منتصف شباط الماضي ما أسفر عن مقتل متعاقد مدني وإصابة 5 آخرين وجندي أمريكي.
وأعلنت جماعة تطلق على نفسها اسم "سرايا أولياء الدم" مسؤوليتها عن الهجوم قائلة إنها استهدفت "الاحتلال الأمريكي" في العراق، ولم تقدم ما يدل على ادعائها.
وهذا هو ثالث هجوم من نوعه منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، حين استهدف مجهولون المطار بستة صواريخ دون وقوع خسائر بشرية، واتهمت سلطات الإقليم آنذاك فصائل الحشد الشعبي بشن الهجوم، لأن الصواريخ أُطلقت من سهل نينوى، حيث تنتشر تلك الفصائل.
فما الذي جرى خلال الأيام القليلة الماضية؟
استكمل الحوار الاستراتيجي الأميركي-العراقي جولته الثالثة بتفاهمات تمهد لتغيير طبيعة المهمة العسكرية الأميركية في العراق الى "تدريبية واستشارية" وتنتظر إعداد اللجنة الفنية المتفق عليها لجدولة عملية اعادة انتشار القوات الاميركية وسحب وحدات قتالية الى خارج العراق.
هذا الأمر يدفع إلى الترجيح أن هناك من يحاول التأثير في نتائج مسار الحوار الاستراتيجي، وتحديد أولوياته ونتائجه المحتملة، او ربما تقويض نتائجه المتوخاة مسبقا، بما في ذلك بالتأكيد مصير وجود القوات الاميركية، وحجمه، وطبيعة دوره، واحتمال تمركزه مستقبلا.
لكن المفارقة التي تحير المراقبين الذين تحدثت معهم وكالة شفق نيوز بهذا الصدد، أن التدقيق في لائحة المستفيدين المحتملين من أهداف كهذه، يمكن أن تكون طويلة، وتشمل لاعبين داخليين وأطرافا خارجية.
دور الكاظمي
قد تشكل نتائج الحوار إنجازاً لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي سيسجل في رصيده السياسي والشعبي، بخاصة في الفترة ما قبل الانتخابات البرلمانية في أكتوبر المقبل، والاهم، ان هذه النتائج قد تساعده على تحرير يديه في التعامل بحزم أكبر مع ملف الميليشيات والسلاح المنفلت وبسط سلطة الدولة.
ولهذا، فإن هجوماً كهجوم أربيل الأخير من شأنه أن يشكل ضربة مسبقة لأي إنجاز قد يسجل في رصيد الكاظمي سياسياً وأمنياً، وهما مسألتان مهمتان للعراق نفسه أيضاً في هذه المرحلة.
ويقول قيادي في فصيل شيعي مسلح لوكالة شفق نيوز، إن هناك بعض التوتر داخل الحشد الشعبي، سواء في العلاقة مع حكومة الكاظمي، أو في العلاقات والمصالح الداخلية التي تجمعها، وما حصل أخيراً كهجوم أربيل مثلاً، لم يحظَ بإجماع وتأييد داخل هذه الفصائل، وهذا من شأنه ان يفاقم التوترات الداخلية ويزيد من حدة الشقاق.
وأضاف "لا أستبعد زيادة الشرخ بين قادة الفصائل والكاظمي، فبحسب ما وصل للبعض فإن الكاظمي كان غاضباً ومستاءً عقب هجوم أربيل".
ماذا عن قاآني؟
ومن اللافت في هذا السياق، أن هجوم أربيل، جاء بعد زيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري العميد إسماعيل قاآني الى بغداد استمرت يومين، وبحسب مصادر خاصة لوكالة شفق نيوز، فإنه بحث خلالها عدة قضايا، من بينها حث فصائل الحشد الشعبي على التزام التهدئة في جانبين: العلاقة مع حكومة الكاظمي، وفي التوقف عن استهداف القوات الاميركية، وذلك قبل أيام من بدء الحوار الاستراتيجي الأميركي -العراقي، وهو ما أكده القيادي الشيعي.
واعتبر محللون أن دعوة العميد قاآني الى عدم مهاجمة القوات والمصالح الاميركية، مرتبطة برغبة إيران في إظهار حسن النوايا تجاه الاميركيين فيما كانت طهران تستعد لقنوات المحادثات التي فتحت وقتها مع الدول الاوروبية بشكل مباشر، ومع الأميركيين بشكل غير مباشر، للتفاوض حول العودة الى الاتفاق النووي الإيراني، وهو رهان استراتيجي حيوي للمصالح الايرانية، قد يبدو من غير المنطقي للمراقبين أن تجازف بالمخاطرة فيه من خلال هجوم عسكري ضعيف التأثير على غرار ما جرى في اربيل.
من يضبط الإيقاع؟
وبهذا المعنى، فإن ضرب مطار اربيل مجددا، يطرح علامات تساؤل كبيرة عما اذا كانت طهران غير قادرة على ضبط تصرفات الفصائل المسلحة، أو ما اذا كانت هناك جماعات مسلحة باتت بالفعل خارج قبضة النفوذ الايراني، أو خارج سيطرة قيادة الحشد الشعبي.
كما ان "هجوم الدرون" على مطار اربيل، جاء بعيد اختتام رئيس اقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني زيارة شديدة الاستثنائية الى بغداد، استمرت اياما عادة، وفتحت خلالها كل الملفات العالقة واعادت ترطيب الاجواء بين حكومتي بغداد واربيل، بعدما حصلت تفاهمات حول أزمة الميزانية والعلاقة المالية بين الإقليم والحكومة الاتحادية، ما أشاع حالة من الانفراج والتفاؤل بأن الآتي أفضل بين الطرفين، بما في ذلك مسائل التنسيق الحدودي والتعاون الأمني.
ومن الواضح أن مسائل كاتفاقية سنجار والتنسيق حول ما يسمى المناطق المتنازع عليها، أصبحت بمثابة محك اختبار حقيقي لنجاح خطوط التواصل بين اربيل وبغداد، وأن أكثر من جهة ربما يكون من مصلحتها التشويش على هذا التقدم المأمول من خلال عمليات كالاستهداف الجديد لمطار اربيل وهو الثالث خلال الشهور القليلة الماضية.
ويعني ذلك أن الجهة- او الجهات- التي يمكن أن تكون ضالعة في هجوم أربيل، لها مصلحة مباشرة في ضرب التوافق على خط بغداد-اربيل، واستمرار الحالة التي كانت سائدة من التعثر، والاستفادة من ضبابية المسؤوليات الامنية والعسكرية لا في سنجار وحدها، وإنما في كل المناطق المتنازع عليها على أمل "استثمارها" لمصالحها مستقبلا، وان الرد عليها يكون من خلال تفعيل روابط التعاون والتنسيق وسد الثغرات القامة ميدانيا وسياسيا بين الطرفين.
وفي المقابل، فإن الانطباع السائد عند الاميركيين ان هناك جهة، يرجحون عادة انها ايرانية او قوى عراقية موالية لها، تريد ان توصل رسالة الى واشنطن بأن اقليم كوردستان لا يمكن ان يكون بديلا مستقبليا لانتشار القوات الاميركية، وهو ما يضع عملية اربيل – ولا يحسم بالضرورة- أنها تشكل هجوما في اطار الصراع الاقليمي فيما تحاول ادارة جو بايدن ترتيب ملفاتها الاقليمية والدولية.